يسقط الذباب الإلكتروني.. مصر فى مواجهة حرب «الشائعات القذرة»

الأحد، 10 مارس 2019 09:00 ص
يسقط الذباب الإلكتروني.. مصر فى مواجهة حرب «الشائعات القذرة»
السوشيال ميديا
عادل السنهورى

ملابسات وتداعيات خبر تعيين أحد الموتى وزيرا للنقل، وانتشار الخبر من وسائل التواصل الاجتماعى إلى معظم وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والإلكترونية، وتداوله وكأنه حقيقة وخبر موثوق فيه، ثم يتضح أنه «لعبة» تحولت إلى أضحوكة من الإعلام الرسمى ومن بعض كبار الإعلاميين، يكشف- بشكل قاطع- مدى التأثير الذى تحققه وسائل التواصل الاجتماعى خلال السنوات القليلة الأخيرة فى الرأى العام، وفى الإعلام، وكيفية توظيفها من جانب أهل الشر لنشر الشائعات والأخبار الكاذبة.

يؤكد أيضا مدى الخطورة التى تمثلها تلك الوسائل فى الإضرار بالمجتمع ونشر اليأس والإحباط بين أفراده وإحداث الوقيعة بينهم وبين أجهزة ومؤسسات الدولة الوطنية، وبث مناخ من عدم الثقة بين الشعب والحكومة من جانب وبين الشعب والرئيس من جانب آخر، وهذا هو الهدف الذى تسعى إليه جماعة الإخوان الإرهابية ومن يمولها ويدعمها عبر ما يسمى الآن «حروب الجيل الرابع»، وهى أخطر وأشرس أنواع الحروب فى السنوات الأخيرة، فالمعارك العسكرية بالسلاح يمكن مواجهتها فى أرض المعركة، لكن حرب الشائعات هى أعقد الحروب التى يمكن التصدى لها، لأنها تستهدف العقل والوعى وبنية المجتمع الفكرية وسلامته النفسية، والسلاح المجرد وحده لا يستطيع مواجهتها.

 
وتعرضت مصر خلال السنوات الأخيرة- تحديدا منذ ثورة الشعب والجيش فى 30 يونيو 2013 وعقب تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى مقاليد الحكم فى منتصف 2014  - إلى حرب شرسة وعنيفة من انتشار عدد كبير من الشائعات التى تحرض على العنف والإرهاب وتضر بالأمن العام، وهو ما دفع الرئيس السيسى إلى كشف فى نهاية العام الماضى عن مواجهة مصر لـ21 ألف شائعة خلال الثلاثة أشهر الأخيرة تستهدف البلبلة والإحباط وعدم الاستقرار.
 
وحسب خبراء ومتخصصين فإن مصر تواجه سنويا نحو 80 ألف شائعة فى إطار الحرب المعلوماتية بهدف نشر البلبلة والتأثير على توجهات الرأى العام.
 
والمجال هنا لا يتسع لرصد أخطر الشائعات التى تعرضت لها مصر فى الآونة الأخيرة، لكن بالرصد الذى قامت به جهات حكومية ومنها مركز المعلومات بمجلس الوزراء، تبين أن أكثر القطاعات التى استهدفتها الشائعات هى قطاعات الصحة والتعليم والخدمات العامة التى تتعلق بالحياة اليومية لقطاع عريض من أفراد المجتمع المصرى.
 
ويلعب مركز معلومات مجلس الوزراء دورا مهما فى متابعة تلك الشائعات وبحث ما جاء فيها، والرد عليها وكشف الحقيقة للجماهير. 
 
تاريخيا فإن حرب الشائعات ضد مصر ليست بجديدة ولكنها فى الوقت الحالى هى أشرسها وأخطرها ويصنفها البعض من أقوى وسائل التدمير المعنوى والمادى، لأنها تستهدف النظم الحاكمة، واستقرار المجتمع، فى الماضى كانت تعتمد على الصحف والإذاعات الأجنبية، أما اليوم، فقد تطورت الوسائل، وأصبحت أكثر سرعة فى التداول عبر مواقع التواصل الاجتماعى، الفيس بوك، وتويتر، وإنستجرام، ويتسبب الاختلاف بين الأفراد أو الجماعات، أو بين الأحزاب وبعضها، أو بين قوى سياسية والسلطة، فى زيادة معدل استخدام الشائعات.
 
 لقد عرّف تشارلز أندال، الخبير المتخصص فى صناعة الإعلام، الشائعة بأنها عبارة عن رواية تناقلتها الأفواه دون أن ترتكز على مصدر موثوق يؤكد صحتها، وعرّفها جيمس دريفر بأنها عبارة عن قصة غير متحقق منها فى المجتمع، ويزعم فيها حدوث واقعة معينة، وقال ليون فستنجر فى نظرية التنافر المعرفى، إن استقبال الأفراد، أو الجماعة لمعلومات غامضة، أو غير كافية، أو غير مناسبة، أو متناقضة تخلق لديهم حالة من مظاهر سوء الإدراك والفهم لمجريات الأحداث، مسببة حالة من الارتباك والفوضى. 
 
ومن أشد حروب الشائعات والتى ظهرت فى الفترة الأخيرة فى مصر، هى الحرب التى شنتها جماعة الإخوان على مصر، والتى كان من أهم وسائلها بعض النشطاء من الشباب، وعدد من وسائل الإعلام، فقد أنشأت الجماعة، من أجل نجاح تلك الحملة، وحدة إعلامية متخصصة فى نشر الشائعات على مصر، هدفها نشر الشائعات، وفبركة الأخبار. وتنقسم تلك الوحدة إلى وحدة داخلية تهدف إلى نشر الشائعات، والأخبار المغلوطة عن طريق وسائل التواصل الاجتماعى، ووسائل الإعلام المحلية والناطقة باللغة العربية، ووحدة أخرى تقوم بالمهمة نفسها، لكن باللغة الإنجليزية، وتقوم بإرسال ما تنتجه من أخبار ومعلومات لوسائل الإعلام والصحف، ووكالات الأنباء العالمية.
 
 ومنذ 30 يونيو، نشّطت كتائب الإخوان من دورها ضد مصر، بدءاً من شائعة حدوث انقسامات فى الجيش المصرى، وتم تداول شائعات أيضا حول تسريح مليونى موظف من الجهاز الإدارى للدولة كشرط من صندوق النقد الدولى لمنح البلاد قرضا قيمته 12 مليار دولار، وقد حاول التنظيم الدولى للإخوان أيضا استغلال إصابة الحارس الشخصى للرئيس السيسى فى أثناء التدريبات العسكرية له فى الترويج بأنه كان هناك مخطط لاغتيال الرئيس، وغيرها من الشائعات الكاذبة. 
 
 وقد وصلت حرب الشائعات حدتها، بعد تصريح وكالة «أنسا» الإيطالية بأن «الرئيس عبدالفتاح السيسى الأوفر حظا للفوز بانتخابات الرئاسة المصرية عام 2018 لولاية ثانية»، وإعلان أحزاب سياسية ومؤسسات رغبتها فى استمرار الرئيس السيسى فى الرئاسة، حيث بدأت الميليشيات الإلكترونية للإخوان مزاولة نشاطها المعتاد، ونشر الشائعات، ونشرت على صفحاتها أنباء عن ترشح جمال مبارك، نجل الرئيس الأسبق، وتداول النشطاء شائعة تتضمن أن هشام جنينة، الرئيس السابق للجهاز المركزى للمحاسبات، تم عزله عن منصبه نتيجة كشفه لفساد داخل أجهزة الدولة يقدر بـ 600 مليار جنيه. 
 
حرب قذرة تشنها ميليشيات الإخوان الإلكترونية ضد الدولة المصرية ومشروعاتها القومية، خاصة بعد نجاح ثورة 30 يونيو، وتمول بمليارات الدولارات من قطر وتركيا، بعدما أيقنوا خسارة شعبيتهم فى الشارع، ولم يجدوا أى مساندة لأفكارهم، حيث قراروا تصدير مشهدا الإحباط لأفراد الشعب وإفقادهم الثقة فى المستقبل، لإثارة البلبلة وخلق حالة من الفوضى وعدم الاستقرار.
 
إذن الحرب شرسة وخطيرة وتستهدف الوعى المصرى، فكيف تتم المواجهة؟
 
المتخصصون يطالبون بضرورة تطوير منظومة الإعلام الحكومى بصورة كبيرة، فضعف التواصل الإعلامى لمؤسسات ووزارات مختلفة مع الرأى العام ووسائل الإعلام يفتح الباب لانتشار الشائعات، كما طالبوا بسرعة صدور قانون حرية تداول المعلومات لأهميته فى مواجهة الظاهرة والحد من آثارها السلبية، وذلك جنباً إلى جنب مع فرض عقوبات مشددة على المخالفين، وتطبيق قانون الجرائم الإلكترونية مثل باقى الدول.
 
 مواجهة حرب الشائعات تستلزم تضافر مؤسسات الإعلام والتعليم ودور العبادة والمجتمع المدنى، من أجل العمل على رفع درجة الوعى المجتمعى ونشر ثقافة المعرفة خاصة بين الشباب، حتى لا يقع فريسة لحالة الفوضى التى تعم مواقع التواصل الاجتماعى، وليتصدى لمثل هذه الشائعات الغريبة ويكشف زيفها، وأن يتعلم جميع رواد هذه المواقع عدم تشيير (مشاركة) أى معلومة إلا بعد التأكد من صحتها.
 
كما أن الجهات والوزارات المعنية عليها عبء مهم الآن فى متابعة شبكة الإنترنت، والرد أولا بأول على أى شائعات تنتشر فى مجال عملها، فحرب الشائعات لن تنتهى، وأهل الشر لن يصمتوا، المهم الآن أن نحصن شبابنا ونرفع درجة وعيهم لمواجهة تلك الشائعات، وأن نكشف حقيقتها أولا بأول، وهى مهمة أساسية للمتحدث الإعلامى بكل وزارة أو هيئة، حتى تستطيع مواجهة حرب الشائعات، وحماية المجتمع بكامله منها.
 
أما الجماعة الإعلامية فعليها مسئولية مهنية ضخمة أولها إعادة الاعتبار للتقاليد والقيم المهنية مرة أخرى فى توثيق وتدقيق الخبر وعدم النشر إلا بعد التأكد من عدة مصادر رسمية عن صحته. والإقلاع عن اتخاذ مواقع التواصل الاجتماعى مصدر للأخبار والمعلومات والبيانات ونشر أخبارها غير المدققة وموثقة، وعلى الجماعة الإعلامية أن تعلق الجرس فى رقبتها بعد واقعة «وزير النقل» المتوفى.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق