الحقيقة المؤكدة.. ستبقى مصر وسيموت أعداؤها

السبت، 23 فبراير 2019 12:49 م
الحقيقة المؤكدة.. ستبقى مصر وسيموت أعداؤها
يوسف أيوب يكتب:

ما قاله الرئيس فى ميونيخ يعيدنا إلى الكلمة التاريخية التى ألقاها فى القمة العربية الإسلامية الأمريكية بالرياض قبل عامين والتى وضع خلالها خارطة طريق للتعامل مع الإرهاب.

«لا تنتقم.. اجلس على حافة النهر وانتظر.. وذات يوم سوف يجىء التيار حاملا معه جثة عدوك».. مثل صينى يعلمنا جميعا الصبر على الأعداء، وكيف نتعامل معهم، حتى وإن ظن العدو أنه سينتصر على الدوام، لأنه فى نهاية الطريق يكتب شهادة وفاته بنفسه.

الإرهاب هو العدو الرئيسى لمصر حاليا، فلا شك أن الهدف الرئيسى لممولى وداعمى الجماعات الإرهابية، ومن يوفرون لهم الملاذ الآمن هو تهديد استقرار مصر، لذلك كلما تخطو الدولة للأمام نجدهم يحاولون ضرب هذا الاستقرار بحادث هنا، أو تفجير هناك، لكنهم كالعادة يفشلون فى مسعاهم الخبيث، خاصة أن الشعب المصرى استطاع طيلة السنوات الماضية أن يلقن الإرهابيين دروسا فى الوطنية، والوقوف فى وجه الإرهابيين، فالجميع يؤمن أن الجماعات الإرهابية تريد أن تسقط الدولة، لكنهم يؤمنون أيضا أن هذه الجماعات لن تنجح وسيتصدى لها الشعب المصرى وقواته المسلحة وشرطته الباسلة، وأن كل هذه المحاولات البائسة التى يقومون بها تؤكد أن هذه القلة الإرهابية تلفظ أنفاسها الأخيرة وأصبحت متخبطة والضربات الأمنية أفقدتها توازنها.
 
«نموت نموت وتحيا مصر».. كان هذا هو الرد المصرى على الإرهابيين، فقد سطر أبناء مصر من شهداء القوات المسلحة والشرطة، نموذجا مصورا بالصوت والصورة فى مشهد سيظل محفورا فى ذاكرة الوطن بعدما ضحى رجالها بأرواحهم فداءً لمصر لننعم نحن بالسلم والاستقرار، ليؤكدوا للجميع أن المصريين على قلب رجل واحد، وأن الإرهاب مهما كان داعموه وممولوه لن ينتصر أبدا على مصر، وأن مصر ستظل باقية رغم أنف الحاقدين والمتآمرين.
 
ستظل مصر الدولة التى أخذت على عاتقها حماية العالم من الإرهاب وبؤره، ولا عجب أن الرئيس عبدالفتاح السيسى كلما حل ضيفا على دولة أو مؤتمر دولى، أو استقبل مسئولا إلا ويؤكد لهم مخاطر الإرهاب، وآلية التعامل مع الفكر الإرهابى المتطرف، الذى لا يريد استقرارا لأحد، حتى من يمولون الإرهاب اليوم، سيأتى عليهم يوم ويذوقون ويلات ما صنعت أيديهم، والماضى القريب ينبئنا بالمستقبل، فتركيا وهى أكبر داعم للجماعات الإرهابية، كانت ولا تزال تشهد إرهابا حتى من الجماعات التى وفرت لقياداتها ملاذا آمنا، وهو درس ليس لتركيا فقط، وإنما لكل من يمول ويدعم، سواء كانت قطر أو غيرها، فالجميع ليسوا بمأمن من الإرهاب، إلا إذا قرر الجميع أن يقفوا معا ويتحدوا فى وجه الإرهاب.
 
بالتأكيد لن تتخلى قطر وتركيا عن جماعة الإخوان الإرهابية، الرافد الأساسى للإرهاب فى المنطقة والعالم كله، لكن الواقع يقول إن استمرار الحال من المحال، فالدولتان هما الأقرب من غيرهما ليتذوقا مرارة استضافة قادة الإرهاب فى العالم، إن لم يكن اليوم ففى الغد.
 
الأسبوع الماضى كان الرئيس عبدالفتاح السيسى متحدثا رئيسيا أمام مؤتمر ميونيخ للأمن، وفى كلمته وضع الجميع كلاً أمام مسئوليته، خاصة حينما أكد أن مؤتمر هذا العام ينعقد وسط تحديات ومخاطر متزايدة ومتشعبة، من بينها استمرار بؤر التوتر والصراع على الصعيد الدولى، وتفشى مخاطر الإرهاب والتطرف، وتصاعد مُعدلات الجريمة المنظمة، وما يشكله ذلك من ضغوط على مفهوم الدولة الوطنية وانهيار مؤسساتها، بصورة باتت تزيد من تعقيد الأوضاع وخطورتها على مقدرات الشعوب وأمنها واستقرارها.
 
الرئيس شرح للجميع فلسفة مصر فى التعامل مع الإرهاب حينما أكد أن الإرهاب بات ظاهرة دولية لها مخاطر متعاظمة تؤدى إلى زعزعة استقرار المجتمعات، وهو ما يستلزم من الجميع بذل جهود حثيثة وصادقة، لاقتلاع جذور تلك الظاهرة البغيضة التى تعد التهديد الأول لمساعى تحقيق التنمية، بما فى ذلك تضييق الخناق على الجماعات والتنظيمات التى تمارس الإرهاب، أو الدول التى ترى فى غض الطرف عنه، بل وفى حالات فجة تقوم بدعمه، وسيلة لتحقيق أهداف سياسية ومطامع إقليمية.
 
ما قاله الرئيس فى ميونيخ يعيدنا إلى الكلمة التاريخية التى ألقاها فى القمة العربية الإسلامية الأمريكية بالرياض قبل عامين والتى وضع خلالها خارطة طريق للتعامل مع الإرهاب، خاصة حينما قال إن مواجهة خطر الإرهاب واستئصاله من جذوره تتطلب إلى جانب الإجراءات الأمنية والعسكرية مقاربة شاملة تتضمن الأبعاد السياسية والأيديولوجية والتنموية، محددا أربعة عناصر، تقوم على أن الحديث عن التصدى للإرهاب على نحو شامل يعنى مواجهة جميع التنظيمات الإرهابية دون تمييز، فلا مجال لاختزال المواجهة فى تنظيم أو اثنين، فالتنظيمات الإرهابية تنشط عبر شبكة سرطانية تجمعها روابط متعددة فى معظم أنحاء العالم تشمل الأيديولوجية والتمويل والتنسيق العسكرى والمعلوماتى والأمنى، لذلك فلا مجال لاختصار المواجهة فى مسرح عمليات واحد دون آخر، وإنما يقتضى النجاح فى استئصال خطر الإرهاب أن نواجه جميع التنظيمات الإرهابية بشكل شامل ومتزامن على جميع الجبهات.
 
أما العنصر الثانى، فهو أن المواجهة الشاملة مع الإرهاب تعنى بالضرورة مواجهة كل أبعاد ظاهرة الإرهاب فيما يتصل بالتمويل والتسليح والدعم السياسى والأيديولوجى، فالإرهابى ليس فقط من يحمل السلاح وإنما أيضا من يدربه ويموله ويسلحه، ويوفر له الغطاء السياسى والأيديولوجى، متسائلاً: «أين تتوفر الملاذات الآمنة للتنظيمات الإرهابية لتدريب المقاتلين.. ومعالجة المصابين منهم.. وإجراء الإحلال والتبديل لعتادهم ومقاتليهم؟ مَن الذى يشترى منهم الموارد الطبيعية التى يسيطرون عليها.. كالبترول مثلاً؟ مَن الذى يتواطأ معهم عبر تجارة الآثار والمخدرات؟ ومِن أين يحصلون على التبرعات المالية؟ وكيف يتوفر لهم وجود إعلامى عبر وسائل إعلام ارتضت أن تتحول لأبواق دعائية للتنظيمات الإرهابية؟»، مؤكدا فى الوقت نفسه «أن كل مَن يقوم بذلك هو شريك أصيل فى الإرهاب.. فهناك.. بكل أسف.. دولا تورطت فى دعم وتمويل المنظمات الإرهابية وتوفير الملاذات الآمنة لهم... كما أن هناك دولا تأبى أن تقدم ما لديها من معلومات وقواعد بيانات عن المقاتلين الإرهابيين الأجانب.. حتى مع الإنتربول».
 
العنصر الثالث الذى طرحه الرئيس السيسى من عناصر الرؤية المصرية لمواجهة الإرهاب، هو القضاء على قدرة تنظيماته على تجنيد مقاتلين جدد من خلال مواجهته بشكل شامل على المستويين الأيديولوجى والفكرى، فالمعركة ضد الإرهاب هى معركة فكرية بامتياز، والمواجهة الناجحة للتنظيمات الإرهابية يجب أن تتضمن شل قدرتها على التجنيد واجتذاب المتعاطفين بتفسيراتٍ مشوهة لتعاليم الأديان، تُخرجُها عن مقاصدها السمحة وتنحرف بها لتحقيق أغراض سياسية، فيما يتمثل العنصر الأخير فى أنه لا مفر من الاعتراف بأن الشرط الضرورى الذى يوفر البيئة الحاضنة للتنظيمات الإرهابية هو تفكك وزعزعة استقرار مؤسسات الدولة الوطنية فى منطقتنا العربية.
 
ما أحوجنا أن نعيد التأكيد للعالم كله على هذه العناصر المصرية لمواجهة الإرهاب، فهى تحمل فى طياتها الكثير والكثير، ومن خلالها يستطيع العالم أن يوفر الأمن للجميع.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة