عن سوريا وما يحدث بها

الأربعاء، 19 ديسمبر 2018 02:12 م
عن سوريا وما يحدث بها
يوسف أيوب

 
الوضع على الساحة السورية يكشف لنا طبيعة التكتلات والتحالفات بالمنطقة التى تتغير ربما كل ساعة وفقاً لمصالح كل طرف، فنحن أمام منطقة تموج بالمصالح المتقاطعة والمتضادة، وتتقلب فيها الأحداث والمواقف سريعًا، دون أى اعتبار للقواعد السياسية القديمة.
الحديث الآن يدور فى الأروقة العربية بشأن إمكانية عودة سوريا إلى مقعدها الشاغر فى جامعة الدول العربية منذ نوفمبر 2011، وقد بدأت تحركات فى هذا الاتجاه، منها المذكرة التى رفعها البرلمان العربى لمجلس جامعة الدول العربية للمطالبة بإعادة تقييم قراره السابق بتجميد مشاركة الوفود السورية في الاجتماعات العربية، كما طالب بإنهاء تجميد عضوية سوريا في الجامعة، وسبقه أيضًا انفتاح سورى عربى رسمى، بعدما كنا نسمع عن لقاءات سرية تجمع مسئوليين سوريين وعرب.
 
شاهدنا لقاء يجمع وزير خارجية البحرين ونظيره السورى على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك سبتمبر الماضى، وزيارة لوزير خارجية سلطنة عمان لدمشق، وأخيرًا الزيارة التى أثارت جدلا كثيرا، للرئيس السودانى عمر البشير إلى دمشق ولقائه نظيره السورى بشار الأسد، فى زيارة هى الأولى لرئيس عربى للعاصمة السورية منذ بدء الأزمة بسوريا فى 2011.
 
إذا تحدثنا قليلاً عن زيارة البشير لدمشق، فهى من وجهة نظرى لم تكن مفاجئة فى مضمونها، لكن المفاجأة ارتبطت بالتوقيت، فالموقف السودانى من الوضع فى سوريا لم يكن متشدداً، بل كانت هناك اتصالات بين الجانبين، وهو ما أكده لى شخصياً الرئيس عمر البشير، فى الحوار الذى أجريته والأستاذ أكرم القصاص فى مارس 2015 ونشر على صفحات جريدة "اليوم السابع"، فالرجل قال نصاً "موقفنا منذ بداية الأزمة وقبل أن تتطور إلى صراع، أنه كان هناك اتصال مع الإخوة فى سوريا وكانت لدينا مبادرات لحل المشكلة إلى أن تطور الصراع، ومع ذلك ظل موقفنا ثابتا بأنه يجب العمل على حل سياسى"، وحينما سألناه هل هناك اتصالات سودانية مع الرئيس بشار الأسد والمعارضة، قال "نعم.. لدينا اتصال مع الرئيس بشار الأسد، ومع المعارضة".
 
إذًا الاتصالات قائمة، لكن ربما عبر غرف سرية، لكن الرئيس البشير قرر فجأة أن يخرج بها إلى العلن، أخذًا فى الاعتبار أمر أخر مهم، وهو أن السودان ليس من الدول الفاعلة فى الملف السورى، لكنه يراه الآن إحدى الأوراق التى يمكن أن تستخدمها للمناورة، سواء فى الداخل السودانى، أو على المسرح الإقليميى، أما داخلياً، فالخرطوم حالياً منهمكة فى حوارات سياسية بشأن مستقبل النظام السياسى، وفق آليات التفاهم الأفريقية التى تجرى ما بين الحكومة والمعارضة، فضلاً عن أزمة اقتصادية تضغط كثيراً على الحكومة، ومن ثم لابد من البحث عن "ضربة" خارجية، ربما تبعد الأنظار ولو مؤقتًا عن الداخل.
 
أما خارجياً، فالسودان بدأت فى توثيق علاقاتها مع روسيا، ونسمع يومياً تصريحات مسئوليين من البلدين عن تطوير العلاقات السياسية والاقتصادية، وقبل أيام كان الرئيس البشير ضيفاً على "بيلاروسيا" وافتتح السفارة السودانية في مينسك، كما وقع عددا من مذكرات التفاهم والاتفاقيات المفيدة للخرطوم اقتصادياً، ومن هنا لم يكن مستبعداً أن يكون التقارب الروسى السودانى من ضمن آلياته انفتاح سودانى علنى على دمشق، حتى يتم تمرير بقية الاتفاقات.
 
وقد سمعت سودانيين يتحدثون عن تغير فى الوجهة، فبعد أن كانت البوصلة تجاه الخليج، اختارت الخرطوم حالياً موسكو وأنقرة، لأسباب مختلفة، ربما على رأسها أن النظام السودانى لا يرضى بما تحقق له حالياً من وقوفه خلف دول الخليج.
 
المهم أن زيارة البشير إلى دمشق لم تكن مفاجئة، وإنما جاءت فى سياق طبيعى لمجريات الأحداث، والمرتبطة بتعديل فى المواقف والمصالح أيضاً بالمنطقة، ولا ننسى أن تركيا على سبيل المثال التى كانت فى 2011 رافعة لواء "خلع الأسد"، ودعمت وأنشأت ما أسمته بالمعارضة المسلحة، التى هى بالأساس ميليشيات، تريد أن تستخدمها الآن فى تحقيق أغراضها التى ظهرت مؤخراً، وسأتحدث عنها بعد قليل.
 
تركيا الآن التى كانت تصف الأسد بالديكتاتور القاتل، ها هى على لسان وزير خارجيتها تقول إنها مستعدة للتعامل مع الأسد حال فوزه فى انتخابات نزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة، وهو تغير دراماتيكى، امتداداً للتغيرات التى بدأتها أنقرة، حينما كشفت عن أهدافها الحقيقية تجاه سوريا، وانضمت إلى التحالف الروسى الإيرانى، وأعلنتها صراحة أن هدفها السيطرة على المنطقة الحدودية، لقمع أى تحرك كردى، فالهدف التركى من الأزمة السورية يمكن اختصاره فى أمرين، الأول وأد أى تحرك كردى يمكن أن يكون له وضعية مستقبلية، والثانى أن يكون لتركيا ذراعا مسلحة داخل الدولة السورية تستفيد منه وقتما تحتاج إليه.
 
إذًا لعبة المصالح هى التى تتحكم حالياً فى الساحة السورية، وليس أدل على ذلك أنه بخلاف تركيا، فإن الدول التى كانت تناصب الأسد العداء، ها هى الآن تتفق معه فى مواجهة الجماعات الإرهابية، التى هى من صنع هذه الدول، لكن يبقى الخلاف الجوهرى حالياً بشأن وضعية التواجد الإيرانى فى سوريا، فإذا ما حدث اتفاق أو توافق بشأن إيران، وعدم تكرار النموذج العراقى فى سوريا فلا أستبعد أن يكون الأسد ضيفاً مرحباً به فى واشنطن والدول الأوربية والعربية كلها، وهو ما يدركه الأسد جيدًا، ومعه الدب الروسى الذى يحاول من خلال التوافق مع تركيا وإيران العمل على إيجاد آلية جديدة لإخراج سوريا الأسد من الوضع الحالى، بصورة تَلقى قبولاً غربياً، ولتكن البداية بلجنة الدستور التى يُجرى التشاور بشأنها حالياً، وتنتظر وضع اللمسات الأخيرة.
 
وما يدل على ذلك دعوة قائد "وحدات حماية الشعب" الكردية، سيبان حمو، الحكومة السورية إلى حماية حدود سوريا وأرضها، مؤكداً استعدادهم للعمل المشترك مع دمشق "لصد تركيا" التى "تحاول بكل جهدها وتعطي أولوية للقضاء على مكتسبات الأكراد، إذ إنها حشدت قوات على الحدود وقصفت داخل سوريا"، ومعلوم للجميع أن هذه الوحدات تتلقى دعماً وتدريباً من الولايات المتحدة، ومعنى أن يخرج قائدها بهذا التصريح أن هناك ضوءا أخضر أمريكيا بأن تتعاون مع الجيش السورى تحت قيادة الأسد.
 
ملخص الوضع أن الأزمة السورية تشهد حالياً تغيرات متسارعة، سيكون لها صدى إقليمى ودولى كبير، وربما تكون البداية بعودة سوريا إلى مقعدها فى الجامعة العربية، بقرار يصدر عن القمة العربية التنموية والاقتصادية التى ستعقد فى لبنان الشهر المقبل، أو على أقصى تقدير القمة العربية فى تونس مارس المقبل، ومن بعدها تعود عجلة السياسة للدوران فى دمشق، وكأن شيئا لم يكن، إلا شئ واحد فقط، وهو أن الأقنعة زالت، وتكشفت حقيقة الحماس التركى للثورة السورية فى بدايتها، وغيرها من الدول التى كانت ترى فى سوريا أرضاً لحرب بالوكالة. 
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق