رئيس جامعة القاهرة السابق: المساجد الصغيرة منصات لصواريخ التطرف (حوار)

الجمعة، 04 يناير 2019 10:00 ص
رئيس جامعة القاهرة السابق: المساجد الصغيرة منصات لصواريخ التطرف (حوار)
جابر نصار- رئيس جامعة القاهر السابق

 
بدأت رحلته في رئاسة جامعة القاهرة، مطلع أغسطس 2013، قبل فض اعتصامي جماعة الإخوان الإرهابية في رابعة العدوية ونهضة مصر بعدة أيام، قبل أن تنتهي في أواخر يوليو 2017، ليقضي «جابر نصار» 4 سنوات رئيسا للجامعة العريقة في فترة حرجة سياسيا وأمنيا.
 
خاض جابر نصار، معركته خلال رئاسة جامعة القاهرة من موقع المفكر ورجل الدولة، وصانع التنوير أيضا، فكان خصما شرسا للجماعات المتطرفة والأفكار الظلامية، واتخذ قرارات صادمة لقطاعات واسعة من المجتمع، تبين لاحقا حجم أثرها الإيجابي في عصمة جامعة القاهرة من التطرف، وإنقاذها من السقوط في براثن جماعات الإرهاب والتكفير.
 
كما حقق «نصار» نجاحات عديدة داخل الجامعة، وواجه ملفات معقدة طال أمد تجاهلها، وقاد الجامعة من محطة العوز المادي والعبء على موازنة الدولة، إلى محطة الكفاية والقدرة على تدبير حصة كبيرة من الموارد ذاتيا، رغم تخصصه العلمي في القانون الدستوري.
 
يقول جابر نصار، في تصريحات صحفية، إن التكفير نشأ، من جهل المكفرين بالتعامل مع النص، فأي شخص أيا كان عمله يقرأ كتابا ويبدأ التكفير دون علم، لذلك اتسعت رقعة العنف والتدين المتشدد والتدخل في عقائد الناس ومحاسبتهم، ولا بد من أن تحدد الدولة الخطاب الديني الذي يجب وصوله للناس.
 
ويضيف: وأن تحدد مرجعية وأساليب ما يدرسه الباحثون، خاصة مسائل الكفر والإيمان والفلسفة والاعتقاد، خاصة أننا نعاني من تضارب الخطابات الدينية، بين خطاب سلفي وخطاب إخواني وخمسين ألف خطاب داخل الأزهر، وبسبب كل هذا يتعين على الدولة وضع بوصلة للخطاب الديني حتى نخرج من دائرة التكفر والتكفير.
 
وحول المطلوب لتفكيك التطرف، يقول نصار: علينا التحدث عمن يحمل الخطاب الديني ومن يستقبله، فإذا كان المستقبل يحمل فيروسات التطرف فلن يُجدي معه خطاب ديني معتدل، ولا بد من حل هذه المشكلة أولا، النهاردة لو رصدت الخطاب الديني خلال الأربعينيات والخمسينيات والستينيات وأوائل السبعينيات ستجده خطابا معتدلا، يبتغى تعريف المسلم بدينه وتعليمه العبادات والمعاملات، ولكن منذ منتصف السبعينيات بدأ الخطاب الديني ينحرف باتجاه الحديث عن الجهاد والقتل، لا ننفي أن الجهاد ركن من أركان الدين، لكن السؤال: متى يُستخدم؟ ومتى نعلمه للناس؟! فالحقيقة أننا منذ منتصف السبعينيات نشهد موجة تجهيل وتكفير للمجتمع، فبدأ رواج أفكار سيد قطب وانتقالها لأجيال متعاقبة، هناك من يعلن عن نفسه منها ومن يخفيها عملا بمبدأ التقية، والمدخل الأساسي لعلاج هذه الاختلالات هو عدم إتاحة ما يدرسونه المتخصصون للعوام.
 
وحول هل الحل في تجديد الخطاب الديني أو تطويره؟ يقول رئيس جامعة القاهرة السابق: «الحل ليس في تجديد الخطاب الديني فقط، وإنما علينا توسيع آفاق المتلقين لتقبل فكرة الاختلاف، واستيعاب أن المسألة الواحدة فيها أكثر من رأى، ليس ضروريا أن يكون أحدها صحيحا والبقية خاطئة، وهذه الغاية يمكن تحقيقها بالفن والثقافة، لهذا علينا استعادة وجدان المصريين، وأحلم شخصيا بأن تتجه الدولة لبناء أكبر مسرح وأكبر مؤسسة ثقافية فى كل إقليم، فنحن فى حاجة ماسة للثقافة والفنون».
 
وحول المسؤول عن تجديد الخطاب الديني.. يؤكد نصار، أن «المسؤول هو من يملك القرار، وتجديد الخطاب الديني يجب أن يكون جزءا من منظومة ثقافية متكاملة، كما كانت مصر من قبل، بمعنى ألا يقرأ الناس في الدين فقط، ويجب على وزارة الثقافة الاضطلاع بدورها والاهتمام بالفنون لاستعادة وجدان المصريين، فنحن غيرنا جامعة القاهرة بهذه الطريقة، كانت لدينا رؤية مفادها أنه بدلا من ترك الطلاب نهبا للأفكار المتطرفة، ليتخرجوا حاملين «المولوتوف» وهم يتصورون أنهم يجاهدون في سبيل الله، أن يتحولوا إلى مستمعين لعمر خيرت أو محمد منير، أو يقرأون كتابا أو يحضرون ندوة، ونجحنا فى هذا، خاصة أن الأجيال الجديدة تتوفر لها أدوات تكنولوجية يمكن أن تُيسّر هذه المهمة.
 
وعن كيفية التعامل مع كتب التراث الديني، يقول رئيس جامعة القاهرة السابق، إن «كتب التراث إرث يتضمن فهما لأصول الدين، وهو منجز ثقافي ومعرفي للثقافة العربية، لكن جزءا من هذا الإرث كان نتيجة تفاعلات الحياة فى هذا الوقت، وبالتأكيد لا يصلح لأوقات وحيوات أخرى، لهذا علينا أن نكون واعين بهذه القاعدة عندما ننقل من كتب التراث، فما يلبسه الأب قد لا ينفع الابن، والأفكار ليست أصناما نعبدها ولا كعبة نطوف حولها، وإنما هي إرث يعبر عن عقول فهمت النص بطريقة معينة قديما، ومن حقنا أن نفهمه بطريقة تتماشى مع عصرنا الآن، لهذا من الغريب أن يستشهد المتحدثون في الفقه حاليا بآراء ومسائل مرت عليها 1000 سنة، ويتركون أمثلة معاصرة من واقع الناس وحياتهم. بينما علينا أن نفهم النص وفق ظروف واقعنا والبيئة التي نعيش فيها.
 
وحول اعتبار البعض الإصرار على التمسك بالتراث مصادرة للحقوق.. يقول نصار: نعم، هي مصادرة على حقنا في فهم النص بطريقتنا، لهذا فإن تجديد الخطاب الديني لا يمكن أن يكون منتجا إلا إذا أجبنا 3 أسئلة: الأول ماهية الخطاب الديني المراد تجديده، والثاني هوية من يقدم الخطاب الديني، والثالث هوية من يتلقى هذا الخطاب، ولنا تجربة مهمة في جامعة القاهرة، عندما كانت الجامعة تحتضن أكثر من 400 مصلٍ وزاوية، وكانوا يفترشون أي مكتب للصلاة، والمشكلة ليست في أداء الصلاة وإنما تحويل هذه الزوايا إلى منصات لإطلاق صواريخ التطرف على عقول الطلاب، فتجد عدة زوايا تابعة للسلفيين، وأخرى للإخوان، وغيرها للجهاديين، ورابعة لداعش، وكله يحشو عقول الطلاب بأفكاره، ما يخلق موجة من التشدد بين الطلاب ويفسد الاعتقاد، لهذا أزلنا كل هذه المصليات وتركنا «جامعا» واحدا.
 
ويكمل:  كانت هذه الزوايا سببا فى مشكلة كبيرة، فقد كنا نجد داخلها قنابل وزجاجات مولوتوف، لهذا أخذنا قرارا مؤلما للتيارات المتطرفة بإغلاق الزوايا داخل الجامعة، وتخصيص مسجد كبير للصلاة، وقتها «في العام الدراسي 2013/ 2014»، كنا نفتش المصليات المنتشرة داخل الجامعة، خاصة مصليات البنات، ونجرى عملية تعقيم بين 12 صباحا و5 فجرا، وكنا نجد «بلاوي»، ولم نعلن وقتها، لأن الإعلان كان من الممكن أن يُخيف الطلاب ويمنعهم من القدوم للجامعة، ومن خلال تعاملنا الهادئ مع الأمر سيطرنا على هذه المساحات المنفلتة التى كانت الجماعات المتطرفة، وعلى رأسها الإخوان، تسيطر على الطلاب من خلالها، وتحقق أغراضها من خلال توظيف الصلاة كجلسات حقن دورية للطلاب بالتشدد والخطاب المتطرف، وهو ما بدا واضحا بتنامي معدلات ارتداء الطالبات للنقاب.
 
وعن تقييمه الآن لقراره السابق بمنع النقاب من الجامعة.. يقول نصار: كان قرارا صحيحا، والدليل أن القضاء أيده، وأنا أطالب بتعميمه على مصر كلها، بمنع النقاب في الأماكن العامة، فهو مظهر سياسي بالدرجة الأولى، ولا أفهم كيف يمكن أن تُدرس منتقبة لطفل في رياض الأطفال، لهذا فإن أي حديث عن التطوير دون التصدي لهذه المشكلات وتفاصيلها لن يكون مُجديا.. لقد حاربنا التطرف في جامعة القاهرة بالفنون الشعبية والندوات الثقافية، ردا على الشيوخ الذين يُحرمون الفن والحياة بأكملها، ويهدمون الإنسان بدلا من بنائه.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة