العودة للجذور

السبت، 16 فبراير 2019 02:05 م
العودة للجذور
مني أحمد

 
سوف تظل شعوب القارة تتطلع إلينا نحن الذين نحرس الباب الشمالى للقارة، ولن نستطيع أن نتخلى عن مسئولياتنا لنشر النور والحضارة، هكذا بلور الزعيم الراحل جمال عبد الناصر سياسة مصر تجاه القارة السمراء، فقد ادرك أهمية العمق الافريقي كأحد أهم دوائر السياسة المصرية بعد ثورة يوليو التي اعادت صياغة علاقة مصر بالقارة.
 
وكانت مساندة حركة التحرر الوطني والنضال ضد الاستعمار والعنصرية في القارة أهم ما تميزت به تجربة عبد الناصر، والتي اتخذت عدة صور عسكريا وإعلاميا وسياسيا من خلال المال والسلاح والتدريب في معاهدها العسكرية.
 
ولم تكتفِ القاهرة بهذا فحسب بل كان لقوتها الناعمة دورا اخر حيث أنشا عبد الناصر صوت إفريقيا بالإذاعة المصرية، على غرار صوت العرب وبجميع اللغات الإفريقية المحلية التي كانت منبرا لحركات التحرر لمخاطبة شعوبها، فأصبحت القاهرة العاصمة الأولى في العالم التي تتحدث باسم الثورة الإفريقية ضد الاستعمار.
 
وكان الدعم السياسي رافد اخر لحركات التحرر بحشد مصر الرأي العام الدولي لما لها من ثقل خاصة في إطار حركة عدم الانحياز التي كانت مصر أهم مؤسسيها، ومن خلال ارسال ممثلي حركات التحرر علي نفقتها الخاصة إلي الامم المتحدة لعرض قضاياهم والمطالبة بحقهم في الاستقلال، وجاء إنشاء منظمة الوحدة الافريقية 1963 التي لعبت فيه مصر دورا أساسيا ليفتح بابا جديدا من التعاون مع كافة الدول الافريقية.
 
ورغم الدور الفاعل لمصر في أفريقيا كان هناك تخوف لدي الإدارة المصرية من محاولات الدولة الاستعمارية للالتفاف مرة أخري حول المكتسبات الأفريقية والتسلل للقارة الواعدة من الباب الخلفي المتمثل في المساعدات العسكرية والاقتصادية ، كان لابد لمصر من اتخاذ حزمة اجراءات تمثل حائط صد أمام تلك المحاولات، فتم انشاء الصندوق الفنى المصرى للتعاون مع الدول الإفريقية في مختلف المجالات، فتم إرسال الأطباء والمدرسين وأساتذة الجامعات والأزهريين والخبراء والعمالة الفنية، إضافة لإقامة السدود والعديد من المشروعات التنموية، ولعل أكبر استثمار حققته ثورة يوليو في القارة السمراء كان بتعليم الأفارقة الذين اصبحوا فيما بعد قادة ورؤساء حكومات، وهو ما القي بظلاله علي منحني التحديات التي واجهت مصر فيما بعد.
 
وهكذا ظلت مصر حارسة لأفريقيا فقد هدمت كل المحاولات الأمريكية والاستعمارية والصهيونية للتدخل في الشئون الإفريقية، وكان عبد الناصر سدا منيعا لقوة علاقاته بجيرانه وثقتهم به، مما جعل الإدارة الأمريكية للرئيس إيزنهاور تدرك انها لن تستطيع تحقيق أهدافها في أفريقيا الا بإزاحة ناصر عن المشهد.
 
وبعد رحيل عبد الناصر لم تعد العلاقة مع أفريقيا بنفس قوتها السابقة، وانسلخت القاهرة من عمقها الاستراتيجي فلم يولي الرئيس الراحل محمد أنور السادات ذات الاهمية التي كان يوليها الزعيم الراحل للعلاقات الإفريقية، وحدث تراجع كبير عقب معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل.
 
ومع بداية عصر مبارك كانت العلاقات المصرية الأفريقية دبلوماسيا واقتصاديا قد وصلت الي أدني مستوياتها، ولم يعد لمصر دوراً فاعل في الشأن الإفريقي، فى الوقت الذى بدأت فيه تحركات كثيرة لعدد من القوي الدولية والإقليمية للتواجد فى أفريقيا وتوسيع علاقات التبادل معها فى كل المجالات,
 
وبعد ثورة 25 يناير كان العبث بمقدرات الدولة المصرية في عمقها الأفريقي بعدما انشغلت بشأنها الداخلي، حتي جاءت جماعة الإخوان للحكم وازدادت الفجوة فى العلاقة بين مصر ودول القارة لعدم وجود رؤية وطنية أو سياسية خاصة مع دول حوض النيل، وقد أنعكس هذا التراجع على الموقف الذى أتخذه الاتحاد الأفريقى بتجميد عضوية مصر بعد ثورة 30 يونيو لغياب الدور المصرى، وهو ما تم تداركه في عهد الرئيس السيسي وجهود كبيرة غيرت تجاه البوصلة مابين التجميد في 2013 إلي رئاسة الاتحاد الافريقي فى 2019 وجهود حثيثة لإعادة الدفء لعلاقاتها مع القارة الأم.
 
وكما كانت لأفريقيا مكانة خاصة في استراتيجية ناصر أصبح لأفريقيا أهمية كبيرة في الإستراتيجية الجديدة للدولة المصرية بعد 30 يونيو، وأصبحت القارة السمراء تتطلع لدور مصري في هذة المرحلة يعيد احياء العصر الذهبي للعلاقات المصرية الأفريقية، وقد بدأت مصر بالفعل التواجد وبخطى ثابتة علي الساحة الأفريقية علي نهج الزعيم ناصر، رغم تغير معطيات العصر، ووجود أطراف إقليمية ودولية مؤثرة في المشهد الأفريقي وتراجع الدور العربي الذي لم يعد بنفس زخم الماضي.
 
وجاء إعلان الرئيس أسوان عاصمة للشباب الأفريقي أول المرتكزات لربط الاجيال الجديدة من الشباب الأفارقة بمصر مرة آخري، والتعرف على الدور التاريخي للقاهرة في القارة والذي من شأنه أن يدعم التوجه المصري الجديد نحو أفريقيا.
 
والثاني في مجال مكافحة الإرهاب والخبرات الكبيرة لمصر في هذا المجال التي يمكن أن تنقلها لدول القارة، خاصة مع وجود جماعات المسلحة في عدة بؤر داخل القارة، وثالث هذه المرتكزات يتمثل في إقامة شراكات اقتصادية واستثمارية وتجارية تكاملية بين مصر والدول الإفريقية، بإنشاء كيانات كبيرة تدفع التعاون الاقتصادي والتجاري إلى مستوي متقدم، فعودة مصر للقارة الأم هي عودة بلغة الظرف التاريخي ومعاييره وأولوياته.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق