الفخ السوري.. هكذا تستدرج واشنطن تركيا لمستنقع الحرب

الأربعاء، 26 ديسمبر 2018 12:00 ص
الفخ السوري.. هكذا تستدرج واشنطن تركيا لمستنقع الحرب
الرئيس الأميركي ،دونالد ترامب

 
أبدت دول كبرى من بينها ألمانيا وفرنسا عن انزعاجها من قرار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بسحب قواته من سوريا الذي يهدد بإحداث فراغ في شمال البلاد، حيث تقاتل وحدات كردية تنظيم داعش الإرهابي، فيما يسعى نظام رجب إردوغان إلى إنهاء وجود الأكراد قرب حدوده، لحساب تمكين حلفائه الدواعش.
 
أثار القرار الأميركي الصادر الأربعاء الماضي العديد من النقاشات المهمة داخل الغرف المغلقة في حكومة حزب العدالة والتنمية حول ترتيبات الوضع في سورية بشكل عام، وفي منطقة شرق الفرات خاصة، وباتت الأسئلة العالقة هي "من سيملأ الفراغ الأميركي؟ هل تفعلها فرنسا؟ أم تتولى أنقرة صاحبة الأطماع في سورية هذا الدور؟".
 
 ترامب أجرى اتصالا هاتفيا أمس الأحد بـإردوغان، ناقش خلاله قرار سحب القوات، محاولا تهدئة المجتمع الدولي بتغريدة عبر حسابه الرسمي على "تويتر" وصف فيها  الانسحاب بأنه "سيكون بطيئا ومنسقا بدقة".
 
وكانت الرئاسة التركية قد أصدرت بيانا عقب تغريدة ترامب جاء فيه أن إردوغان أعرب لترامب عن رضاه عن الخطوات التي اتخذها بشأن محاربة الإرهاب في سورية، واتفقا على تنسيق عسكري وديبلوماسي لمنع السماح بوجود أي فراغ في البلاد.
 
وفي أول رد فعل رسمي من الجانب التركي، على التطورات الأخيرة، خرج إردوغان، اليوم الاثنين، ليبتلع  لسان التهديدات التي أطلقها بحق الأكراد شرق الفرات قبل أيام قليلة، وقال إن الهدف من العملية "حماية أكراد سورية من التنظيمات الإرهابية".
 
وتناسى فجأة- تحت وطأة التحذيرات الدولية- شلال الدماء الكردي الذي تورط فيه هو وميليشياته منذ اندلاع عملية غصن الزيتون مارس الماضي، فضلا عن عمليات التهجير والاختفاء القسري التي شهدتها المنطقة. 
 
زعم الرئيس التركي أن جيشه موجود في سورية من أجل الحرية للأكراد والعرب، وأنهم لن يتركوا أكراد سورية لظلم وقمع حزبي "العمال الكردستاني والاتحاد الديموقراطي"، مثلما لم يتركوا عرب سورية  لتنظيم داعش الإرهابي.
 
كما زعم أن قصف مقاتلاته للآمنين في سنجار العراقية، بهدف الحفاظ على أمنها من هجمات "العمال"، واختتم حديثه بعبارة عاطفية استعراضية مثيرة للسخرية من موقفه المرتبك قائلا: "أزمة سورية ليست العرب ولا الكرد ولا التركمان، بل أزمة الحرية". 

فيما أعلن وزير الدفاع الأميركي الجنرال جيمس ماتيس استقالته الجمعة الماضي، احتجاجا على سياسات ترامب الخارجية، التي ختمها بسحب القوات من سورية، وإن صدق على القرار السبت الماضي قبل استقالته. 
 
ونقلت شبكة سي إن إن الأميركية عن مسؤولين في وزارة الدفاع "البنتاغون" أن القرار سيبدأ تنفيذه في غضون أسابيع، على أن يتم الانسحاب تدريجيا خلال بضعة أسابيع أخرى.

الإعلام التركي الموالي لإردوغان سرعان ما اعتبر القرار الأميركي "انتصارا لرئيس الجمهورية"، متجاهلا تداعياته على أنقرة، إذ يشكك مراقبون في قدرة الجيش التركي على ملء الفراغ الأميركي، وإذا فكر إردوغان في إسناد المهمة إلى ميليشياته الإرهابية مثل "جيش الإسلام" وما يعرف بـ "الجيش السوري الحر" فسيرهق ميزانيته بأعباء تفوق قدرة اقتصاده المنهار.
 

يرجح مراقبون أن يكون هدف الولايات المتحدة من الانسحاب إغراق الجيش التركي في مستنقع الحرب، ما يتفق مع الاتجاه الأميركي القائم على ترك القوى الخارجية تتصارع فيما بينها، ومن المرجح أن تكون إيران من أكثر الأطراف اعتراضا على الدور التركي في سورية، كما لن تقبل روسيا كذلك بخسارة حليفها بشار الأسد منطقة استراتيجية مثل شرق الفرات.
 
الدور الأميركي في سورية لا يرتبط ببقاء الجنود من عدمه، وتساهم في تشكيله عوامل أخرى مثل العامل السياسي والاقتصادي والتكنولوجي، ويمثل شرق الفرات أهمية كبيرة لواشنطن فهي من جهة منبع الثروات السورية من مياه وأراض زراعية ونفط وغاز، ومن جهة ثانية تتمثل أهميتها الاستراتيجية في القواعد المنتشرة فيها.

قوات سورية الديموقراطية المدعومة من أميركا والتي يشكل الأكراد أغلب مقاتليها استغلت الفترة الماضية في تحصين منطقة نفوذها في شرق الفرات بحفر الخنادق وإقامة التجهيزات الهندسية على طول الشريط الحدودي مع تركيا، فضلا عن إمدادهم العديد من أنظمة الدفاع الأميركية.
 
حذرت إلهام أحمد الرئيسة المشتركة لمجلس قوات سورية الديموقراطية من أن أي هجوم تركي سيجبر القوات على الانسحاب من جبهة قتال داعش إلى مواجهة العدوان، وحذرت في باريس الجمعة الماضي من أن "الوضع قد يخرج عن السيطرة بالنسبة لعناصر داعش المسجونين لدى الأكراد".
 
ثمة تساؤلات أخرى تبقى عالقة في انتظار الأجوبة عن الدور الإيراني في الأحداث، فضلا عن دور دمشق، وثمة تساؤل ثالث يمثل أهمية كبرى "هل يعود داعش إلى الواجهة بدعم من تركيا؟ خاصة أن هناك جيوبا ما زالت خاضعة للتنظيم في كل من سورية والعراق.
 

يعول البعض على فرنسا في ملء الفراغ الأميركي ، لكن تسارع الأحداث الداخلية في باريس لا ينبئ بشيء، فيما قالت إلهام أحمد من باريس :"نأمل من الحكومة الفرنسية أن تلعب دورها بشكل أقوى في هذه المرحلة". 
 
أضافت: "باريس لديها القدرة للعب دورها ضمن الاتحاد الأوروبي، وإقرار حظر جوي على مناطق شمال سورية حتى لا تتم إعادة إنتاج داعش مرة أخرى، والحفاظ على الأمن الدولي".
 
اكتفت باريس في تعليقها على القرار الأميركي بإبداء خيبة أملها، وتأكيد استمرار دورها في التحالف الدولي لمواجهة داعش، وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مؤتمر صحافي مع نظيره التشادي إدريس ديبي في إنجامينا :"أن تكون حليفا يعني أن تقاتل كتفا إلى كتف".
 
ومضى يقول: "من شأن انسحاب القوات الأميركية أن يجعل آلاف المقاتلين الأكراد في شمال البلاد عرضة لهجوم تركي، بعد أن أمضى البنتاغون سنوات في تدريبهم وتسليحهم من أجل التصدي لتنظيم داعش".

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق