دروس ماكرون للغرب عن مصر

الجمعة، 01 فبراير 2019 01:24 م
دروس ماكرون للغرب عن مصر
يوسف أيوب

للمرة الثانية يوجه الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون رسالة ليس فقط للفرنسيين وإنما لجيرانه وأقرانه فى الغرب، وهم يتعاملون مع مصر، فخلال زيارته الاخيرة للقاهرة قال ماكرون إنه لا يعطى دروسا للمصريين ويحترم التحديات الأمنية التى تواجهها الدولة المصرية، وما يمثله إعادة بناء الاقتصاد المصرى بصورة حديثة.
 
وخلال زيارة الرئيس السيسى لباريس فى أكتوبر 2017، كان ماكرون واضحاً وصريحاً حينما أكد فى المؤتمر الصحفى المشترك بقصر الإليزية، إن فرنسا تدافع عن حقوق الإنسان على أنها قيم عالمية لا يمكن أن يكون هناك شك بها، ومقتنع بأن مصلحة الرئيس السيسي أن يؤكد الدفاع عن حقوق الإنسان، لكنه وحده يحكم على هذه الظروف حسب الأوضاع المصرية، وقال نصاً " أدرك أن الظروف الأمنية والوضع الذى يتحرك ويعمل فيه الرئيس السيسى، حيث يواجه تحد وعدم استقرار فى بلده، ومحاربة المجموعات الإرهابية والأصولية الدينية العنيفة، وبينت نتائجها، ولا يمكن أن ننسى هذا الإطار الذى يحكم فيه الرئيس.. حريص على سيادة الدول، ولا أقبل أن يعطينى أى رئيس دروسا فى إدارة بلدى، ولا أعطى دروسا للآخرين، وانظروا ما آلت إليه الأوضاع فى العراق وليبيا، لقد أردنا أن نعطى دروسا خارج السياق، وأن نقضى على نظم سياسية لم تكن تتفق معنا، فى القيم، ولكن ماذا كانت النتيجة، عدد أكبر من العنف والقتل والتطرف".
 
مجمل ما قاله ماكرون فى القاهرة ومن قبلها باريس يشير إلى وجود تغير فى الإستراتيجية الأوربية تجاه مصر، ليس مجاملة لها ولا لرئيسها، لكنها جاءت إدراكاً لحجم التغيرات التى شهدتها الدولة طيلة السنوات الخمس الماضية، رغم الظروف والتحديات التى كادت ان تقف عائقاً أمام تحقيق أى تقدم، لكن مصر لم تستسلم لهذه التحديات بل جعلتها حافز للإنطلاق.
 
بالطبع نحن فى مصر لسنا بحاجة لشهادة أحد على أننا نسير فى الطريق الصحيح، لكن ما قاله ماكرون ومن قبله وبعدها رؤساء وقادة آخرين، يوضح كيف ينظر لنا الغرب، ففى السابق كانت الريبة هى التى تحكم النظرة الغربية لمصر، والخوف من أن الدولة فى طريقها للسقوط والإنهيار بسبب عوامل كثيرة ربما شاركت دول غربية فى إيجادها، لكن الذى حدث ان الدولة منذ ثورة 30 يونيو قررت أن تعتمد على نفسها وعلى المصريين، وأن تتخذ لنفسها الطريق الخاص بها، إلى أن وصلت إلى الشكل التى هى عليه الآن، دولة تنظر للمستقبل، وتبنى نفسها بسواعد أبنائها.
 
ربما يكون من المفيد الإشارة إلى أن ماكرون واجه طيلة الشهور القليلة الماضية أوضاع أمنية وأقتصادية صعبة فى فرنسا، بسبب احتجاجات خرجت إلى الشوارع بشعارات اجتماعية واقتصادية قبل أن تنقلب إلى سياسية مطالبة برحيل حكم ماكرون، وتعاملت الدولة الفرنسية مع هذه الاحتجاجات بالشكل الذى رأته الحكومة الفرنسية أنه مناسب لها، فأستجابت لبعض المطالب، ورفضت الكثير، وألقت القبض على عدد ليس بقليل من المحتجين حينما تبين لها أن الإحتجاجات تسير فى اتجاه سقوط الدولة، أخذاً فى الأعتبار أن القارة الأوربية بمجملها كانت تنظر لما يحدث فى فرنسا منتظرة للنتائج التى ستنعكس سلباً على أوضاع هذه الدول، ورأينا كيف صمت دعاة حقوق الإنسان فى هذه الدول على ردة فعل الحكومة الفرنسية تجاه المحتجين.. سكتوا لأنهم أدركوا أن هناك أهداف أخرى يسعى بعض المحتجين لها بخلاف ما كانوا يطلقونه من شعارات تخص الأوضاع الاقتصادية والإجتماعية.
 
سكتت أوربا لأنها رأت أن الدولة الفرنسية كانت قريبة من الإنزلاق إلى الفوضى، فكان قراراهم وأختيارهم هو حماية فرنسا من السقوط، وربما يكون ما حدث فى فرنسا هو الذى جعل الكثيريين يعيدون التفكير فيما حدث فى مصر ودول أخرى، ويدركوا أن الشعارات ليست دائما صادقة، بل ربما او غالباً خادعة وتخفى ورائها أغراض أخرى غير بريئة.
 
من القاهرة أطلق ماكرون مجموعة من الرسائل القوية، بعضها جاء بشكل مباشر والكثير منها بغير مباشر، أما المباشر فمن خلال تصريحاته الداعمة لمصر والمؤيدة لها، وإعطاءه دفعة قوية للتعاون فى المجالات الاقتصادية، وزيادة حجم التبادل التجارى والاستثمارات المشتركة، اما غير المباشرة فهى كثيرة، فزيارته لأسوان ومعبد أبو سمبل، وبعدها الاهرامات والعاصمة الادارية الجديدة ومشيخة الأهر والكاتدرائية، كانت رسالة قوية بأن مصر دولة آمنة ومستعدة لأستقبال السياح فى أى وقت.
 
 
بقى شئ مهم فى زيارة ماكرون لمصر، وتتعلق بما قاله الرئيس السيسى خلال المؤتمر الصحفى، فالرئيس وضع حداً لكل ما يثار فى الداخل والخارج بشأن الحريات فى مصر، خاصة بتأكيده على أن الشعب المصرى هو صاحب الحق فى تقييم ما يتمتع به من حقوق، وأن حقوق الانسان لا تتجزأ ولا يجب قصرها فى مصر على حرية الرأى، وأن منظمات المجتمع المدنى لها دور مهم خاصة فى ظل الظروف الصعبة التى تعيشها مصر، ولذلك يجب أن نستمع إليهم.
 
الرئيس الذى أعتدنا منه الصراحة فى كل ما يقوله، صارح ماكرون وكل من تابعوا الزيارة والمؤتمر الصحفى بان مصر لديها فلسفة خاصة فى التعامل مع التحديات التى تواجهها، وهذه الفلسفة كانت نتاج جهد وتفكير مصرى مبنى على تراكمات ما شهدته الدولة طيلة السنوات الماضية، وأنتهى إلى أنه عندما توفر الدولة حياة كريمة لاكثر من 250 ألف أسرة فإنها تزيل أسباب التطرف والإرهاب، وحينما تعمل على تعزيز قيم المواطنة والعيش المشترك والتآخى، فأنها بذلك تعيد بناء الدولة، التى لن يكون لها مستقبل الا بالعمل والجهد والمثابرة، لأن النتيجة التى خلص لها كل المصريين وأوجزها الرئيس فى جملة واحدة، أن مصر لن تقوم بالمدونين ولكنها ستقوم بالعمل والجهد والمثابرة من أبنائها، لأن المدونيين يتحدثون بلغة بعيدة عن الواقع الذى نعيشه.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق