المخاوف إستراتيجية ترامب.. سر توريط أمريكا لحلفائها في مواجهتها مع الصين

الأربعاء، 16 يناير 2019 06:00 م
المخاوف إستراتيجية ترامب.. سر توريط أمريكا لحلفائها في مواجهتها مع الصين
ترامب

على الرغم من الحديث المتواتر حول وجود تطورات إيجابية فى العلاقة بين الولايات المتحدة والصين، خاصة فيما يتعلق بالحرب التجارية المندلعة بين البلدين منذ شهور، إلا أن الأمور على ما يبدو اتخذت منحى جديد فى الأسابيع الماضية، وتحديدا منذ لقاء الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، مع نظيره الصينى شى جين بينج، فى العاصمة الأرجنتينية بيونيس آيرس فى أوائل ديسمبر الماضى، خاصة بعد قيام السلطات الكندية بالقبض على المسئولة التنفيذية بشركة هواوى الصينية منج وان تشو، بناء على طلب من الولايات المتحدة، باتهامات تتعلق بتورطها فى خرق العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران.

ولعل اعتقال المسئولة الكبيرة بالشركة الصينية لم يكن سوى بداية لاعتقالات أخرى لمواطنين صينيين، حيث قامت السلطات البولندية، قبل أيام، باعتقال موظفا صينيا أخر يعمل فى نفس الشركة بتهمة التجسس، فى الوقت الذى أصدرت فيه وزارة الخارجية الأمريكية بيانا لتحذير مواطنيها من السفر إلى الصين قبل عدة أيام، بدعوى مخاوف تتعلق بما أسمته "التطبيق العشوائى للقانون" فى الصين، وهو ما يطرح تساؤلات حول ما إذا كانت الولايات المتحدة سوف تغير نهجها فى الحرب على الصين من المواجهة الدبلوماسية المباشرة، إلى الاعتماد على حلفائها، من أجل الضغط على الحكومة الصينية للرضوخ إلى المطالب الأمريكية فى المرحلة المقبلة.

إلا أن المفارقة الجديرة بالملاحظة هو توقيت المناورة الأمريكية، حيث جاء اعتماد إدارة ترامب على دول أخرى، وعلى رأسهم كندا، فى الوقت الذى تشهد فيه واشنطن توترا غير مسبوق مع حلفائها من دول المعسكر الغربى، على خلفية الرسوم الجمركية التى فرضها الرئيس ترامب على وارداتهم، بالإضافة إلى مواقفه المتعارضة مع السياسات التقليدية التى تتبناها الإدارات الأمريكية المتعاقبة تجاه قضايا، ربما أصبحت بمثابة ثوابت للدبلوماسية الأمريكية، وعلى رأسها حلف الناتو والمنظمات الدولية الأخرى، بالإضافة إلى القرارات الأحادية الجانب التى اتخذها تجاه العديد من القضايا، وعلى رأسها الانسحاب من الاتفاق النووى الإيرانى فى مايو الماضى.

نج وان تشو
 

يبدو أن إدارة ترامب شعرت بحجم القلق الذى يشعر به الحلفاء الغربيون تجاه السياسات الصينية مع تواتر الحديث عن تورط بكين فى استخدام التكنولوجيا الخاصة بها فى أعمال تجسس بالعديد من الدول الغربية، فى إطار رغبتها فى تحقيق الهيمنة الدولية، وتوسيع نفوذها ليمتد إلى نطاق أوسع من مجرد محيطها الجغرافى فى المرحلة الراهنة، وبالتالى كانت هناك حاجة ملحة لدى حلفاء واشنطن لتجاوز خلافاتهم مع الإدارة الأمريكية الحالية فى سبيل كبح جماح بكين فى المرحلة الراهنة، فى ضوء التهديدات الأمنية التى قد يفرضها النفوذ الصينى المتنامى فى المستقبل.

وهنا يصبح التحرك الأمريكى مزدوجا، ففى جزء منه يواصل الضغط على الصين فى ظل الحرب التجارية المندلعة بين الجانبين فى المرحلة الراهنة، وإجبارها على تقديم أكبر قدر من التنازلات لصالح الولايات المتحدة، بينما يغلق، على الجانب الأخر، الطريق أمام حلفائه أمام التعاون مع بكين فيما يتعلق بالقضايا الخلافية فيما بينهم، والتى ربما يجد الغرب فيها الكثير من المشتركات مع الصين، وعلى رأسها الموقف من إيران، خاصة وأن الصين كانت أحد الدول المشاركة فى الاتفاق النووى الذى وقعته طهران مع القوى الدولية الكبرى فى يوليو 2015، فى الوقت الذى تبدى فيه دول المعسكر الغربى قدرا كبيرا من التعنت تجاه الإجراءات الأمريكية الأخيرة تجاه إيران، وعلى رأسها الانسحاب الأمريكى من الاتفاق النووى، وكذلك العقوبات التى أعلنتها إدارة ترامب على إثر ذلك على نظام الملالى.

الرئيس الأمريكى انسحب من الاتفاق النووى الإيرانى فى مايو الماضى
 

وتعد الصين ملاذا مهما لدول الغرب، ليس فقط فيما يتعلق بالقضايا الدولية المثارة حاليا، وإنما أيضا على المستوى التجارى، حيث تسعى بكين لتقديم نفسها كشريك تجارى موثوق به للدول الغربية، بعدما أخلت إدارة ترامب بالتزاماتها التجارية تجاه حلفائها، على خلفية قضية الرسوم التجارية التى أعلنها الرئيس الأمريكى قبل عدة أشهر، وهو الأمر الذى ربما يخلق مجالا جديدا للمناورة من قبل حلفاء واشنطن، وهو الأمر الذى لا يقبله ترامب، والذى يسعى بدوره إلى فرض إرادته على الجميع سواء كانوا خصوما أو حلفاء، وهو الأمر الذى يبدو واضحا فى النهج الحاد الذى تبناه مع جميع المعارضين لمواقفه فى العديد من القضايا.

ولكن يبقى التساؤل حول هوية من يدفع ثمن تلك المعركة التى تقودها الولايات المتحدة بامتياز، بينما تستخدم فيها دولا أخرى لتحقيق أهدافها، حيث كانت واشنطن دائما ما تتكبد الثمن الأكبر فى أى مناورة تقود فيها حلفائها، سواء عسكريا، أو سياسيا، عبر دماء جنودها أو حتى مليارات الدولارات التى طالما تكبدتها الخزانة الأمريكية لسنوات طويلة من أجل تحقيق أهدافها، إلا أن الأمر يبدو مختلفا هذه المرة، فى ظل قيام السلطات الصينية باعتقال عدة مواطنين كنديين، من بينهم دبلوماسى، بعد أيام من اعتقال المسئولة التنفيذية بشركة هواوى.

ترامب وزوجته حرصا على استقبال السجناء الأمريكيين بعد عودتهم من كوريا الشمالية
 
ويمثل بيان وزارة الخارجية الأمريكية التحذيرى للمواطنين بعدم السفر إلى بكين دليلا دامغا على إدراك واشنطن لرد الفعل المحتمل من قبل الصين، خاصة وأن قضية السجناء الأمريكيين بالخارج تمثل أحد الخطوط الحمراء التى دائما ما يضعها ترامب فى علاقته مع الدول الأخرى، وهو ما بدا واضحا فى السلاسة الكبيرة التى شهدتها المفاوضات الأمريكية الكورية الشمالية، فى أعقاب إفراج بيونج يانج عن السجناء الأمريكيين، والذى ساهم فى النهاية بصورة كبيرة فى انعقاد القمة التاريخية التى جمعت الرئيس ترامب بنظيره الكورى الشمالى كيم جونج أون فى سنغافورة فى شهر يونيو الماضى.

ويعد توريط الحلفاء فى تقديم ثمن المعارك التى تقودها الولايات المتحدة بمثابة النهج الذى تبناه ترامب منذ بداية حقبته قبل عامين، حيث لا يقتصر الثمن على مجرد الوفاء بالتزامات مالية، ولكن يمتد إلى جوانب أخرى، أبرزها السياسى والعسكرى، لتصل مؤخرا إلى تقديم مواطنيهم كسجناء لفداء المواطن الأمريكى، الذى ربما يقع تحت طائلة السلطات الصينية جراء السياسات الأمريكية المناوئة لهم.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة