ويبقى شمال سوريا العقبة.. أردوغان يتلاعب بأحلام الدمشقيين

الأربعاء، 30 يناير 2019 01:00 م
ويبقى شمال سوريا العقبة.. أردوغان يتلاعب بأحلام الدمشقيين
الرئيس التركي رجب طيب اردوغان

الرئيس التركي يستميت من أجل وضع قدمه في الشمال السوري، يروج لفكرة إقامة منطقة آمنة تشرف أنقرة عليها بحجة عودة اللاجئين إلى بلادهم،  ليتمكن من سحق الأكراد، خاصة بعد تهديد البيت الأبيض بتدمير اقتصاد أنقرة إذا نفذ إردوغان تهديده باقتحام شرق الفرات.

رجب يحلم بالهيمنة على المناطق الغنية بالنفط في سورية، من أجل الحصول على أموال تسمح له بالاستمرار على عرش البلاد، بعد أن أورثها الفقر بسبب سياساته المتخبطة، ما أدى إلى هبوط حاد في العملة المحلية، رفع الأسعار إلى عنان السماء. 

قال الرئيس التركي إن أنقرة تستهدف تأسيس منطقة آمنة من أجل عودة 4 ملايين سوري في تركيا إلى بلادهم، مضيفًا: «عاد نحو 300 ألف سوري إلى المناطق التي تم تطهيرها من الإرهابيين، مثل أعزاز وجرابلس والباب وعفرين»، حسب وكالة أنباء الأناضول التركية الرسمية.

في كلمته بالاجتماع التأسيسي لشبكة تعاون جمعيات الهلال والصليب الأحمر في دول منظمة التعاون الإسلامي بمدينة إسطنبول، اليوم الاثنين، زعم إردوغان أن إقامة منطقة آمنة في الأراضي السورية المقابلة للحدود الجنوبية لتركيا سيكون من شأنه أن يرفع عدد العائدين إلى الملايين.

أضاف: «سنحقق السلام والاستقرار والأمن في شرق نهر الفرات قريبا، كما حققناه في مناطق أخرى»، لافتا إلى وجود تنسيق مع الدول التي لها قوات عسكرية على الأرض، وعلى رأسها روسيا وأمريكا، موكدًا على وجود مؤشرات إيجابية تجاه المقترح التركي من الدولتين.

تابع: هدفنا ضمان أمنها القومي وتعزيزه، إلى جانب ضمان وحدة الأراضي السورية، مشيرًا إلى أن تركيا أنفقت حسب معطيات الأمم المتحدة نحو 35 مليار دولار على كل اللاجئين، في مقدمتهم 4 ملايين سوري، متهما الاتحاد الأوروبي بأنه لم يفِ بوعوده المتعلقة بمساعدة اللاجئين.

حول مكافحة الإرهاب قال رجب: «سنطهر المنطقة من عناصر داعش وبقاياها التي يتم تدريبها ضد تركيا. البلدان الغربية سعت لمكافحة التنظيم بتسليح مجموعة إرهابية أخرى»، في إشارة إلى المقاتلين الأكراد.




رجب تذرع بالاتفاقية الموقعة بين دمشق وأنقرة عام 1998، فيما ناقش مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في زيارته إلى موسكو آخر تداعيات الأزمة السورية. 

بعد عودته إلى أنقرة قال الرئيس التركي إنه تطرق مع بوتين إلى الاتفاقية التي تنص على تسليمنا الإرهابيين الانفصاليين في سورية (يقصد حزب العمال الكردستاني)، زاعما أنه اتفق مع نظيره الروسي على ضرورة طرحها للتداول.

اتفاقية أضنة مثلت هدنة مؤقتة في الصراع التركي السوري حول ملفات معلقة منذ ثلاثينيات القرن العشرين، على رأسها لواء إسكندرون المحتل من أنقرة منذ عام 1939، إضافة إلى السدود التركية المقامة فوق نهر الفرات وتهدد دمشق بالعطش. 

ظهور حزب العمال الكردستاني في منتصف الثمانينيات في جنوب شرق تركيا ودخوله في حرب مفتوحة ضد النظام، أضاف مسألة جديدة بالغة الخطورة إلى نزاعات دمشق وأنقرة. 

حسب الزعم التركي، فإن سورية احتضنت ميليشيات «بي كا كا» منذ عام 1984 حتى منتصف التسعينيات، وتنوعت وسائل الدعم من استضافة المؤسس للحزب عبد الله أوجلان في دمشق، وإتاحة الأراضي أمام الأكراد لإقامة معسكرات تدريب. 

خلال التسعينيات شن الجيش التركي حملات واسعة في جنوب البلاد للقضاء على الحزب، كلفت الخزانة 86 مليار دولار ونحو 40 ألف قتيل من الجانبين، دون أن تحسم الصراع بصورة نهائية. 


في 19 و 20 أكتوبر عام 1998، اجتمع في أضنة السفير التركي أوغار زيال مع السفير السوري بدر عدنان الحسن ووقعا الاتفاقية التي تضمنت اعتراف دمشق بحزب العمال الكردستاني كمنظمة إرهابية، ومنع عناصره من السفر إلى سورية وطرد عبد الله أوجلان، ما مهد للقبض عليه في العام التالي 1999 من قبل السلطات التركية. 

الاتفاق تضمن عدة بنود تلزم دمشق بعدم السماح بما وصفته نشاطات إرهابية من الحزب من شأنها إلحاق الضرر بأمن وسيادة تركيا، وعدم تمويل «بي كا كا» بالسلاح أو المال أو المواد اللوجستية أو النشاطات الدعائية في مناطقها.

نص الملحق الثالث من الاتفاقية على أن كلا الجانبين يوافق على إنهاء النزاعات الحدودية بينهما، وليس لأي منهما الحق في أي إدعاءات أو حقوق في المناطق على الجانب الآخر، ما مكن تركيا من إغلاق ملف لواء إسكندرون نهائيا.

الملحق الرابع أكد أن الجانب السوري يتفهم أن فشله في اتخاذ التدابير اللازمة والواجبات التي ألقيت على عاتقه في الاتفاقية يمنح تركيا الحق في اتخاذ الإجراءات الأمنية بعمق 5 كيلومترات داخل حدود دمشق، ما تستغله أنقرة للتغلغل بأكثر من 35 كيلومترا حاليا. 

أعقب توقيع الاتفاقية تحولا مهما في مسار العلاقات بين البلدين ، حيث التزمت دمشق بالتوقف عن دعم بي كا كا وطردت أوجلان، وألقت القبض على المئات من أعضاء حزب العمال وقدمتهم للمحاكمة. 


اتفاقية أضنة تحولت إلى معاهدة استراتيجية ثلاثية الأطراف بعد دخول إيران منذ عام 2003، واستمرت حتى عام 2011 عندما جددها وزير الخارجية التركي الأسبق أحمد داود أوغلو ونظيره السوري وليد المعلم مرة أخرى، فيما بدت أنها في طريقها إلى التجميد مع دخول الحرب الأهلية إلى سورية في العام نفسه.

عام 2012 استغل رئيس وزراء تركيا -وقتذاك- إردوغان الفوضى التي ضربت الدولة السورية لتحقيق أطماع بلاده التاريخية، حيث دعمت أنقرة الفصائل المسلحة التي قاتلت حكومة بشار الأسد، وباتت الأراضي التركية ممرا للإرهابيين. 

سياسة إردوغان المكشوفة أدت إلى إلغاء اتفاقية أضنة بشكل غير رسمي بعد فقدانها محتواها، فيما راحت وسائل الإعلام التركية لعودة دعم دمشق وطهران لـ«بي كا كا». 

بعد عامين من الاحتفال بسقوط «أضنة»، خرج إردوغان عام 2014 يبشر بقرب تخلص بلاده من تبعات معاهدة لوزان التاريخية الموقعة 1923، وفي 2016 مشيرا إلى خريطة الميثاق الملي 1920، التي اعتبرت أن حلب والشمال السوري كله جزء من الجمهورية التركية. 

الأوهام ظلت تداعب إردوغان عندما قرر دونالد ترامب سحب القوات الأمريكية - 2000 جندي - من شمال سورية، وبدت الساحة خالية أمامه للعدوان، فيما نسف تهديد واشنطن بتدمير اقتصاد أنقرة في حال مهاجمة الأكراد شرق الفرات أحلام الرئيس التركي.

استدعاء اتفاقية أضنة من إردوغان رغم سعادته بإلغائها سابقا لا يمكن فهمها إلا في إطار الرفض الأمريكي لطموحاته الواسعة في الشمال السوري، فإذا كانت واشنطن تمسك العصا من المنتصف بين الأتراك والأكراد، فلا بأس من أن تنتقل أنقرة إلى الضفة الأخرى بجوار دمشق وموسكو وطهران، وفق محللين.

على تلك الضفة، يحلم إردوغان أن يستعين بنص اتفاقية أضنة ليضرب كل العصافير بحجر واحد، ويظهر أمام الرأي العام الدولي كرجل ملتزم بمعاهدة إقليمية لحماية حدوده، ملقيا بالمسؤولية على عاتق دمشق للتخلص من وحدات حماية الشعب الكردية.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة