في ذكرى رحيل "باكثير"..الأديب اليمني ..أنقذته "واإسلاماه" من الاعتقال مرتين
السبت، 10 نوفمبر 2018 06:00 م
في العام 2010، شهد كاتب هذه السطور، الاحتفال بمئوية الكاتب اليمني الراحل، المصري بمرسوم ملكي، علي أحمد باكثير، التي عقدها اتحاد الكتاب العرب في القاهرة، وصدرت وقتذاك الأعمال الكاملة له، وكانت الاحتفالية قد انطلقت في قاعة نجيب محفوظ بالطابق الأرضي بمنى اتحاد الكتاب بقلعة صلاح الدين.
أنقذت "واإسلاماه" على أحمد باكثير من الاعتقال مرتين، في عهد جمال عبد الناصر، ولذلك قصة درامية طويلة سنؤخرها قليلا بعد أن نستعرض تفاصيل حياته، وظهوره على مسرح الحياة الثقافية والاجتماعية في مصر.

على أحمد باكثير
على أحمد باكثير ابن حضرموت، والراحل في العاشر من نوفمبر عام 1969، وكان ميلاده في مدينة إندونيسية، لأبوين يمنيين في 21 ديسمبر عام 1910، وفيها عاش أهم مرحلة من مراحل حياته، وهي الطفولة والنمو، وبعدها بعشر سنوات أرسله والداه إلى اليمن، حيث درس في مدينة "سيئون" على يد عمه محمد بن محمد باكثير، وأحب اللغة العربية، فحفظ أعمال المتنبي، وتمنى أن يصير شاعرا.
اقرأ أيضا: في ذكرى ميلاد عبد الرحمن الشرقاوي.. حكاية صاحب "الأرض" و"الحسين ثائرا" والشوارع الخلفية
حصل باكثير على الجنسية المصرية في الأربعينات، بمرسوم ملكي، عام 1951، واتصل في مصر بالأدباء الكبار، أمثال عباس العقاد، والمازني، ونجيب محفوظ، وتوفيق الحكيم، وكان قد اشتهر عند قدومه مصر، بأنه شاعر حضرموت، حيث كان قد اطلع على مسرحيات أحمد شوقي الشعرية، خلال إقامته في الحجاز، وأعجبه منجز شوقي الكبير، فكتب أولى مسرحياته "همام أو في بلاد الأحقاف" على منوال شوقي، ثم لم تلبث نهضة مصر الأدبية أن جذبته إليها، فجاء مصر عام 1934، وكانت نيته دراسة اللغة العربية والدين الإسلامي في الأزهر، لكنه التحق بجامعة فؤاد الأول، دارسا في قسم اللغة الإنجليزية، وترجم مسرحية "روميو وجولييت" لشكسبير التي كان يدرسها آنذاك، عام 1936، وألف مسرحيته إخناتون ونفرتيتي عام 1938، بالشعر الحر، وصار رائد هذا النوع من النظم الشعري في الأدب العربي.

واإسلاماه
تخرج باكثير في كلية الآداب عام 1939، والتحق بمعهد التربية للمعلمين، وحصل منها على الدبلوم عام 1940، ليعمل مدرسا للغة الإنجليزية في المدارس الثانوية، لمدة خمسة عشر عاما.
وفي سنة 1955، انتقل للعمل في وزارة الثقافة والإرشاد القومي وظل يعمل بوزارة الثقافة حتى وفاته سنة 1969، وكان عضوا في لجنة الشعر بالمجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب في مصر، وكان أول أديب نال منحة تفرغ لكتابة ملحمة مسرحية عن عمر بن الخطاب، وكانت أكبر ملحمة إسلامية كتبها أديب عربي، حيث جاءت في 19 جزءا، وهي تعد ثاني أطول عمل مسرحي في العالم، وقبل رحيله بعامين، حصل على منحة تفرغ أخرى عام 1967، لثلاثية مسرحية عن غزو نابليون لمصر وهي "الدودة والثعبان" و"أحلام نابليون" و"مأساة زينب".
وجمع أعمال باكثير الدكتور محمد أبو بكر حميد الذى كتب فى مقدمة الكتاب تعريفا بباكثير ذكر فيها حلمه بإمارة الشعر بعد شوقى لدى مجيئه إلى مصر، لكن التحاقه بكلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية بجامعة فؤاد الأول"جامعة القاهرة" جعله يتخلى عن هذا الطموح الشعرى لصالح فن المسرحية، وفى الوقت نفسه كتب الرواية، وحقق نجاحا فيها، حيث حصد عدة جوائز فى المسابقات الأدبية، وقررت بعض رواياته على طلاب المدارس، وأخرج عددا كبيرا منها للسينما، وجاء إجمالى نتاج باكثير الروائى ست روايات هم " سلامة القس"، "وإسلاماه" و" ليلة النهر" و"الثائر الأحمر" و"سيرة شجاع" و"الفارس الجميل" وقصة قصيرة واحدة هى "عودة المشتاق".
وظهر اسم باكثير الروائى فى مصر فى بداية الأربعينات حيث كان هو ونجيب محفوظ من أوائل المنضمين للجنة النشر للجامعيين، التى أسسها عبد الحميد جودة السحار عام 1943 لنشر أعمال الأدباء الشبان، وفاز باكثير ونجيب محفوظ بجائزة السيدة قوت القلوب الدمرداشية واقتسما قيمة الجائزة وحصل كل واحد منهما على أربعين جنيها.
وكانت أول جائزة يحصل عليها باكثير ومحفوظ، الأول عن روايته " وا إسلاماه" والثانى عن روايته "كفاح طيبة"، وتم تدريس رواية "وإسلاماه" على طلاب المدارس فى مصر بدءً من عام 1945، لتكون أول رواية لأديب غير مصرى تقرر على طلاب المدارس.
ويؤكد أبو بكر حميد فى مقدمته للأعمال الكاملة لباكثير أن رواية " وإسلاماه" أنقذت مؤلفها من السجن، عندما وقعت الفتنة بين رجال ثورة يوليو، والإخوان المسلمين، عام 1954، حيث كان اسم باكثير ضمن الأسماء التى لا يمكن اعتقالها إلا بإذن من الرئيس جمال عبد الناصر، وكان طلب اعتقاله بحجة أنه كان ينشر بعض مسرحياته فى صحيفة "الإخوان المسلمون" كما تربطه علاقات ودية ببعض الإخوان وبخاصة سيد قطب بصفته ناقدا أدبيا، لكن جمال عبد الناصر رفض اعتقاله، وكرمه بعد ذلك بتسع سنوات ومنحه وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، وذكر حميد مقولة عبد الناصر التى قالها لباكثير وهو يكرمه " وإسلاماه أكثر عمل أدبى تأثرت به قبل الثورة بعد "عودة الروح" لتوفيق الحكيم.
كما نقل حميد أيضا عبارة أمين هويدى رئيس المخابرات المصرية الأسبق فى المقدمة أن هذه العبارة أنقذت باكثير من السجن مرة أخرى عام 1966 لصلته بسيد قطب، حيث برر عبد الناصر رفضه لاعتقال باكثير أن هذه الصلة التى تربطه بقطب صلة أدبية ليس أكثر، وأن باكثير لا ينتمى إلى تنظيمات سياسية.