تنوعت بين الرشاشات والجرينوف والبنادق..

سلاح الصعيد «الجواني» من شبكات الإنترنت إلى مدقات الجبال

السبت، 16 مارس 2019 09:00 م
سلاح الصعيد «الجواني» من شبكات الإنترنت إلى مدقات الجبال
سلاح الصعيد
رضا عوض

أصبح «فيسبوك» سوقا لبيع الأسلحة فى الشرق الأوسط بكل أنواعها من الخفيف حتى الثقيل
 
80% من العائلات فى جنوب مصر تمتلك أسلحة نارية خاصة تسمى «منطقة الصعيد الجوانى»
 
ظهرت سوق السلاح على شبكة الإنترنت فى السنوات الأخيرة بما سمى بظاهرة «الإنترنت المظلم»
 
رشاشات آلى.. وبنادق.. وطبنجات.. وجرينوف.. وسلاح متعدد.. وخرطوش.. سوق كبيرة وغريبة لبيع الأسلحة فى منطقة الصعيد «الجوانى»، يمكن أن تجدها بسهولة على صفحات الإنترنت، التى تقوم بعرض الأسلحة ونوعها وأسعارها والكميات المطلوبة، وطرق توصيلها إلى أقرب مكان ممكن، وهو ما كشفته إحدى قضايا الثأر، التى يتحدث عنها أهالى محافظة سوهاج، وهى القضية التى راح ضحيتها أكثر من 5 أشخاص، ولا تزال معركة الدم متواصلة بين أطراف الثأر، رغم صدور أحكام قضائية ضد عدد منهم، إلا أنهم أسرعوا بالاختباء فى مغارات الجبل، ليخرجوا بين الحين والآخر، لتنفيذ إحدى عمليات القتل والعودة للاختباء سريعا من أعين رجال الشرطة فى مغارات ومدقات الجبال المنتشرة فى الصعيد. 
 
ضية، رصدها كامل فوزى هاشم، أحد أبناء قرية غرب حلوان بمحافظة سوهاج، الذى تقدم بمذكرة لوزارة الداخلية، جاء فيها  أنه تم قتل أشقائه «ماجد والسيد وهاشم»، كما تم قتل زوج شقيقته حمادة حلمى على يد أربعة أشقاء من أقاربهم ممن دخلوا معهم فى معارك الثأر منذ عدة سنوات، حيث تم الحكم عليهم غيابيا بالأشغال الشاقة المؤبدة، إلا أن المتهمين أسرعوا إلى الاختباء فى منطقة الجبال.
 
وأكد «كامل» لـ «صوت الأمة»، أن المتهمين دأبوا على تهديد أفراد أسرته بالقتل لإجبارهم على تغيير أقوالهم، الأمر الذى دفعه إلى الفرار بأسرته من منطقة الصعيد خوفا على أولاده، مؤكدا أن منازل أشقائه وابن أعمامه تحولت إلى «دشم»، حيث يعتلى أقاربه أسطح المنازل التى يقيمون بها، خوفا من هجوم المتهمين عليهم بالأسلحة الآلية، حيث اضطرت أسرته لعمل ورديات أشبه بالورديات الأمنية لحراسة المنازل وحماية الأطفال والسيدات، مشيرا إلى أنهم يستغلون ظلام الليل للقيام بهجومهم المعتاد، مستغلين بعد المسافة بين منازلنا وقسم الشرطة، حتى أنه فى إحدى المرات، ظلوا يطلقون النيران من أسلحتهم الآلية لأكثر من ثلاث ساعات وسط حالة من الذعر، التى انتابت الأطفال والشيوخ والنساء، مضيفا أنه إزاء هذه الحالة التى فرضها المتهمون عليهم، اضطر أفراد أسرته المتواجدون فى القرية إلى منع أطفالهم من الخروج للمدارس، خوفا عليهم من اصطيادهم على يد المتهمين، وهو ما حول حياتهم إلى جحيم. 
 
المثير فى الأمر أن سوق السلاح على شبكة الإنترنت، بدأت تظهر فى السنوات الأخيرة بما سمى بظاهرة «الإنترنت المظلم»، وهى سوق عالمية للحصول على بضاعة غير قانونية من أى مكان فى العالم، حيث يمكن من خلالها شراء وبيع أنواع مختلفة من البضائع غير الشرعية بشكل مجهول، ولا يمكن أن يتم التعرف على من هو البائع أو المشترى، وهذا هو السر الذى يجعلها مكانا للتجارة المشبوهة، وعلى رأسها السلاح.
 
وأصبح موقع «فيسبوك» سوقا لبيع الأسلحة فى الشرق الأوسط، حيث توفر هذه المواقع الأسلحة بكل أنواعها من الخفيف حتى الثقيل، من المسدسات إلى الرشاشات والقنابل حتى قاذفات الصواريخ، إلى جانب الأسلحة الثقيلة التى تمثل جزءا صغيرا من تجارة السلاح الإلكترونية، وتنتشر بشكل كبير تجارة البنادق والأسلحة الخفيفة، حيث تنتشر هذه الصفحات رغم أنها تمثل انتهاكا لسياسة «فيسبوك»، التى منعت البيع الشخصى للأسلحة.
 
الأكثر غرابة أن «فيسبوك» خصص مجموعة من المخبرين للتبليغ عن مواقع مماثلة، وذلك عبر خاصية التبليغ «ريبورت» ،التى تراقب أى بوست ينشر على الموقع، وهو ما يمكن تسميتها بـ «مجموعات عمليات»، تلعب دور المراقب للمواقع الناطقة بعشرات اللغات، ويمكنها فحص ما ينشر وتمنع العنيف والخطر منها، ولكن هذا لا يعنى أن عملية الرقابة والمحاسبة فعالة تماما.
 
يعد انتشار السلاح غير المرخص إحدى الظواهر المميزة للمجتمعات القروية فى صعيد مصر، فلا يكاد يخلو أى منزل من وجود سلاح، وبحسب بعض الدراسات، تمتلك نحو ٨٠٪ من العائلات فى صعيد مصر أسلحة نارية، خاصة فيما يسمى بـ «منطقة الصعيد الجوانى»، وتشمل محافظات أسيوط وسوهاج وقنا وأسوان، حيث تتمتع هذه المنطقة بسمات ثقافية خاصة، حيث لاتزال تسيطر على أغلب عائلاته العادات القبلية القديمة، ولعل أبرزها مسألة الثأر، والتنافس بين العائلات الكبيرة فى امتلاك أكبر عدد من الأسلحة، بل وامتلاك سلاح الجرينوف، وهو ما يدفعها إلى تحويل منازلها لترسانة أسلحة تكون جاهزة فى أى وقت.
 
وقد أرجع البعض وجود السلاح فى هذه المحافظات إلى أنه يعد أحد عناصر الفخر وتعبيرا عن قوة العائلة أو القبيلة، بالإضافة إلى تشكيله عامل ردع بين العائلات.
 
الغريب أن أهالى الصعيد، ابتكروا طرقا عديدة لإخفاء السلاح عن أعين أجهزة الأمن، حيث تضطر العائلات إلى دفن السلاح فى باطن الأرض بعد تغليفه بمادة عازلة للتراب والماء ودهنه بزيوت خاصة تحافظ عليه من الصدأ، أو تصنع «مخابئ» فى باطن جدران المنزل، أو تضعه بطريقة خاصة فى أسقف المنازل، التى تكون غالبا مصنوعة من الخوص، بل أن البعض يلجأ إلى صنع مخابئ سرية للسلاح فى أثاث المنزل، أو وضعه داخل عيدان الذرة الجافة، التى يتم تخزينها سنويا لاستخدامها فى أغراض التدفئة وغيرها.
 
يعد الصعيد مركزا رائجا لهذه التجارة، إذ يتراجع دور الدولة، ويتصدر العرف والقبلية المشهد، كما تعتبر سيناء التى تنتشر فيها العديد من الجماعات الإرهابية والمتطرفة، منطقة نشطة فى هذا النوع من التجارة، إضافة إلى التهريب عبر الصحراء الغربية والحدود الليبية، بجانب ذلك ينشط بعض التجار الصغار فى المناطق العشوائية والنائية، ويتمركز معظم عملهم على البيع بالقطعة وبأعداد قليلة.
 
وتشير التقديرات، وفق تقارير من منظمات وهيئات حكومية ورقابية إلى أن حركة تجارة السلاح فى مصر تصل إلى 30 مليار جنيه من خلال بيع 10 - 15 مليون قطعة سلاح، وأن ما يتم ضبطه لا يتجاوز الـ20 % على أفضل تقدير، أما عن نوعية الأسلحة المهربة، فإنها تبدأ من الأسلحة البيضاء، وتصل إلى الصواريخ والقذائف.
 
 التقارير الأمنية أثبتت أن الأمن استطاع عقب ثورة 25 يناير، ضبط ما يزيد على 11 ألف ورشة تصنيع أسلحة بدائية الصنع، ويتنوع نشاط هذه الورش بين انتاج مسدس المقروطة والكباس والفرد الخرطوش، وجميعها عبارة عن مسدس بدائى، يصنع من المخارط، وهو عبارة عن ماسورة من الصلب، يتم وضع طلقة واحدة من الخرطوش بداخلها ويتم إطلاقها، وقد تم تطوير هذا السلاح، فتجد منه ما هو بماسورتين بدلا من ماسورة واحدة، ويأخذ أشكالا عدة.
 
كما انتشرت العديد من الأسلحة الآلية أو الرشاشة، ولعل أبرزها الرشاش البلجيكى، والكلاشينكوف، الذى يعتبر الأكثر شهرة وانتشارا، وهناك الرشاش الإسرائيلى سريع الطلقات، إضافة إلى الرشاش العراقى، وأنواع أخرى من الرشاشات مثل الصينى والشيشانى والكورى وغيرها. ولكن يظل الأكثر فتكا وقوة بين هؤلاء هو رشاش الجرينوف الثقيل، الذى يمكن تثبيته على الدبابات والمدرعات، ويتواجد بكثرة فى الصعيد، بل أن بعض الأسر داخل الصعيد، تستخدم الجرينوف فى معاركها مع بعضها البعض، بل الأغرب من ذلك، تقوم بعض الأسر فى منطقة الصعيد باستعراض القوة بحمل الجرينوف على سيارة نصف نقل، والسير به فى كل أرجاء القرية كنوع من استعراض القوة وفرض السيطرة.
 
كما تنتشر تجارة المقذوفات الصاروخية، مثل الكاتيوشا والهاون والآر بىجيه، ولكنها تتركز بشكل مكثف فى سيناء مقارنة بالصعيد، نظرا لأنه يصعب استخدامها فى النزاعات والصراعات القبلية والعائلية.
 
الظاهرة الأخطر فى تجارة السلاح المنتشرة على صفحات الإنترنت، هى استغلال الأطفال وتصويرهم، وهم يحملون أنواعا مختلفة من الأسلحة، ولعل صفحة «الصعيد الجوانى» من أشهر الصفحات التى تظهر لك بمجرد كتابة كلمة «سلاح الصعيد» على محرك البحث على شبكة الإنترنت، حيث تستغل بعض الأطفال للترويج للسلاح من خلال تصويرهم وهم يحملونه. 
 
السؤال الأهم هنا، كيف تدخل كميات السلاح إلى الصعيد؟ هناك طريقتان لتهريب السلاح إلى هذه المنطقة، أولهما عن طريق الممرات والدروب الصحراوية فى الجنوب والغرب؛ حيث يتم استقبال شحنات الأسلحة فى السودان، بواسطة الجمال فى مناطق الوسط، ثم يتم دفن السلاح فى مغارات معروفة للتجار بالصحراء، يستخدمها التجار مخازنا للسلاح القادم إليهم، ومن ثم يتم نقله تدريجيا لحين إتمام عملية التسليم.
 
أما الطريق الثانى، فهو شركات الشحن الخاصة بالأثاث، أو عن طريق المراكب النيلية «الصنادل»، حيث يتم تفكيك السلاح واخفائه فى أماكن مخصصة بقاع «الصندل»، ويقومون بتوصيل الشحنة إلى القرى المطلة على نهر النيل، نظير مبلغ من المال يصل إلى 800 جنيه للقطعة الواحدة، أما الطلقات والذخيرة، فيتم حسابها بالصندوق، ويتم تسليم شحنة السلاح للمشترين فى عرض النهر بمراكب صغيرة.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق