استقر وقتها على عدم إعدام النساء.. كيف أقنع القضاء بتنفيذه الحكم على «ريا وسكينة»؟

الثلاثاء، 04 ديسمبر 2018 09:00 ص
استقر وقتها على عدم إعدام النساء.. كيف أقنع القضاء بتنفيذه الحكم على «ريا وسكينة»؟
ريا وسكينة
كتب محمد أسعد

كالجرائم ذاتها التي ارتكبتها العصابة، في كونها جرائم غريبة على المجتمع المصري، كان تنفيذ عقوبة الإعدام يُطبق لأول مرة على النساء، لتكون ريا وسكينة أول سيدتين يتم تنفيذ عقوبة الإعدام عليهن في العصر الحديث، يومي 21 و22 ديسمبر 1921،  فكيف أقنعت النيابة العامة في مرافعتها، هيئة المحكمة بإصدار حكم الإعدام عليهن وتطبيق الحكم لأول مرة؟

في مرافعته قال سليمان بك عزت، رئيس النيابة التي تولت التحقيق في القضية، استهلها بالتدليل على مدى فظاعة وشذوذ الجرائم التي ارتكبوها، باعتبارها أكثر الجرائم التي نظرها القضاء المصري – حتى ذلك الحين- وحشية وجنونًا، على كثرة ما عرض عليه من جرائم وحشية، وفي تعليله للحكم بتفرد هذه الجرائم ذكر لذلك خمسة أسباب.

أول هذه الأسباب أن الضحايا كن من النساء الضعيفات البائسات اللواتي يبعن أجسادهن ويدخرن جانبًا من الدخل الذي يعود عليهن من هذا العمل على شكل مصوغات، فجاءت العصابة لتسلبهن ما ادخرنه ليتغلبن به على  تقلبات الزمن، من دون أن تسئ واحدة منهن لفرد من أفرادها أو تكون في الموقع الذي يتيح لها أن تسيء إليهم، أو تملك من القوة ما يمكنها من الدفاع عن نفسها، إذا كان الفقر والضعف الذي يصل إلى حد الذل، وانعدام الأهل والنصير هي المزايا التي رشحتهن للقتل.

ريا وسكينة
ريا وسكينة

كما أن الضحايا، كن على العكس من ذلك، من المتعاملات مع أفراد العصابة، وممن أقمن معهم علاقات عمل وصداقة، وصلت أحيانًا إلى حد الحب والعشق، فاستغلوا ثقتهن فيهم، واطمئنانهن إليهم، للغدر بهن.

أما السبب الثالث أن المتهمين لم يكتفوا بقتل واحدة، أو اثنتين، بل قتلوا سبع عشرة امرأة، وتفرغوا – طوال عام كامل- لهذا العمل، ولم يسع أحد منهم للبحث عن عمل يتعيش منه، حتى بدا وكأنهم قد احترفوه، ولم يعودوا يستطيعون القيام بسواه.

وجاء السبب الرابع أن المتهمين في حوادث القتل يجدوا عادة مبررًا أو دافعًا لما فعلوه، كالأخذ بالثأر أو الغيرة أو غسل العار أو الانتقام أو حتى السرقة يتذرعون به لطلب الرأفة بهم، فيما عدا الجرائم التي ارتكبتها هذه العصابة، التي يعز فيها وجود ذرائع من هذا القبيل.


صلاح عيسى
صلاح عيسى
صلاح عيسى

والخامس أن الطريقة التي اتبعتها العصابة في قتل ضحاياها بكتم أنفاسهن قد تبدوا أقل قسوة من غرها من طرق القتل، إل أن الوسيلة التي اتبعوها في إخفاء الجثث تكشف عن غلظة قلوبهم، وتبلد أحاسيسهم إذ كانوا يدفنون الجثث في المكان الذي يعيشون فيه، فيأكلون ويشربون ويتضاجعون، بل ويحششون ويكسرون ويتسامرون ويزنون فوق الجثث، وكأن فذلك كله شيء عادي، وبذلك تجاوزوا حدود الطبيعة البشرية إلى التصرفات البربرية التي لا حد لشرها.

وفي كتابه "رجال ريا وسكينة" يشير الكاتب الراحل صلاح عيسى، إلى ما ذكره سليمان بك عزت أمام المحكمة، بأن القضاء المصري قد استقر على عدم الحكم بإعدام النساء، فقال إن قانون العقوبات لا يفرق بين المرأة والرجل، واستدل على ذلك بالنص على تأجيل تنفيذ الحكم بالإعدام على المرأة الحامل إلى أن تضع حملها، وأضاف أن عدم صدور أحكام بالإعدام ضد النساء قبل ذلك كان يعود إلى سببين، الأول أن معظم جنايات القتل التي يرتكبها النساء كانت من النوع الذي تنطوي وقائعه على مبررات للرأفة، كأن تكون المرأة قد قتلت ضرتها، أو دست السم لشخص يؤذيها، وهي حالة غير متوفرة في قضية ريا وسكينة التي تكاد تخلو من أي مبرر للرأفة.

رجال ريا وسكينة
رجال ريا وسكينة

والسبب الثاني أن الإعدام كان ينفذ قبل ذلك علنًا في الميادين العامة، مما كان يدفع القضاء لتوقي الحكم بالإعدام على النساء رأفة بهن، وحرصًا على عدم تنفيذه فيهن علنًا، أما وقد أصبح الإعدام ينفذ داخل السجون، فلم يعد هناك مبرر لاستثنائهن من الحكم بالإعدام.

وقال محمد بك أبو شادي – أحد المحامين عن المدعين بالحق المدني- أيد طلب النيابة، بإعدام ريا وسكينة، إن عدم صدور أحكام بالإعدام ضد النساء، فيما عدا حكما واحدا صدر في بداية إنشاء المحاكم الأهلية عام 1883 ، أدى إلى تشجيع النساء على ارتكاب جرائم القتل.

وهكذا نجحت النيابة العامة في إقناع هيئة المحكمة بتطبيق عقوبة الإعدام على ريا وسكينة، بعد أن استقر القضاء المصري على عدم تنفيذ العقوبة على النساء، لتكونا بذلك أول سيدتين يطبق عليهن الحكم في العصر الحديث.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة