الإلحاد.. اللعب في الدماغ

السبت، 23 فبراير 2019 07:00 م
الإلحاد.. اللعب في الدماغ
الإلحاد
عنتر عبداللطيف

تحاول بعض الجهات المشبوهة دس السم فى العسل بالترويج للإلحاد عبر تغليفه، وتقديمه فى صورة مغرية للشباب المصرى والعربى، وتصدير مبررات واهية للدفع بهؤلاء الشباب إلى انكار وجود الله. الخطة الشيطانية للملحدين أو من يقف خلفهم، تبرر الإلحاد وتحببه إلى قلوب ضعاف النفوس، عبر الزعم بوجود فوائد للإلحاد من قبيل أنه موقف برجماتى نفعى يريح الفرد من عناء طرح الأسئلة بشأن وجود الله وحقيقته وكينونته.

محاولة اللعب فى أدمغة الشباب دائما ما تبدأ ببرنامج عبر وسائل التواصل الاجتماعى، فهناك العشرات من مقدمى هذه البرامج عبر «يوتيوب» وغالبيتها يقدمها أصحابها من خارج مصر، وبدعم مشبوه من جهات شيطانية هدفها تخريب العقول وتهيئة المجتمع للخروج عن القيم حيث إن الدين يعد أحد ضوابط المجتمع وبهدمه يسهل غزو هذا المجتمع فكريا.

«هل للإلحاد فوائد؟».. هذا ما تحاول أحد المواقع المشبوهة التى تحمل عنوان «قناة الملحدين العرب» الإجابة عليه بطرق ملتوية، مدافعة عن الإلحاد، زاعمة أن له فوائد عديدة قائلة «إذا كان الإنسان سيقارن بين موقف الإيمان، وموقف الإلحاد من وجهة نظر براجماتيّة نفعيّة، وجب أن يكون لموقف الإلحاد فوائد على الفرد والمجتمع، ومن باب مناقشة هذا الطّرح البراجماتى للإلحاد، وبغضّ النّظر عن صحّة الموقف، وصحّة فرضيّة وجود إلهٍ من عدمها سأطرح بعض الفوائد العمليّة «المتخيّلة» لموقف الإلحاد على الجانبين الفردى والاجتماعي، وأقول: «متخيّلة» لأنّه لا يوجد عمليًّا من يتبنّى الإلحاد لهذه الأسباب النّفعيّة على الرّغم من أنّها حقيقيّةٌ تماماً، حيث إنّ الدّافع الوحيد لإلحاد إنسانٍ أو إيمانه هو القناعة الشّخصيّة، لا غير.
 
فى السطور المقبلة سنرى كيف أن هذه القناة تحاول الدفاع عن مبررات الإلحاد التى تجعل الإنسان أكثر حرية دون قيود دينية أو مجتمعية، ودون ضغوط نفسية، وهى أقاويل ومزاعم كاذبة فهذه القناة المشبوهة تزعم أن الإلحاد يجرّد الإنسان من أعباء الضّغوط النّفسيّة الدّينيّة: فالملحد لا يسهر اللّيل مشغولًا بمصيره بعد الموت، ولا تؤرقه مسألة الحساب والعقاب، ولا تشغل باله أحلام وأمنيات الثّواب، وبهذا يرفع الملحد عن كاهله الكثير من الضّغط النّفسى الذى يعيش فيه المؤمن، ويشغل حيّزًا كبيرًا من حياته النّفسيّة.
 
كما تتطرق القناة المشبوهة إلى ما أسمته فوائد الإلحاد بزعمها أن: «الإلحاد يمنح الفرد القدرة على محاكمة الأشخاص بشكلٍ موضوعيٍّ أكثر: فالملحد لا يعطى قيمةً اجتماعيّةً لمن لا يستحقّها على أساسٍ ديني؛ أى لن يقدّم الاحترام والتّبجيل والطّاعة والتّبعيّة لمن لا يستحقّها فعلًا، فالشّيخ والمُلّا والبابا والكاردينال والحاخام بالنسبة له لا يختلفون عن أيّ إنسانٍ آخر، وفى ذلك اقترابٌ أكثر من مفهوم العدالة الاجتماعيّة، وإعطاء كلّ ذى حقٍّ حقّه.
 
كما أن الإلحاد يمنح الملحد فرصةً لاكتشاف ذاته: ففى غياب وجود الغاية والقيمة المستوردة المفروضة على الملحد من الخارج، تكون للملحد فرصة حقيقيّة لتشكيل نفسه وقناعاته ومساءلة غاياته الحقيقيّة فى الحياة بشكل موضوعي حقيقى نافع دون التّأثيرات الخارجيّة المفروضة عليه، والتّى تجبره على ما يجب أن يكون، وما هدفه المفروض، فهذه التّأثيرات غالبا ما تصب فى مصلحة الآخرين.
 
والإلحاد يمنح الملحد المناعة ضدّ معظم الادّعاءات الفاسدة التى تعتمد على العاطفة فى إثبات نفسها: فقول فلان وفلان، وكلام القسّ، ورأى الشيخ… كلّ هذا يصبح دون قيمة بحدّ ذاته إذا لم يكن صحيحا و مدعوما بأدلّة وبراهين، وبذلك يصبح الملحد قادرا على الحكم على المواقف والأخبار، ولا يقوم بقبول خبر أو فكرة فقط لأنّ شخصا ما يرتدى قبّعةً مضحكة وفق القناة المشبوهة.
 
وتواصل القناة المشبوهة مزاعمها بالقول إن الإلحاد يمنح الملحد القدرة على إعادة مساءلة الأخلاق بحياديّة: تصبح الأخلاق غير مرتبطةٍ بنصٍّ أو عقيدة، وتعود لمنشأها الأصلي، وهو مفهوم المنفعة والضّرر، وهل الفعل المراد محاكمته أخلاقيّا ضار أم نافع، جميل أم خبيث بحسب المجتمع والقيم الإنسانيّة الأساسيّة؟ وبهذا يرتقى الملحد أخلاقيا وفق قناة الملحدين.
 
لا يفوتنا ونحن نتحدث عن ظاهرة الإلحاد وكيف انتهت بالبعض إلى الانتحار أن نذكر إسماعيل أدهم والذى كتب فى عام 1937 رسالة شهيرة له بعنوان «لماذا أنا ملحد؟» قائلا فى مقدمتها إنه كتبها بعد أن قرأ رسالة للشاعر أحمد زكى أبو شادى عنوانها «عقيدة الألوهية».
 
قال «أدهم» فى كتابه إنه: «سعيد مطمئن لهذا الإلحاد، تماما كما يشعر المؤمن بالله بالسعادة والسكينة». ليرد عليه الكاتب محمد فريد وجدى بكتاب حمل عنوان «لماذا أنا مؤمن ؟» حاول أن يفند فيها الأفكار المطروحة فى الرسالة.
 
اللافت أن إسماعيل أدهم انتحر بأن ألقى بنفسه فى مياه البحر المتوسط بالإسكندرية، وعقب استخراج جثته عثرت الشرطة على ورقة فى جيبه كتب فيها:« إنه انتحر لزهده فى الحياة وكراهيته لها».
 
حادثة انتحار «إسماعيل أدهم» اثارت الكثير من الجدل وقتها، وظلت الصحف تتناول تفاصيلها ردحا من الزمن حيث إن «أدهم» كان مشهورا بكتابة الدراسات النقدية فى الصحف وهو المولود فى الإسكندرية من أب تركي، وأم ألمانية، وتلقى تعليمه ما بين مصر وتركيا وروسيا، و درس الرياضيات فى جامعة موسكو وحصل على الدكتوراه، وعاد إلى مصر عام 1935.
 
انتحار صاحب كتاب «لماذا أنا ملحد؟» دعا الأديب السورى «سامى الكيالي» لأن يرثيه قائلا: «شاب فى حدود الثلاثين، مغولى الوجه والسحنة، أقرب إلى القصر منه إلى الطول، وإلى الهزال منه إلى البدانة، تقرأ فى وجهه سيماء العلماء الذين أنهكهم الدرس، وأضناهم التفكير، سريع الحديث، قوى الحجة، ولوع بالجدال والمناظرة، ويكتب فى اليوم أكثر من مئتى صفحة فى مختلف الموضوعات، لقد عمل الدكتور أدهم فى حقبة قصيرة ما يعمله العلماء الأفذاذ فى سنوات طويلة، وكأنه عمل جهد أربعين سنة فى أربع سنوات».

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق