خدعة «ترامب» والإدارة الأمريكية

السبت، 23 مارس 2019 11:09 ص
خدعة «ترامب» والإدارة الأمريكية
هشام السروجي

منذ الوهلة الأولى من نجاح دونالد ترامب في الإنتخابات الرئاسية، نجحت الإدارة الأمريكية في خلق صورة ذهنية في العالم كله، تقول أن ثمة حرب دائرة بينها وبين ساكن البيت الأبيض الجديد، بسبب تصرفاته المتهورة والغير مسئولة، والتي تضع المصالح الأمريكية وعلاقاتها مع حلفائها في مأزق لا خلاص منه.
 
الحقيقة أن الإدارة الأمريكية كان عليها أن تسدد بعض الفواتير المتأخرة، والتي كانت تؤجلها خلال العقود الماضية، حفاظًا على توازن علاقاتها مع حلفائها في الشرق الأوسط، لضمان عدم خروج الأخيرة عن الطاعة، ولتسد الطريق أمام سيطرة المعسكر الشرقي على مقاليد الأمور في المنطقة.
 
الحل الذي وصلت له المؤسسات الأمريكية الحاكمة، هو استجلاب شخصية قاردة على تمثيل دور "الخارج عن السيطرة"، ووضعه على رأس السلطة، وينصب السيرك، معارك وهمية وتصريحات حنجورية تحمل كل معاني العداء تجاه الاستخبارات ووزارة الدفاع الأمريكية ومطبخ السياسة الخارجية، وترد الآخرى بمحاكمات واستجوابات عن خيانة ترامب، واستعانته بروسيا للتأثير على أصوات الناخبين، في حبكه درامية هوليوودية، سرعان ما تتكشف للجميع، بعد القرارات الترامبية بتهويد القدس وأخيرًا ضم الجولان للآراضي المحتلة من اسرائيل.
 
تغريدة ترامب حول الجولان ضربت عصفورين بحجر واحد، سددت الجزء الثاني من الفاتورة الأمريكية المتأخرة لصالح اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، والذي يلعب دورًا مؤثرًا للغاية في تحشيد الأصوات الإنتخابية لصالح من تراه الإدارة الأمريكية مناسبًا، كذلك عززت موقف رئيس الوزراء الاسرائيلي "نتنياهو" في الانتخابات القادمة، بما يخدم المصالح الأمريكية في المنطقة، متمثلة استقرار وأمان وقوة دولة الاحتلال الاسرائيلي.
 
أصبح من الواضح أن وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو، حمل على كاهله مهمة اعادة أرث "سايكس بيكو" للمنطقة، الأخير قسّم الدول العربية ورسم حدودها، والأول يشر ممارسات الإحتلال في نهب الآراضي العربية ببلطجة وعهر يعكسا الوجه الحقيقي للمشروع الأمريكي، لا صوت يعلو فوق صوت تمكين اسرائيل.
 
الرهان على أن أي رئيس أمريكي سوف يناصر أو ينصف قضية عربية أو انسانية هو "هلاوس" عقلية لا أكثر، فأصبح من الجلي للجميع أن استراتيجية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط تتمحور في توريث "تل أبيب" حكم المنطقة، وضمان فرض سيطرة الأخيرة على الأمور، وترهيب كل من يحاول أن يمس المصالح الأمريكية أو يعمل بخلاف رؤيتها الاستراتيجية.
 
واشنطن تعيد رسم حدود المنطقة العربية، وتنتقص من أطراف دول الجوار الاسرائيلي، البداية كانت فلسطين وأمس كانت القدس واليوم الجولان وغدًا قد تكون جنوب لبنان والله أعلم بالباقي. أن لم تستغل الدول العربية حالة الزخم التي تشهدها المنطقة وتقلص الوجود الأمريكي أمام المعسكر الشرقي، وتضع استراتيجية خارجية جديدة تمكنها من خلق ادوات قوة تقوى من مركزها على طاولة المفاوضات وموازين القوة.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق