تحدى الموازنة.. كيف حافظ الإصلاح الاقتصادى على مصر؟

الأحد، 13 يناير 2019 12:12 م
تحدى الموازنة.. كيف حافظ الإصلاح الاقتصادى على مصر؟
يوسف أيوب يكتب:

التحدى الأكبر الذى يواجه الدولة حالياً، هو الوصول إلى موازنة تشهد انخفاضاً فى الدين العام، وارتفاعاً فى الإيرادات، وهو أمر رغم صعوبته، لكن ليس مستحيلاً، خاصة حينما تكون لدينا الإرادة لتحقيق ذلك.
 
بالتأكيد الإرادة موجودة، بل مدعومة برغبة شعبية فى إنهاء حالة التشوه التى تسيطر على الموازنة المصرية، والمرتبطة بمنهجية عمل «سلبية»، اعتدنا عليها، وتوارثناها منذ سنوات، ولم يعد من المعقول ولا المقبول، أن تستمر هذه التشوهات إلى مالا نهاية، لأن النهاية ستكون مأساوية لاقدر الله، وربما تصل إلى درجة إعلان إفلاس الدولة.. نعم الإفلاس، وهذا حدث فى بلدان أخرى، دفنت رءوسها فى الرمال، وحينما رفعتها وجدت رياحا عاتية قضت على الأخضر واليابس.
 
فى مصر اعتدنا لسنوات على سياسة دفن رءوسنا فى الرمال، فشهدنا موجة من التضخم لم تشهدها مصر من قبل، وزاد على ذلك أن حجم الإيرادات قل بدرجة كبيرة فى أعقاب أحداث 25 يناير 2011، وما تلاها من انخفاض فى معدلات السياحة الأجنبية الوافدة لمصر، وتوقف المصانع عن العمل، وغيرها الكثير من الأسباب التى أدت إلى توقف دورة العمل، ووصول الاقتصاد إلى مرحلة كان من الصعب تقبلها، بل وتخيلها فى دولة بحجم وقيمة مصر.
 
خلال سنوات اعتادت الدولة على سياسة المسكنات، بدلاً من العلاج الفعال للداء، الذى كان واضحاً للجميع، فالموازنة بها خلل واضح للعيان، وعلاج هذا الخلل، كان يتطلب مجموعة من الإجراءات والقرارات المصيرية، لكن للأسف الكل، نعم الكل خاف على نفسه، واستمر فى سياسة المسكنات، حفاظاً على الكرسى ليس إلا.
 
الجميع كان يدرك أننا نزيد حجم التشوهات فى الموازنة، لكن لم يقدر أحد على اقتحام هذا الحصن المنيع، فزادت المشاكل، وازداد الوضع سوءًا، إلى أن وصلنا إلى مرحلة نكون أو لا نكون.
 
قبل أن نصل لهذه المرحلة كان من الممكن، تجنب آثار هذه التشوهات، وربما العمل على تضييق الفجوة من خلال قرارات تدريجية، ربما لو تم اتخاذها فى حينها لنجت مصر من أعاصير الوضع الاقتصادى المهترئ، لكن كانت كل الرءوس فى الرمال.
 
اليوم ارتفعت الرءوس ودققت فى الوضع الحالى، وما يمكن أن يكون عليه الحال بعد أعوام قليلة، وتنبهت إلى أن الخطر قادم لامحالة، إلا إذا.. 
 
إلا إذا اخترقنا الحصن الكبير، حصن التشوهات فى الموازنة، والعمل على تصحيح الأوضاع، حتى ولو كان المردود صعبا، وقررت الدولة قبل ثلاثة أعوام أن تبدأ خطة الإصلاح الاقتصادى.
 
تبنى الرئيس السيسى هذه الخطة رغم التحذيرات التى تلقاها، والقول إن الشارع لن يسكت، وأن سيناريو أحداث يناير 1977 لاتزال حاضرة أمام الأذهان، وأن الشارع المصرى، أصبح خارج السيطرة خاصة بعد أحداث 2011، لكن الرجل قال إن الوقت قد حان، ولا مجال للتأخير ولو لدقيقة واحدة، وراهن على تقبل الشعب لهذه الإجراءات رغم صعوبتها، خاصة إذا تمت مكاشفة الشعب بالوضع كما هو.
 
عملية المكاشفة كانت صعبة، لأن المصريين كانوا غائبين أو مغيبين عن الحقائق، فجأة وجدوا رئيس الدولة، يقف أمامهم ليشرح لهم الوضع كما هو بالورقة والقلم، وكان لهذه المكاشفة دور قوى فى أن تخطو الدولة أولى خطوات الإصلاح الاقتصادى، لأن الشعب الذى كان مغيباً لسنوات عن أدق تفاصيل تهمه، بات اليوم يعلم موازنة الدولة، والمصروفات والإيرادات، وحجم الديون الداخلية والخارجية ومصاريف هذه الديون التى تخطت حجم الدين الحقيقى.
 
كلها حقائق كانت غائبة عن المصريين، واليوم هم على علم بها، وهو ما ساعد على أن تبدأ الدولة خطة الإصلاح دون خوف، لأن هناك شعبا يعى الخطر، ويتحسب المستقبل، ولا يقبل أن تصل دولته إلى مرحلة الإفلاس.
 
أقول كل ذلك بمناسبة الاجتماع الذى عقده الرئيس عبدالفتاح السيسى قبل أسبوع مع المجموعة الوزارية الاقتصادية بحضور الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، وطارق عامر، محافظ البنك المركزى، ووزراء الاستثمار والتعاون الدولى، والتخطيط والمتابعة والإصلاح الإدارى، والمالية، والتجارة والصناعة، وقطاع الأعمال العام، ونائب وزير المالية للسياسات المالية، ونائب محافظ البنك المركزى للاستقرار النقدى، فخلال هذا الاجتماع خرجت أرقام لم تكن لتصدر لولا سياسة الإصلاح الاقتصادى، التى أستطيع القول إنها أعادت مصر إلى الطريق الصحيح.
 
لولا خطة الإصلاح الاقتصادى ونجاحها حتى الآن، ما كنا لنسمع أن مشروع الموازنة الأولى المقترح للعام المالى 2019/2020؛ أظهر استهداف الحكومة على مدار الثلاث سنوات المقبلة، تحقيق خفض تدريجى لمعدل الدين العام كنسبة من الناتج المحلى، ليصل إلى 80-85 % بحلول نهاية يونيو 2022، بالإضافة إلى فائض أولى سنوى مستدام فى حدود 2 % من الناتج المحلى حتى 2021/2022، مع العمل على ترشيد الإنفاق، وتحقيق مستهدفات خفض واستدامة مؤشرات المالية العامة، وذلك بالتوازى مع دفع النشاط الاقتصادى لخلق فرص عمل، وتحسين جودة الخدمات العامة، ورفع كفاءة الإنفاق على برامج الحماية الاجتماعية.
 
لولا خطة الإصلاح الاقتصادى ما كنا لنسمع أن مشروع الموازنة الأولى المقترح للعام المالى 2019/2020؛ سيتركز حول التنمية البشرية والاجتماعية من خلال استهداف تمويل خطط إصلاح منظومة التعليم، وتحسين الخدمات الصحية، وبرامج تدريب وتأهيل الشباب لسوق العمل، وضمان استدامة النمو، وتوفير فرص عمل كافية، وتجنب حدوث أى تباطؤ فى النشاط الاقتصادى، وأن تعمل الموازنة على تحقيق استقرار المنظومة الضريبية على نحو يعزز من سير العمل بها، ويدعم أداء الاقتصاد الوطنى، ويصون موارد الدولة من الأوعية الضريبية بحسن إدارتها من خلال توحيد الإجراءات لجميع المصالح الضريبية.
 
القصة بدأت لكنها تحتاج إلى المزيد من الإجراءات، لتوفير بيئة مستقرة تعزز الثقة فى أداء وقدرة الاقتصاد المصرى على جذب الاستثمارات، على نحو يؤدى إلى زيادة معدلات الإنتاجية، ورفع تنافسية الاقتصاد المصرى، وينعكس بالإيجاب على جودة وفاعلية الخدمات العامة، واستفادة جميع الفئات من ثمار التنمية المحققة.
 
Capture
 

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة