القاعدة والاستثناء والتساؤلات المستحيلة

الجمعة، 11 يناير 2019 03:03 م
القاعدة والاستثناء والتساؤلات المستحيلة
مختار محمود يكتب:

 
لستُ ناضجاً أو حكيماً، حتى أعظك أوأنصحك بأنْ تفعل كذا وألا تفعل كذا. أنا لا أفضل الوصاية السماوية أو الأرضية على العقل. العقلُ إنْ لم يخترْ سبيلاً قويماً لإسعاد صاحبه فيجبْ التنازل عنه فوراً و مجاناً فى سوق الجمعة أو سوق الاثنين أو استبداله بكارت شحن فئة 100 جنيه على الأكثر. معظمُ من يدَّعون الحكمةَ أشخاصٌ مَوتورون مُتهورون.
 
بعضُ من لا يزعمون الحكمة ولا يتسربلون بسربالها هم أقرب إلى فصيلة الحكماء. آفتُنا الكبرى أنَّ كلاً منا يجهلُ جوهر نفسه وحقيقتها، كلٌّ منا يريدُ تغيير العالم من حوله ولا يريدُ تغيير نفسه. لو أننا جميعاً حُكماء فُضلاء عُقلاء.. فلماذا ظهر الفساد فى البر والبحر واستشرى وتعاظم وأصبح مُتحكماً وصار قاعدة ودونه الاستثناءُ، ولماذا صار للشيطان مُريدون وعملاء فى كل مكان؟ حتى الآن.. وبعدما كسرتُ حاجز الأربعين عاماً.. لا أستطيع أن أقطع بكونى مُخيَّراً أم مُسيَّراً فى هذا الكون، كما لم أجد سبباً وجيهاً لكل هذا البؤس الذى ضرب حياتى فى العمق فأفسدها.
 
شخصياً.. لم أخطط لأكون بائساً. لا تصدقْ من يقولون: إن المقدمات السليمة تؤدى إلى نتائج سليمة، هذا قد يحدث فى المدائن الفاضلة فقط. المسلمون لم يخلقوا المدينة الفاضلة حتى الآن. واقع الحال يقول: إن المسلمين إذا استقروا فى وطنٍ أفسدوه وجعلوا أعزة أهله أذلة وكذلك يفعلون. من لا يصدق الواقع يقرأ التاريخ.
 
ومن يشكك فى التاريخ فليعدْ إلى الواقع. مُجملُ تاريخ المسلمين وواقعهم لا يسرُّ إلا كارهى الإسلام والمسلمين. المنافحون عن الإسلام يقولون: إن العيب ليس فى الإسلام بل فى المُنتسبين إليه.. رُبَّماً، ولكن كيف؟ لا أعلم.. دعك من كلام السُّوفسطائيين وتُجار الأديان وأدعياء الحكمة، فهؤلاء إثمهم أكبرُ من نفعهم، وبقاؤهم يجسد عبئاً ثقيلاً على الحياة. 
 
ولو سألتنى: لماذا خلق الله الفقر والمرض والظلم؟ فلن أجيبك بشئ. ولو سألتنى: لماذا يموت الجنين فى بطن أمه أو يموت الرضيع حرقاً أو نحراً أو مرضاً؟ فلن أجيبك بشئ. الذين يتطوعون للإجابة عن مثل هذه النوعية من التساؤلات الوجودية كاذبون. أما لو سألتنى: كيف يتصدرُ العجزة والفسدة الصفوف؟ فلن أجيبك بشئ. ولو سألتنى: كيف ينتصرُ الباطل على الحق فى جولات دنيوية عديدة، داخل قاعات القضاء وخارجها؟ فلن أجيبك بشئ أيضاً. ولو سألتنى: كيف يشتد الجوع والبرد على  صغار وكبار يفترشون الأرض ويلتحفون السماء فى شتاء قارس قاتل حتى يلقوا حتفهم، بينما قصورُ اللصوص والعواهر .. تتكاثر على جدرانها أجهزة التكييف، وفى مطابخها كلُّ ما لذَّ وطاب من طعام وشراب؟ فلن أجيبك بشئ.
 
وحتى لا تزعجنى بأسئلتك السخيفة، فاعلم أنك لو سألتنى: لماذا خلق الله الذباب والناموس والعنكبوت؟ فلن تجد إجابة تشفى حيرتك. قد يخدعك أحدُهم عندما تسأله سؤالاً مما تقدم فينتفضُ فى وجهك مُتوعداً إياك بسوء العاقبة، و مُردداً الآية الكريمة: " "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تُبد لكم تسؤكم"، ولكن حينئذٍ قل له: "لا غفر الله لك يا مولانا.. أنت تهرف بما لا تعرف، أنت كاذب، فلكل آية سببُ نزول، وتساؤلاتى لا علاقة لها بسر نزول هذه الآية".. وإجمالاً فإنَّ كلَّ ما أستطيع أن أقوله لك هو: كُنْ نفسك، لا تكنْ أحداً غيرك، إياك أن تكون تابعاً أو إمعة، فهذا شأن الصغار، وإياك أن تكون صغيراً أو حقيراً، كن عزيزاً ولا تكن دنيئاً، واعلم أن الأيامَ دُوَلٌ، ومَنْ سرَّه زمنٌ ساءته أزمانُ، وأنه لا فرح يستمر ولا حزن يدوم. ولا تنسَ أن الإنسان سيرة حيَّاً وميتاً..
أما إذا سألتنى: ما مصير البشر بعد الموت؟ فسوف أجيبك واثقاً: "لا أدرى"!

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق