العرب والأوروبيون يكتبون تاريخا جديدا من شرم الشيخ

الإثنين، 04 مارس 2019 12:31 م
العرب والأوروبيون يكتبون تاريخا جديدا من شرم الشيخ
يوسف أيوب يكتب:

حجم المشاركة الأوروبية يؤكد الاهتمام الذى توليه هذه الدول للقمة وأيضا لمكانة مصر ورئيسها عبد الفتاح السيسى
 
أن يختار قادة أوروبا والعرب، مصر لتكون مقر انعقاد القمة العربية الأوروبية الأولى، فهو دليل على المكانة التى تحظى بها مصر ،ليس فقط فى إطار إقليمها، وإنما فى السياسة الدولية، فهى فاعل قوى ونشط، وتمتلك دائما سياسة تدعم الوئام والتوافق بين الجميع، وتعلى من شأن القضايا التى تهم شعوب المنطقة، كما أن مصر تحديدا بعد 30 يونيو 2013، وضعت نفسها فى مكانة مميزة وسط عالم ملىء بالاضطرابات والأزمات.
فى تاريخ أى قمة، يقاس نجاحها بمستوى المشاركة، وما خرج عنها من قرارات وتوصيات، أما المشاركة فكانت على أعلى مستوى، ويكفى أن أشير إلى قائمة الأوروبيين المشاركين، التى شملت قيادات هذه الدول، فرأينا المستشار النمساوى زيباستيان كورتس، ورئيس وزراء بلجيكا شارل ميشيل، ورئيس وزراء بلغاريا بويكو بوريسوف، ورئيس قبرص نيكوس أناستاسياس، ورئيس وزراء التشيك أندريه بابيش، ورئيس وزراء كرواتيا أندريه بلينكوفيتش، ورئيس وزراء الدنمارك لارس راسموسن، ورئيس وزراء أستونيا جورى راتاس، ورئيس وزراء فنلندا يوها سيبيلا، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورئيس وزراء اليونان إليكسيس تسيبراس، ورئيس وزراء المجر فيكتور أوربان، ورئيس وزراء إيطاليا جوزيبى كونتى، ورئيس وزراء أيرلندا ليو فرادكار، ورئيس وزراء مالطة جوزيف موسكات، ورئيس وزراء هولندا مارم روته، ورئيس وزراء بولندا ماتيوس مورافيسكى، ورئيس وزراء البرتغال أنطونيو كوستا، ورئيس رومانيا كلاوس يوهانيس، ورئيس وزراء سلوفاكيا بيتر بيلحرينى، ورئيس وزراء سلوفينيا ماريان شاريتس، ورئيس الوزراء السويدى ستيفان لوفين، فضلا عن رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماى.
 
حجم المشاركة الأوروبية فى القمة، والذى قلما نراه إلا فى قمم الاتحاد الأوروبى، يؤكد الاهتمام الذى توليه هذه الدول للقمة، وأيضا لمكانة مصر ورئيسها عبد الفتاح السيسى، وهو تأكيد على أن القمة حملت مكاسب عديدة، منها التأكيد على أن مصر دولة محورية واستراتيجية لأوروبا وللمنطقة العربية والأفريقية، وكما أنها جاءت إشارة من المشاركين إلى مصر باعتبارها دولة معبر للتجارة والتنمية الاقتصادية، وأنها دولة الأمن والأمان بشعبها وجيشها وشرطتها فى وجه الإرهاب، الذى تم تصديره لنا من مختلف الاتجاهات والحدود الجغرافية.
 
باختصار يمكن القول إن القمة التى شهدتها شرم الشيخ، يومى الأحد والاثنين الماضيين، كانت تاريخية بكل المقاييس، كونها تشير إلى تحول كبير فى العلاقات العربية الأوروبية، ورغم إيماننا جميعا بأنه لا توجد حلول سحرية لمشاكل المنطقة، كما قال الرئيس السيسى، لكن هناك مجموعة من المبادئ، إذا تم الارتكان إليها، سنصل إلى الحلول المطلوبة، وأهمها كما لخصها الرئيس، فى أن استمرار كيان الدولة الوطنية وصيانتها، وإصلاحها فى الحالات التى تقتضى ذلك، هو مفتاح الاستقرار، والخطوة الأولى على طريق إعادة الأمن للشعوب، التى طالها الخوف والقلق على المستقبل، وبما يفتح الباب أمام جهود التنمية، ومن ثم، فإنه يتعين تعزيز التعاون بين دولنا، بغرض تدعيم مؤسسات الدولة لمواجهة التحديات الصعبة، مع الاعتداد بمبدأ المواطنة فى مواجهة دعوات الطائفية والتطرف.
 
 ومن ضمن هذ المبادئ أيضا أن الدولة هى المسئولة بصفة أساسية عن ضبط حدودها، وضمان احترام حكم القانون، وصيانة أرواح وحقوق مواطنيها، لذا فلا يمكن الاعتداد بأى دعوى، أيا كان مصدرها أو دافعها، من شأنها الدفع نحو هدم الدول ومؤسساتها، حيث إن ذلك وبكل بساطة، ينافى كل منطق، كما يتناقض مع التجربة التاريخية الحديثة التى عايشتها شعوب المنطقة، مع التأكيد بالتوازى على حق الشعوب، فى تلبية طموحاتها المشروعة، فى الديمقراطية والتنمية، فى إطار الدولة الوطنية المدنية الحديثة.
 
وارتباطا بذلك، فإنه يجب أن يكون هناك إيمان ويقين لدى المجتمع الدولى بأهمية أن تتحول منطقة الشرق الأوسط من منطقة لـ «النزاعات» إلى منطقة لـ «النجاحات»، وهو ما يستلزم التعاون الصادق بين العرب والأوروبيين، خاصة أنهم الأكثر تضررا بهذه النزاعات، والذين سيكونون الأكثر استفادة على الإطلاق من هذه النجاحات، ما يستدعى التغاضى عن المصالح الضيقة، والعمل مع أطراف النزاع، عبر التحفيز وأحيانا الضغط المحسوب، بهدف تنفيذ القرارات الأممية، والتى تمثل نهجا ملزما متفقا عليه، لتسوية تلك النزاعات.
 
بالنظر إلى البيان الصادر عن القمة، وما شهدته من مشاركات وكلمات للرؤساء والقادة العرب والأوروبيين، سنجد أن قضية مكافحة الإرهاب احتلت جانبا مهما من النقاش، كونها تشكل أهمية قصوى لمصر والدول العربية والعالم بأسره، فالإرهاب لم يعد يقتصر على العنف والتدمير، لكن له ظواهر مصاحبة، مثل ظاهرة التطرف الذاتى والذئاب المنفردة، كما تعانى أوروبا من التداعيات الاجتماعية للمقاتلين الأجانب العائدين، الذين كانوا قد انضموا لداعش والمنظمات الإرهابية بأشكالها المختلفة.
 
وقد جاء البيان حازما فى هذا الأمر، حينما أشار إلى التهديدات التى تواجه السلم والأمن الدولى والإقليمى بما فى ذلك الإرهاب والتطرف والأعمال التى تقوض الاستقرار والانتشار والاتجار فى الأسلحة غير المشروعة والجريمة المنظمة، لذلك أشار البيان إلى الاتفاق على تعزيز التعاون والتنسيق الهادف إلى مكافحة انتقال المقاتلين الإرهابيين الأجانب عبر حدودنا، وشمل أيضا التأكيد على أن المواجهة الناجحة لهذه التحديات، تتطلب مقاربة شاملة تشمل منع كل أشكال الدعم للإرهابيين بما فى ذلك الدعم المالى والسياسى واللوجستى والعسكرى، وارتباطا بذلك أيضا تم التأكيد على عزم العرب والأوروبيين على مكافحة عدم التسامح الثقافى والدينى والتطرف، وتجنب القوالب السلبية والوصم والتمييز المؤدى إلى التحريض على العنف ضد الأفراد، بناءً على دياناتهم أو معتقداتهم.
 
هذه الجزئية التى وردت فى البيان الختامى، تؤكد أننا وصلنا إلى نقطة مهمة فى مسألة التعامل الدولى مع ظاهرة الإرهاب، هى وضع اليد على أسبابه، وهنا يجب الإشارة إلى أن مصر أول من سعت إلى إيجاد تكتل دولى لمكافحة الإرهاب، والاتفاق على مقاربة شاملة لمكافحة الإرهاب، تتضمن كمكون أساسى، مواجهة أمنية صارمة مع التنظيمات والعناصر الإرهابية، ومواجهة فكرية مستنيرة مع منابعهم الأيديولوجية، كعنصر لا يقل أهمية، وكذلك منع التمويل والدعم المقدم لهم، ووقف التحريض الذى يقومون به، كعناصر مكملة لهذه المقاربة الشاملة.
 
 باختصار شديد يمكن القول إن القمة حققت جزءا كبيرا من أهدافها، لكن تبقى فقط الإرادة، وكذلك أن يكون هناك استيعاب شعبى لما صدر عن القمة من قرارات وتوصيات، لذلك فإننى أنهى  مقالى مستعيرا ما قاله الرئيس عبد الفتاح السيسى فى الختام حينما وجه حديثه إلى الشعوب العربية والأوروبية، وقال لهم : «أيتها الشعوب العظيمة المحبة للسلام، لقد اختتمنا بنجاح قمتنا فى شرم الشيخ، مدينة السلام، إلا أن نجاح التعاون العربى الأوروبى يظل فى النهاية رهنا بعملكم أنتم، ولن يُكتب له الاكتمال إلا من خلال جهودكم، فأنتم أول المعنيين بلقائنا هذا، وأنتم من سيجنى ثمار عملنا المشترك، فأدعوكم بكل ود ومحبة، أن تتجاوزوا كل ما يفرقكم، وأن تتمسكوا بكل ما يجمعكم، حتى ننطلق جميعا إلى مستقبل أفضل للإنسانية بأسرها».

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق