موسيقى المظلومين.. رصاص الأغاني العربية في قلب المحتل العثماني

الثلاثاء، 27 نوفمبر 2018 12:00 م
موسيقى المظلومين.. رصاص الأغاني العربية في قلب المحتل العثماني
الأغنية الشعبية
أمل غريب

استخدمت الشعوب العربية سلاح القصائد الشعرية والغاني والزجل، سلاحا قاوموا به المحتل العثماني، ورددوها في سهرات السمر بالحقول أو في زنازين التعذيب في سجون ولاة اسطنبول، الذين امتلأت بطونهم من أقوات النساء والأطفال في دمشق وعكا والقاهرة، فكانت كلمات الأغاني التي كتبوها ضد المحتل العثماني الهمجي،  سلاحا بيد الشعوب في مصر والشام والعراق وفلسطين، وكشفت عن فظائع الظلم وبقيت ذاكرة حية كي لا ننسى جرائم الأتراك الذي استمروا يحكمون البلدان العربية قرابة الـ4 قرون، أذاقوا فيها العرب ويلات الظلم والعذاب والقهر.

 
«مريم مريمتي وعيني مريما».. تخلد قصة خطف فتاة الإسكندرون

وذكر المؤرخ الدمشقي «ابن طولون» في كتابه «مفاكهة الخلان في أحداث الزمان»، اعتياد الاتراك على خطف النساء، ومنها حادثة اختطافهم لمجموعة كبيرة من نساء دمشق، على الرغم استقبال أهل المدينة لهم وفتحهم أبوابها بقصد المساعدة والضيافة، وهو ما سجلته الأغنية الشعبية في واقعة واحدة من آلاف حوادث الاعتداء العثماني على الحرمات العربية.

وتخلد أغنية «مريم مريمتي» قصة فتاة من لواء الإسكندرون السوري المحتل، التي كانت مخطوبة لشاب من قريتها اسمه جميل، رأها ضابط عثماني في أحد الأيام وفي الحال سأل عنها، إلا أن أهل القرية فطنوا إلى القصد  الخبيث من وراء سؤال الضابط العثمانلي، واتفقوا على زفافها بسرعة إلى خطيبها، لكنه علم بما يدبر أهل القرية، فهجم عليها وخطف الفتاة، فما كان من خطيبها سوى مطاردة الخاطفين الأتراك، ومات قتيلا برصاص الضابط التركي.

تقول كلمات الأغنية: «مريم مريمتي وعيني مريما.. مريم مريمتي وعيني مريما.. والقلب مجروح بده مرهما.. يا عيني بده مريما.. مريم ع السطوح.. والشعر عم بيلوح.. والقلب مجروح بده مرهما.. يا عيني بده مريما.. قلي الحكيم الخمرة حرام وشربها بيهذيك.. قلتلو يا حكيم الله يبليك بهوا سمرا.. قلتلو يا حكيم الله يبليك بهوا شقرا حتى تعرف إنو الخمرة تشفيك.. أمان يابا.. مريم يا دلي وشعرا بي تلي.. وعسكر عثمانلي خطفوا مرياما.. يا يما أخذوا مرياما».

 

«عالروزانا عالروزانا كل الهنا فيه» خلدت نخوة العرب وغدر الأتراك

منح الولاة والسلاطين العثمانيين، كل الامتيازات التجارية للأجانب، مما أسفر عن تدهور الأحوال الاقتصادية للبلاد، وتفرغوا لجمع الجباية والضرائب الباهظة عمدا، لإفقار أهل الشام، بسبب أن التجار الشوام كانوا يدعمون الحركات الإصلاحية التي يقيمها المماليك، ويشاركون في الإضرابات المتكررة احتجاجا على الظلم والاحتكاروالنهب المنظم.

أرسلت الدولة العثمانية إلى ميناء بيروت، في إحدى المرات، باخرة تجارية كبيرة تدعى «الروزانا»، كانت محملة ببضائع كثيرة، وباع الأتراك البضائع بأسعار بخسة، لإفلاس تجار المدينة بفساد بضائعهم في المخازن، إلا أنه عندما علم تجار حلب بما حدث لأشقائهم في بيروت، على المحتل العثماني، سارعوا لإنقاذهم واشتروا بضائعهم لانتشال المدينة من الإفلاس، مما دفع أهل لبنان إلى تخليد موقف إخوانهم الرجولي من في حلب ضد الغدر العثماني، بأغنية تقول كلماتها: «عالروزانا عالروزانا كل الهنا فيها.. شو عملت الروزانا الله يجازيها.. يا رايحين لحلب حبي معاكم راح.. يا محملين العنب تحت العنب تفاح كل من وليفة معه وأنا وليفي راح.. يا ربي نسمة هوى ترد الولف ليا لطلع لراس الجبل وأشرف على الوادي.. وأقول يا مرحبا نسم هوى بلادي».


 

«على دلعونة وعلى دلعونة» تصف آلام التغريب والغربة لشباب العرب

كان الاضطهاد العثماني للشباب في كل بقاع الدول العربية، سببا في هجرتهم خارج بلادهم، وهو ما خلف ورائه مشاعر الحزن والأسى لفراق الأبناء والأحباب والخلان، فسجل تراث الشام هذا الآلم بأغنيات تفطر القلوب، منها واحدة يقول مطلعها: «على دلعونة وعلى دلعونة.. القعدة ببلادي أحلى ما يكونا.. أمي يا أمي حبيبي وينو.. سكر البحر ما بينى وبينو.. إن كنو متدين لأوفيلو دينو.. عشرة عثمانلي ما بيهمونا».

خيانة العراق وبيعهم بغداد بــ «جل جل عليّ يالرمان»

خلدت الأغاني العراقية الخذلان التركي لهم أمام المستعمر البريطاني، وفضحوا خيانتهم وتسليمهم بغداد للمحتل الإنجليزي، بعدد من الأغاني منها «جلجل عليه الرمان»، رمزا للاحتلال بالرمان، حيث الطربوش التركي بلونه الأحمر، وتقول كلماتها «جل جل عليّ يالرمان.. نومي فزع لي هذا الحلو ما أريده.. ودوني لهلي جلجل عليه الرمان.. نومي فزع لي هذا الحلو ما أريده.. ودوني لأهلي».

 
الشعليات.. أغنيات الأرامل واليتامى والثكلى على يد الأتراك

وسجل الشعب العربي في فلسطين، أروع الأغاني التي تصف جرائم المحتل التركي وقتل الشباب في حروب العثمانيين بعد فرض التجنيد الإجباري، عبروا عن الام الأمهات الثكلى والزوجات المترملات والأطفال الأيتام، باغنيات عرفت باسم «الشعليات»، ومنها واحدة تدعو الشباب للهرب هربا من التجنيد في جيوش المحتل وتقول: «وحَيِّدْ عن الجيشِ هي يا غالي.. يا عزيز الرّوح يا بْنِ خالي وِإنْ صابك إشي لَـ اقتلْ حالي.. واقًصِ الجديلة وشعري احِلُّه».

بـ «قوم يا مصري مصر دايما بتنديك» كافح درويش المحتل العثماني

تعرض الشاعر «حمد بن مبارك العقيلي الإحسائي» للاعتقال، بسبب مقاومته للعثمانيين بالكلمات، كما اشتهر مثله «محمد بن عبدالله العوني» أحد أهالي بريدة، بأشعاره الوطنية، والتي واجهت عسف المحتل العثماني وعملائه، إلا أن السجن كان جزاء التعبير عن آلام الشعوب العربية، وهو ما سجله تراث الجزيرة العربية، بقصيدة «شاعر في سجن العبيد العثماني في الإحساء»، والتي تقول: «اليماني قال حياتي ما تفيد.. سهران طول الليل وعيني ما تنام يا من لقلب طاح في قصر العبيد.. لطال يومه والمسا بوسط الظلام ضواه الليل صكوا به حديد.. والعدد عند النبطشي بالدوام».

وعبرت الوطنية المصرية في ثورة 1919 في وجه المحتل الإنجليزي ودعاة العودة للاحتلال العثماني، عن حجم الرفض الشعبي لهم، والذين اشتهروا باسم «الجامعة الإسلامية»، فخلدت أغاني فنان الشعب «سيد درويش» أحلام وآمال المصريين في الحرية بكلمات أغنية «قوم يا مصري»، وتقول كلماتها: «قوم يا مصري مصر دايما بتناديك.. خد بنصري.. نصري دين واجب عليك.. يوم ما سعدي راح هدر قدام عينيك.. عدلي مجدي اللي ضيعته بإيديك.. شوف جدودك في قبورهم ليل نهار.. من جمودك كل عضمة بتستجار.. فين آثارك ياللي دنست الآثار.. دول فاتولك مجد وانت فوت عار».

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة