حال الاقتصاديات العربية بعد نضوب البترول 2035

الأحد، 23 ديسمبر 2018 10:00 ص
حال الاقتصاديات العربية بعد نضوب البترول 2035
د. جمال القليوبى يكتب:

كثيرًا ما تساورنى الشكوك فى ما حدث من هزات كثيرة لسعر البرميل النفط، وكيف تماشت معه الموازنات الاقتصادية للدول النفطية المختلفة والتى جعلت لها قانونا لاحتكار السلعة يخضع إما لنظرية العرض، أى زيادة التخمة من البترول، أو لنقص المعروض، وكلاهما منظور يتحكم فى قيمة البرميل، وتستوى فى ذلك الدول التى لديها اقتصاديات ترتبط بالنفط ارتباطا بمصدر من مصادر الدخل المتعددة، وكذلك الدول الأخرى التى تعتمد- اعتمادًا شبه كامل فى اقتصادها- على سياسية البيع المباشر فقط لسلعة برميل النفط، وليست لديها البدائل التى قد تلجأ إليها، ومن خلال تقييمات تلك الموازنات عبر اكثر من ٧٠ سنة مرت على كلا النوعين من تلك الموازنات الاقتصادية فى هذه الدول وبخاصة النوع الأخير والذى أثرت فيه كثيرا التخبطات التى خطط لها الغرب وأدارها بنجاح فى انخفاضات لسعر النفط أصبحت تمثل تكثير عظام لحياه الشعوب النفطية، من هنا ندرك أن الاكتفاء بالمراهنة على عودة أسعار النفط الذى تتوقعها أوبك، بانخفاض إنتاجها إلى ما دون مليون وأربعمائة ألف برميل يوميا، وتمويل العجز فى اقتصاد دولها حتى تعود الأسعار، لا يجب أن يكون بأى حال من الأحوال الأسلوب الوحيد فى التعامل مع الأزمة الراهنة محدد فى نظرية خفض أو زيادة، ويبقى الخوف الرئيسى من تفاقم الآثار السلبية على سعر البرميل وهو حالة الصراع على الحصص بين النفط التقليدى والصخرى وخصوصاً، أن العلاقات السائدة بينها تبدو فى أسوأ حالاتها، وفى حال انفراط الإنتاج مرة أخرى نتيجة حرب الأسعار، فستكون عواقبه على الدول المنتجة وخيمة، وأعظم مما كانت عليه فى الثمانينيات، فالآثار التى خلقتها حقبة رواج أسعار النفط على الدول المنتجة سلبية جداً ويصعب تعويضها، ويكمن التحدى لدى الاقتصاديات العربية فى هذا التحدى خصوصاً فى ظل ارتفاع معدلات التوظيف فى القطاع العام، حيث لا تزال العمالة المواطنة تتركّز بأكثر من 70 % فى القطاع العام فى أربع من دول مجلس التعاون، واستمرار هذه السياسية غير مستدام حتى فى حال عودة أسعار النفط إلى كسر حاجز 100 دولار للبرميل، حيث من المتوقّع أن يتضاعف الداخلين إلى سوق العمل مع حلول عام 2030، وهو ما يعنى تضاعف نفقات دول مجلس التعاون.
 
إن أسعار النفط غير معروف مستقبلها، ومن هنا أصبح لزاماً على دول الخليج مراجعة سياساتها الاقتصادية، والاستعمال الأمثل لتلك الفوائض فى دعم عملية الانتقال من اقتصاد ريعى يعتمد على النفط إلى اقتصاد منتج، فقد كان النمو المطرد فى الإنفاق العام خلال العشرة سنوات الماضية مصحوباً بتبعات سلبية، وقد كشفت الأزمة الحديثة منذ ٢٠١٤ حتى مايو ٢٠١٧ مدى خطورة السياسة السابقة ولعل انخفاض أسعار النفط من جديد يعطى فرصة لدول الخليج لإعادة النظر فى سياساتها المالية، ككبح نمو النفقات والاعتماد- شبه المطلق- على أسعار النفط، وبالرجوع إلى تاريخ التخبطات الاقتصادية لدول النفط العربية واجهت دول الخليج تبعات انهيار أسعار النفط فى منتصف الثمانينيات، حين اعتمدت على النفط بشكل مطلق، ما أدى إلى عواقب اقتصادية بعد الانخفاض فى أسعار النفط. ومن المتوقّع من أى إدارة مرت بتلك التجربة أن تستحضر تلك التبعات فى تعاملها مع الإيرادات النفطية المستقبلية من أجل التخلص من نقمته، وليكون معيناً على التنمية لا عائقاً لها، إلّا أنه لا يبدو أن دول الخليج استفادت من دروس الماضى بشكل كامل أثناء حقبة رواج أسعار النفط، فلا يزال النفط المصدر الأساسى لتمويل الموازنة، ولم تصاحب ارتفاعه خطط مدروسة تضع بعين الاعتبار التجارب السابقة، حيث زادت النفقات العامة بشكل مطرد كما لو أن فترات رواج أسعار النفط دائمة، فيما اكتفت بعض دول الخليج بإنشاء صناديق سيادية تدير الفوائض المالية وتنحصر مهمتها الأساسية فى تمويل العجز أثناء حصوله، بدلاً من محاولة إصلاح الخلل الاقتصادى، وهذا ما شاهدناه من تسارع بعض دول الخليج إلى السحب من احتياطيها لتمويل العجز فى موازنتها منذ بداية الأزمة الراهنة.
 
يتيح ضعف سوق النفط،، الحالى- رغم تبعاته السلبية- فرصة لإعادة ترشيد السياسة المالية المنفلتة والاستفادة من دروس انخفاض الأسعار السابقة، وألا تتأخر تلك الإصلاحات بحجة أن الهبوط مؤقت، فالصناديق السيادية- مهما بلغت قيمتها- ستتأثر سلباً مع السياسة المالية الحالية. فالتجارب السابقة لدول الخليج مع انخفاض أسعار النفط تؤكد وجود علاقة طردية وقوية بين الصناديق السيادية وسوق النفط فى حالتى الرواج والضعف، واليوم ومع عودة الأزمة وتوقع حصول عجز الموازنة فى ثلاث دول فى الخليج بنسبة 20 % من ناتجها المحلّى، أصبح الطلب ملحاً لإيجاد حلول اقتصادية تخلّص الدول العربية النفطية من الاعتماد المطلق على إيرادات النفط، وتقوم على تبنّى خطة للتنمية المستدامة كما بدأتها مصر والسعودية والإمارات العربية، ولكن ما زال ينقص توجه الاقتصاديات العربية إلى اقتصاد تكتلى موحد يجعل للعرب محفظة استثمارية سيادية تحت مظلة الجامعة العربية تديرها بالنيابة مجموعة مانحة وذات خبرة فى المجالات الصناعية والزراعية والتعدينية والحيوانية، ولتكون تجربة التركيز على المناطق السودانية لبناء زراعات ومحاصيل موسمية تحتاجها سلة الغذاء العربى، وكذلك التركيز من خلال الاتحاد الإفريقى والدور المصرى فى مثلث الاقتصاد الإفريقى لمجموعات شرق إفريقيا والكوميسا والسادك لبناء شركات عربية إفريقية للثروة الحيوانية ومصايد للأسماك وصناعاتها الملحقة وأيضا استخدام الكثافة السكانية المصرية لبناء استثمارات للصناعات العملاقة سواء الأسلحة والذخيرة أو صناعات السيارات الكهربائية والتكنولوجية وصناعات التكميلية للطاقة المتجددة.
 
 إن رسالتى للأمة العربية تحمل تحليلا لمجريات الأمور والأحداث المتلاحقة من خلال تقارير الشركات العالمية فى مجال النفط والغاز والتى غيرت إستراتيجيتها إلى أنشطة أخرى فى مجالات مختلفة جديدة تشمل الطاقة المتجددة والنووية وصناعه السيارات الكهربية، ما يعطى دلالات على أن فترة نضوب النفط قريبة على الانتهاء قد تكون بين خمسة عشر سنة إلى عشرين سنة، ما يستدعى أن تكون صرخة مدوية لكى نذهب إلى الاقتصاد غير النفطى ونحمى الشعوب العربية من الحوجه والعوز.. وإلى تكملة قادمة.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق