جولة صوت الأمة داخل قطار الحجاز: عمره 110 أعوام.. ويربط المدينة المنورة بدمشق (صور)

الأحد، 20 يناير 2019 12:00 ص
جولة صوت الأمة داخل قطار الحجاز: عمره 110 أعوام.. ويربط المدينة المنورة بدمشق (صور)
رسالة السعودية: محمد أسعد

 

«لا هو حي فيرجى ولا هو ميت فينسى».. بهذه الكلمات، وصف الشيخ والأديب السوري الشهير علي الطنطاوي، قطار الحجاز، الذي تم إنشاءه قبل أكثر من 100 عام، ليمتد من دمشق إلى المدينة المنورة، وبهدف توحيد العالم الإسلامي، في عهد السلطان العثماني عبد الحميد الثاني.

كان لـ «صوت الأمة» زيارة لمحطة «مدائن صالح» بمحافظة العلا، بالمملكة العربية السعودية، إحدى المحطات الرئيسية لقطار الحجاز، التي تروي قصة إنشاء سكة حديد الحجاز، ليمر بخمسة دول هي تركيا وسوريا والأردن وفلسطين والمملكة العربية السعودية.

كانت رحلات الحج والعمرة تستغرق أسابيع طويلة وشهور أحيانًا، وكانت المسافة وحدها بين دمشق والمدينة المنورة تستغرق ما يقرب من 40 يومًا، فجاءت فكرة إنشاء قطار سكة حديد «قطار الحجاز» ليربط بين «دمشق» و«المدينة المنورة» وكانت الخطة هي مد الخط شمالًا إلى العاصمة العثمانية القسطنطينية وجنوبًا إلى مكة المكرمة.


 

في إطار محاولاته وقتها للنهوض بالدولة العثمانية وجه السلطان عبد الحميد اهتماماته نحو تحديث وسائل المواصلات والاتصالات في الدولة العثمانية، فقام بربط عدد من ولايات الدولة بشبكة من خطوط السكة الحديد، وتوج هذه الجهود بتنفيذ سكة حديد الحجاز التي يربط دمشق بالمدينة المنورة، وكان الدافع وراء إنشاء سكة حديد الحجاز، خدمة حجاج بيت الله الحرام، وتوفير وسيلة نقل حديثة تنقلهم إلى الأراضي المقدسة، وتقوية الروابط بين المسلمين.

استغرق تنفيذ مشروع السكة 8 سنوات، حيث بدأ تنفيذ المشروع بجزئه الأول "دمشق – درعا" في شهر سبتمبر 1900 ميلاديًا، وعمل في بناءه مهندسون ألمان وأتراك، كما تم الاعتماد في العمالة على سكان المناطق التي يمر بها الخط.

واجهت تنفيذ الخط صعوبات كثيرة تتعلق بالتمويل وبمعارضة القوى الأوروبية في المنطقة له، وتم دعوة المسلمين في جميع أنحاء العالم إلى الاكتتاب والتبرع لصالح سكة حديد الحجاز، ومنحت الدولة العثمانية الأوسمة والميداليات للمكتتبين من الأفراد والهيئات الإسلامية، وتدفقت التبرعات من مصر والهند ومن شرق آسيا وسنغافورة والمغرب، وغيرها من الدول.

خُطط لمشروع سكة حديد الحجاز أن يمتد عبر الأراضي الحجازية ويصل المدينة المنورة بمكة المكرمة، ثم يستمر مع ساحل البحر الأحمر إلى اليمن، ولكن الأحداث التي تلت وصول الخط إلى المدينة حالت دون تنفيذ كامل مخططات السلطان عبدالحميد.

بلغ طول الخط من دمشق إلى المدينة المنورة 1302 كم، وجعل عرضة 105 سم فقط، وقسمت عملية تنفيذه إلى 5 أقسام، القسم الأول من دمشق إلى درعا، والقسم الثاني من درعا إلى عمان، والثالث من عمان إلى معان، والرابع من معان إلى تبوك، والخامس من تبوك إلى المدينة المنورة.


 
وتم إنشاء 16 محطة على مسار السكة بين تبوك والعلا، و16 محطة أخرى على مسار السكة الممتد بين العلا والمدينة المنورة، وتختلف أحجام هذه المحطات من مكان لآخر، وتتوالى بعد تبوك محطات صغيرة ذات تصميم موحد إلى أن يصل مسار السكة إلى الحجر، والأمر كذلك على مسار السكة بين العلا وهدية.

وتم الاحتفال بوصول الخط الحديدي إلى تبوك في الأول من سبتمبر 1906 بحضور لجنة رسمية قدمت من دمشق، كما حضر الاحتفال شيوخ القبائل والأعيان والتجار، حيث صلى الجميع صلاة الصبح في مسجد الرسول بتبوك، ثم اتجهوا إلى سرادق الاحتفال فألقيت بعض الخطب، ونحرت الذبائح، ثم قرأ المندوب الخاص للسلطان برقية السلطان عبدالحميد بهذه المناسبة.

بعد عام من افتتاح محطة تبوك أقيم في شهر سبتمبر 1907 احتفال بمناسبة وصول القطار إلى العلا، حيث ألقيت الخطب ونحرت الذبائح وقرئت برقية السلطان بهذه المناسبة.

وفي 22 أغسطس 1908 وصل أول قطار إلى المدينة المنورة، ولكن الاحتفال الرسمي بهذه المناسبة أرجئ إلى الأول من ديسمبر ليتوافق مع عيد الجلوس السلطاني على العرض، حيث أقيم احتفال كبير بهاتين المناسبتين، وأنيرت محطة المدينة بالكهرباء التي دخلت لأول مرة إلى المدينة.

لم يكتب لسكة حديد الحجاز الاستمرار طويلًا في تقديم ثمارها، إذ سرعان ما اندلعت الحرب العالمية الأولى "1914-1918" فتأثر بها الخط، كما كان لثورة الشريف التي صاحبت تلك الحرب آثارًا مدمرة على سكة حديد الحجاز، فقد قام جيش الشريف وبدعم من الانجليز، بتدمير السكة في مواقع عدة بين عمان والمدينة المنورة، فخربت معظم الجسور، والمعدات، والمحطات، وقد لعب الضابط الانجليزي لورانس دورًا كبيرًا في هذا التدمير.

بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى بذلت من العرب محاولات لإعادة تسيير الخط، وصل القطار على إثرها مرتين فقط إلى المدينة، إحداهما في عام 1919 والأخرى في عام 1925، ولم يكتب للمحاولات العربية النجاح بسبب نقص الإمكانات المادية والخبرة الفنية، وظل الجزء الحجازي من الخط معطلًا، في حين أمكن تسيير الأجزاء: السوري والفلسطيني والأردني في الخدمة المحلية.


 
سعى عدد من المسلمين إلى إثارة موضوع سكة حديد الحجاز، وقاموا بحث الحكومات التي تكونت في المنطقة، والدول الاستعمارية التي بسطت نفوذها في الشام وشرق الأردن وفلسطين على إعادة تشغيل الخط، واستجابت المملكة العربية السعودية لذلك، واشتركت في مؤتمر حيفا الذي عقد عام 1928 للنظر في هذا المشروع، وطالبت المملكة بإعادة سكة حديد الحجاز إلى ما كانت عليه، ولكن حكومات الانتداب البريطاني والفرنسي التي كانت تسيطر على أجزاء من هذا الخط رفضت هذه المطالب، وتوقفت المحادثات، ثم اندلعت الحرب العالمية الثانية فتوقف كل نشاط في هذا الموضوع.
 

بعد الحرب العالمية الثانية، عقدت اجتماعات عدة بين الدول المعنية بهدف إعادة تسيير الخط، بدأت منذ العام 1946 وتوالت بعد ذلك، وآخر ذه الاجتماعات كان في العام 1981، وكان للأحداث التي شهدتها المنطقة طيلة هذه السنين كاحتلال فلسطين عام 1948 ونكسة 1967 تأثير سلبي على الجهود المبذولة التي حالت دون تنفيذ ما يفق عليه على الطبيعة.

38144v_Library-of-Congress

أرثى الشيخ والفقيه والأديب السوري الشهير علي الطنطاوي قطار الحجاز في قصيده بدأها بقوله:


إن قصة الخط الحديدي الحجازي مأساة دونها المآسي الأدبية

حملته أمه ثماني سنين وعاش بعدما ولد عشر سنين

ثم أصابته علة مزمنة فلا هو حي فيرجى ولا هو ميت فينسى..

 

وتم تأهيل محطة مدائن صالح لتكون جاهزة لاستقبال الزوار والسائحين في إطار خطة المملكة العربية السعودية للترويج لمحافظة العلا بما تحويه من أماكن أثرية وتراثية وتاريخية.

571px-Map_of_Al_Hijaz_Train_Lines
 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق