بريطانيا والعودة إلي باب المندب

الأربعاء، 26 ديسمبر 2018 04:46 م
بريطانيا والعودة إلي باب المندب
خالد مصطفي

لم يكن قرار تعيين الدبلوماسي البريطاني مارتن جريفيث في فبراير 2018 مبعوثاً أممياً خاصاً في اليمن قراراً عشوائياً بل كان محددا للعب دوراً محورياً مع جميع الأطراف المتنازعة وكانت أولي قرارته حينما تولي المسئولية الأممية النتيجة الوهمية للجنة تقصي الحقائق التي أثبتت تورط النظام الإيراني في إمداد الحوثيين بالأسلحة وتطوير منظومة الصواريخ الباليستية الإيرانية التي جربتها بنجاح علي مسرح النزاع اليمني دون ادانة واضحة للإيرانيين من المنظمة الدولية وحينما شددت قوات التحالف العربي الخناق علي الحوثيين وقطعت عنهم أغلب طرق الإمداد حينذاك بدأت لعبة جريفيث بعد تصريحات بوريس جونسون الوزير الأسبق للخارجية البريطانية عندما ألمح بلعبة المساعدات الانسانية اثناء زيارته للمملكة العربية السعودية وبدء جريفيث في وصف المشهد الإنساني في اليمن بالكارثي ونجح المبعوث الأممي في فتح طاقة جديدة للحوثيين مرة اخري وافقت قوات التحالف علي مرور بعض قوافل المساعدات الانسانية للاسف ساهمت تلك الخطوة في تزويد المتمردين بعدد ضخم من الاسلحة تحت أعين الأمم المتحدة وبرعاية بريطانية حتي جاءت اللحظة المناسبة للتدخل البريطاني المباشر عبر جريفيث خاصة بعد حالة الإشتباك العميقة التي تعاني منها بريطانيا حاليا مع جيرانها الأوروبيين حول بريكست  فبدأت تتحرك في ملاعب اخري كالملعب الصيني والامريكي لتعويض حالة العجز المفاجئ وسد الفجوة الناتجة عن الخروج الغير منظم من المنظومة الأوروبية 
لذلك بدأ جريفيث يتحرك في عدد من الدول الخليجية ثم عدد آخر من الدول الأوروبية ليروّج لدور محتمل لبريطانيا في ادارة الملف الأمني باليمن علي الرغم من النجاحات التي حققتها دول التحالف العربي علي الارض إلا أن هناك بعض الثغرات سُمح من خلالها للحوثيين بإطلاق عدد من الصواريخ في اتجاه المدن السعودية وإحداث توتر واضح في مضيق باب المندب وتهديد لحركة الملاحة الدولية في البحر الأحمر علي الرغم من كل هذا التوتر سيطرت قوات التحالف علي جزء كبير من مدينة الحديدة التي تعتبر منفذا بحريا هاما صاحب هذه التطورات ايضا تصرفا مفاجئا لمارتن جريفيث حيث بدأ في الاجتماع مع بعض السياسيين وفصائل المعارضة اليمنية بالخارج وتم عقد اجتماعات هامة ضمت كافة الاطياف السياسية اليمنية علي طاولة واحدة بالعاصمة البريطانية لندن بعد التقارب الواضح بين تلك الاطياف وجريفيث بمساعدة وزارة الخارجية البريطانية سوف تمحورت اللقاءات حول خطة السلام المقترحة لنزع فتيل الأزمة الحالية في اليمن ومحاولة جادة من المبعوث الأممي بعرض أفكاره بخصوص جعل ميناء الحديدة بديلا ولو مؤقتا لميناء عدن وعند موافقة اليمنيين علي هذا المقترح سيتم الدفع بقوات حفظ السلام والمقترح كلها من القوات البريطانية التابعة للأمم المتحدة وحتي هذه اللحظة نجح جريفيث نجاحا باهرا فإذا عادت بريطانيا راعية للسلام في اليمن تحقق حلمها بالعودة لتلعب دورا هاما في هذه المنطقة الحيوية من العالم فهي تحاول احياء هذا الحلم والعودة مرة اخري بعد ان غادرت قواتها ميناء عدن عام 1967 حلم الرجوع يراودها دائماً لتقترب أكثر من باب المندب لتعود لها السيطرة الجزئية علي هذا المنفذ الهام 
وكانت آليات التسوية المقترحة التي تحاول بريطانيا طرحها او فرضها علي المتنازعين هي خروج الحوثيين من ميناء الحديدة أو بقائهم اذا تعذر الحال ووقف تهديداتهم المستمرة للملاحة الدولية في البحر الأحمر مع احتفاظهم بنصيبهم الطبيعي دون نقصان من عائدات الميناء وفِي حال موافقة المتمردين علي هذا المقترح وبدأ عملية التسوية الفعلية يكون نجح جريفيث في ان يجعل بريطانيا تتحكم في أركان التسوية داخل الحديدة ويضع البريطانيين علي بُعد خطوة من باب المندب بعد تمركز القوات في مواقع محددة بالبحر الأحمر مع العلم تدرك بريطانيا تماما استحالة عودتها مرة اخري الي ميناء عدن خاصة مع الوضع الأمني الغير مستقر بالمدينة والمناطق المجاورة لها لكن
من الواضح ان المخطط البريطاني للعودة نجح حتي الآن وبإمتياز منذ اختيار جريفيث مبعوث أممي لدي اليمن لتبدأ من خلاله خطة الإحلال والتجديد والعمل علي جعل ميناء الحديدة بديلا لميناء عدن 
فهل بالفعل تستلزم الظروف وجود من هو قادر علي إدارة الملف الأمني لتتاح لبريطانيا دون غيرها فرصة ذهبية لتعود وتلعب دورا جديدا في منطقة الخليج وهل ستسمح قوات التحالف بتسليم الملف الأمني كاملا للندن بعد تحقيقها نجاحات مستمرة علي الارض لتظل دول الخليج مُمسكة بالملف الأمني في اليمن للحفاظ علي البُعد القومي  للمنطقة ام سيتركوا بريطانيا تعود بنية الإصلاح المراد منها فقط عودتها للسيطرة علي هذا الجزء الحيوي من العالم 
ولعل مبادرات جريفيث بمجلس الأمن التي لم تنال الرضي الكامل من المجتمع الدولي بإعتبارها صورة لوضع حد للنزاع بين دولتين في اليمن لم يراعي جريفيث فيها ان النزاع الدائر هناك بين دولة ذات سيادة ومجموعة ميلشيات مسلحة مدعومة من النظام الايراني لكن وضح ان كان هناك اصراراً من المبعوث الأممي بالضغط بمساعدة مندوب بريطانيا وحلفاءها في مجلس الأمن  للضغط علي المجتمع الدولي بضرورة التركيز علي العملية السلمية في اليمن والتسوية كأساس لفض النزاع ولكن صاحب المبادرة في البداية غموضاً في مضمونها الواضح لدعم الحوثيين اذا جري أي اتفاق حول ميناء الحديدة والمفترض ان تستلمه القوات البريطانية حال نجاح الخطة لضمان دخول المساعدات والحفاظ علي حركة الملاحة الدولية كما اقترح جريفيث وبالتالي فإن مضمون المبادرة السلمية يضمن كافة حقوق المتمردين الحوثيين وهذا المضمون يعتبر رسالة واضحة من بريطانيا والمجتمع الدولي بأن يستمر المتمردين في إحتكار الميناء وتبعيات الاحتكار التهديد للملاحة الدولية بالاضافة الي إعطاء الفرصة مرة اخري لإيران في تزويد الحوثيين بالاسلحة خاصة بعد أن احاطت قوات التحالف بمدينة الحديدة وباتت علي بُعد كيلو مترات من الميناء لكن جاءت الخطوات المُسرعة للأمم المتحدة وأنجزت في زمن قياسي اتفاق السويد بوقف إطلاق النار والموافقة علي الوجود الدولي بالحديدة وبالتالي تحقق لبريطانيا ماأرادت فهل دول التحالف سوف يتمسكون بتحييد الميناء اثناء عمليات التفاوض السلمي وبذلك يمنعوا الحوثيين من العودة للسيطرة عليه برعاية بريطانية أم سينتصر جريفيث ويجعل الجميع يجلسون أثناء تحقيق بريطانيا مرة أخري لحلمها القديم بالإقتراب أكثر فأكثر حتي تستحوذ علي باب المندب

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق