فشل في المحاماة فزور التاريخ.. قصة مؤرخ تركي باع ذمته لـ«العثمانيون الجدد» وسقط بالقاهرة

الثلاثاء، 25 ديسمبر 2018 09:00 ص
فشل في المحاماة فزور التاريخ.. قصة مؤرخ تركي باع ذمته لـ«العثمانيون الجدد» وسقط بالقاهرة
تزوير

 "أتمنى منكم تأليف كتاب بحجم 500 صفحة يكون عنوانه "العثمانيون المجهولون"، إذا قمتم بهذا العمل فسوف أطبع منه 500 ألف نسخة وأوزعه على نفقتي الخاصة".. هذا ما قاله وزير المالية عدنان قهوة جي للدكتور أحمد آق كوندوز الرئيس الحالي للجامعة الإسلامية في روتردام الهولندية منذ العام 2000. 

ما يؤكد أن كتابه جرى تأليفه بتوصية من حزب العدالة والتنمية الحاكم في العام 2007، وما دعا البعض لأن يقول عن الرجل إنه :"باع ذمته وعلمه مقابل حفنة من الليرات، وأذل نفسه في الخدمة تحت أقدام العثمانيين الجدد، حتى بات منبوذا بين المتخصصين، بعد أن كان واحدا من أشهر رجال القانون في تركيا".

تخرج كوندوز في كلية الدراسات الإسلامية بجامعة أتاتورك في العام 1980، وعمل على تجميل تاريخ الخزي العثماني بالتحريف والكذب عبر كتابه "الدولة العثمانية المجهولة"، وكافأته الإدارة التركية بتعيينه رئيسا لمركز الدراسات العثمانية في إسطنبول في العام 1994

 

 كوندوز  اتهم المؤرخين بالجهل زاعما أن "هناك العديد من الأخطاء التي ارتكبها المؤرخون عندما تناولوا تاريخ الدولة العثمانية من منظور قومي، فهي دولة مؤيدة من الله، ولقد نمت شجرة الدولة الباسقة وتغذت بالإيمان الذي استمدته من ثلاثية الجامع والتكية والمدرسة الدينية، وثلاثية سلاطين والأمراء والشيوخ الأكفاء".

"غير أهل للقراءة"

صاغ مؤرخ السلطنة  الكتاب على طريقة سؤال وجواب، فامتلأ بالعديد من الإجابات غير المنطقية، ما دفع الكثير من المؤرخين لاتهام كوندوز بتزوير التاريخ ووصفوا كتابه بأنه "غير أهل للقراءة" لاعبا على ترويج تاريخ ناصع البياض للدولة العثمانية، منكرا كل ما ورد من حقائق ووقائع أثبتتها المصادر والوثائق التاريخية حول جرائم الأتراك،

حاول كوندوز في كتابه تبرير جرائم العثمانيين بحق مسيحيي البلقان، ومن بينها فرض ضريبة الدوشرمة (الغلمان) بقوله :"بدلا من استرقاق أهالي البلاد المسيحيين كأسرى أو بيعهم، يسرت الدولة العثمانية تحولهم إلى الإسلام برضائهم ودون إكراه، وكان القصد من الدوشرمة إرسال هؤلاء الشباب إلى العائلات التركية لكي يتعلموا العادات والتقاليد التركية ويسلموا". 

تابع المؤرخ الكاذب "الأهم أن العائلات غير المسلمة كانت تهب أولادها للانخراط في مؤسسة الإنكشارية، حتى تعفى من ضرائب معينة، لذا كانت الأم تسلم أولادها بيدها وتتوسل بحيل مختلفة لكي يقبل أولادها في الجيش، وخاصة أبناء الأسر غير القادرة على دفع الجزية، فيهبون أولادهم لخدمة الدولة العثمانية برضائهم".

 

خالف الرجل المؤرخين الذين كانو قد اجمعوا على بشاعة ضريبة الغلمان، حيث مثل يوم الدوشرمة أشد اللحظات المؤلمة على الأسرة المسيحية، حيث بكاء الأمهات وصراخهن لا يقابله إلا تلويح العثمانيين بالحديد والنار، في إشارة إلى مصير المعترضين على سبي أولادهم، لتبدأ موجة من هروب الأسر المسيحية بأبنائها، فيما لجأت الأسر الثرية إلى التهرب بدفع الضريبة البشرية والرشى لمندوب الحكومة المركزية المكلف بجمع الغلمان.

 

سلطنة السكارى

 السلطان بايزيد الأول الشهير بالمخمور كان من أكثر السلاطين حبا للخمر، بعد أن أفتى بعض مشايخ البكتاشية بجواز شربها بحجة أنها "تعطي مددا روحانيا من السماء"، لكن كوندوز نفى أي سلوك منحرف عن السلاطين بقوله: "لا يمكن الزعم أبدا بأن السلطان بايزيد الأول كان مدمنا للخمر، والزعم بأن أمير سلطان رد شهادته لشربه الخمر غير صحيح".


أغفل كوندوز دور ماريا دسبينا زوجة بايزيد الثاني وقائده المقرب جاندارلي علي باشا اللذين أقنعاه بشرب الخمر، وفي عهده أصبحت الدولة سلطنة السكارى والماجنين، وقرب منه الفاسقين والمنحرفين أخلاقيا وجعلهم حاشيته ورفعهم إلى مجلسه، ولم يكتف بهذا بل واصل انحرافه إلى ممارساته الجنسية الشاذة، ويقول المؤرخ عاشق باشا زاده في كتابه "تواريخ آل عثمان": "كان بايزيد الأول يحب عيش وعشرت"، أي يحب حياة الخمر والمجون.

 

برر كوندوز القانون الذي سنه محمد الفاتح لقتل إخوته الأقرب إلى الولاية، تحت اسم حد البغي، وقال: "الذين يتصورون أن ذلك القتل كان من أجل السلطنة والمنافع الدنيوية دون محاكمة عليهم أن يبرهنوا لنا كيف توصلوا إلى هذا التصور، لأن القتل سياسة لم يكن إلا من أجل صيانة نظام العالم ووحدة أراضي الدولة والوطن، وكان عقوبة بحق من يسعى بالفساد في الأرض والإخلال بالأمن، وهو وارد في الكتب الفقهية وفي الفتاوى وثابت شرعا".


دافع كوندوز عن سفك الدماء والقتل للوصول إلى العرش، وادعى أنها من أصول الشريعة الإسلامية، وتناسى أنه بقوله هذا دافع عن العثمانيين ورمى الشريعة بالزور والبهتان، كما أنكر حادثة قتل الأمير أحمد بن مراد الثاني على يد شقيقه السلطان محمد الفاتح، تلك الحادثة التي تكررت طوال تاريخهم الدموي.

 

تبنى المؤرخ المتسلق في كتابه النظرة التركية لغزو البلاد العربية، فدافع عن احتلال سليم الأول للشام ومصر، مرددا الأكذوبة القائلة بأنه جاء بناء على طلب الشعوب العربية نفسها، يقول: "لم تكن الدولة العثمانية دولة تفرض نفسها بالظلم وبالقوة على الشعوب المظلومة، بل كانت تضع قدمها في البلدان المسلمة وغير المسلمة عن طريق رغبة أهلها في العيش في ظل عدالتها وأمنها، ومن أجل إعلاء كلمة الله فيها".


لكن هذا يصطدم مع أن مصر قبل الاحتلال العثماني في العام 1517 لم تكن دولة كافرة، بل كان شعبها وسلطانها مسلمين وموحدين على القرآن والسنة، وسجل ابن إياس موقف المصريين المؤيد للسلطان الغوري، بقوله: "ارتفعت أصوات الناس بالدعاء بالنصر، وانطلقت له النساء بالزغاريد من الطيقان"، كما سجل بشاعة مذبحة القاهرة التي راح ضحيتها 10 آلاف مصري بسيوف العثمانيين.

 

تكفل كوندوز بغسل وجه العثمانيين الدموي، خاصة جرائم الإبادة، التي ارتكبها الأتراك بحق الأرمن، وادعى أن "تلك المذابح لم تحدث من الأساس، بل هي افتراءات من قبل الأرمن لتشويه تاريخ العثمانيين، والشعب التركي المسلم لم يمارس المذابح العرقية ضد الأرمن حسب الادعاءات الباطلة المتكررة منذ 100 عام، فقد رد الأرمن على إحسان الدولة العثمانية بالعصيان، وبدأوا بذبح المسلمين الأكراد، وخططوا لتهجير المسلمين، ولما وضع السلطان عبدالحميد حدا لهذه الأعمال بتشكيل الأفواج الحميدية نعتوه بالسلطان الأحمر".


تابع: "لما دخلت الدولة العثمانية الحرب العالمية الأولى طعنها الأرمن في الظهر لمساندة الروس، وبادروا بقتل مليون مسلم، ولم تفلح تدابير العثمانيين لوقف تلك المذابح، فأصدر وزير الداخلية طلعت باشا التعليمات بتهجير نصف مليون من هؤلاء الأرمن لإبعادهم عن طريق الجيش الروسي، ولا خلاف أن بعض هؤلاء المهجرين إلى العراق وسورية تحت إدارة الجيش ماتوا لتعرضهم إلى ظروف المسير القاسية ونقص المؤن".

 

فيما تؤكد الوثائق والدراسات التاريخية بشاعة المجازر التي ارتكبها العثمانيون بحق 1.5 مليون أرمني، يقول الدكتور محمد رفعت الإمام في كتابه "القضية الأرمنية في الدولة العثمانية" إن مذابح الأرمن كانت "نتيجة غيرة الأتراك من التقدم الثقافي والسياسي الذي أحرزه الأرمن في القرن الـ19".


يعد الكتاب الأسود لوزير الداخلية في حكومة الاتحاد والترقي طلعت باشا اعترافا رسميا من مسؤول عثماني بمذابح الأرمن، حيث برر فيه تهجير الأرمن ثم قتلهم، ووصف إبادتهم على يد العثمانيين خلال عامي 1915 و1917 بأنها من "الدواعي الأمنية" خلال الحرب العالمية

الأولى.

 

تعرض أحمد آق كوندوز الى الحصار فى القاهرة عقب دفاعه عن الدولة العثمانية فبعد صدور النسخة العربية من كتابه ووصولها إلى مصر، حيث طلب من المجلس الأعلى للثقافة في القاهرة تنظيم ندوة لعرض الكتاب على مؤرخي مصر باعتبارها مناظرة علنية في التاريخ العثماني من وجهة النظر التركية، لتجري المناقشة بالفعل في ديسمبر 2009، بحضور كوكبة من مؤرخي مصر، تولى خلالها كوندوز الدفاع عن كتابه، فيما أمطره الحاضرون الكبار بردود وتعليقات غاضبة صعقته وعرت كذبه، واضطرته للانسحاب.

"اختر العلم أو اللاعلم"

تولى المؤرخون المصريون تفنيد أكاذيب كوندوز، ومن أبرزهم الدكتور عاصم الدسوقي أستاذ التاريخ في جامعة حلوان الذي قال: "كوندوز لا يفرق بين العلم واللاعلم، وينظر للتاريخ من خلال الشريعة والفقه الإسلامي الذي يدرسه بالجامعات التركية، ويدافع عن الدولة العثمانية حتى لو على حساب التاريخ، حيث نفى قتل طومان باي على يدهم، ودخول الأزهر بالخيول".

جاء رد الدكتور محمد صبري الدالي، أستاذ التاريخ في جامعة حلوان، قاسيا حيث قال: "العالم تجاوز مرحلة الكتابة الدينية للتاريخ منذ قرون، إذا رغب كوندوز في العودة إلى العصور الوسطى وتجاهل تطور علم التاريخ فهذا شأنه، إنه يهدر دم الحقيقة بطريقة تجعل من العسير على القارئ الوصول إلى الهدف الحقيقي من الكتاب".

كما انتقد الدالي نفي كوندوز لظاهرة الرشى التي كانت تدفع للسلاطين، وضرب المثل بالسلطان عبدالمجيد الثاني الذي "زار مصر وعاد منها محملا بمراكب من الرشاوى والهدايا، لكن كوندوز لديه شوفينية "عنصرية ذاتية" في الكتابة عن الأتراك، وهو مبرمج لخدمة هدف واضح، الأتراك خدعونا في الماضي باسم الدين ولن نسمح لهم بتكرار ذلك مرة أخرى".

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة