«الولاء والبراء».. رئيس جامعة الأزهر يرد على المتطرفين في القضية الفقهية الشائكة

السبت، 30 مارس 2019 07:00 ص
«الولاء والبراء».. رئيس جامعة الأزهر يرد على المتطرفين في القضية الفقهية الشائكة
أفكار فى مواجهة التطرف

 
يواصل الأزهر الشريف، وأبناؤه الأبرار جهودهم لوقف انتشار الأفكار الإرهابية المتطرفة داخل المجتمع، على يد عدد من العناصر الإرهابية الموجودة داخل المجتمع وخارجه، وتستهدف زعزعة استقرار البلاد، ودرب الفرقة بين أطياف المجتمع المصري. 
 
المنظمة العالمية لخريجي الأزهر الشريف، أصدرت سلسلةللرد على دعاوى وأفكار الجماعات المتطرفة، وحملت عنوان «سلسلة تفنيد الفكر المتطرف»، وتضم 11 كتيبا صدرت حتى الآن، وترد  في مجملها على العديد من القضايا الفقهية.
 
 الدكتور إبراهيم صلاح الهدهد رئيس جامعة الأزهر الأسبق، خصص جزءاً من هذه السلسلة للرد على قضية الولاء والبراء عند القائلين به من الجماعات الإرهابية، وحمل هذا الجزء عنوان «قضية الولاء والبراء.. مفهومها ونشأتها». 
 
أوضح «الهدهد» مفهوم الولاء والبراء عند القائلين به، وهم الخوارج قديما وتابعهم عليها ابن تيمية ومحمد بن عبدالوهاب وعبدالعزيز بن باز وصالح العثيمين وسالم القحطانى، مبينا بداية أن «الولاء هو حُب الله ورسوله والصحابة والمؤمنين الموحدين ونصرتهم، والبراء: هو بُغض من خالف الله ورسوله والصحابة والمؤمنين الموحدين، من الكافرين والمشركين والمنافقين والمبتدعين والفساق».
 
أوضح أن هؤلاء يرون أن منزلة عقيدة الولاء والبراء من الشرع عظيمة وهى ركن من أركان الإيمان، ومن عظمة هذه المنزلة، أنها جزء من معنى الشهادة، وهى قول: «لا إله» من «لا إله إلا الله» فإن معناها البراء من كل ما يُعبد من دون الله، كما أنها شرط فى الإيمان، كما قال تعالى: «ترى كثيرًا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفى العذاب هم خالدون ولو كانوا يؤمنون بالله والنبى وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرًا منهم فاسقون».
 
2
 
ويتابع أن هذه العقيدة لديهم هى أوثق عرى الإيمان، لما روى أحمد فى مسنده عن البراء بن عازب، رضى الله عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «أوثق عرى الإيمان الحب فى الله والبغض فى الله». فى الحديث الصحيح: «من أحب لله وأبغض لله، وأعطى لله ومنع لله، فقد استكمل الإيمان»، مضيفا أنها سبب لتذوق حلاوة الإيمان ولذة اليقين، لما جاء عنه، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «ثلاث من وجدهن وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يرجع إلى الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف فى النار»، كما أنها الصلة التى يقوم على أساسها المجتمع المسلم «إنما المؤمنون إخوة».
 
ويقول إنه «بتحقيق هذه العقيدة تنال ولاية الله»، لما روى عن ابن عباس، رضى الله عنهما، أنه قال: «من أحب فى الله وأبغض فى الله، ووالى فى الله وعادى فى الله، فإنما تنال ولاية الله بذلك»، مشيرا إلى أن عدم تحقيق هذه العقيدة قد يدخل فى الكفر، مستدلا بقوله تعالى: «ومن يتولهم منكم فإنه منهم»، لافتا إلى أن «كثرة ورودها فى الكتاب والسنة تدل على أهميتها».
 
من أقوال شيوخهم.. يقول الشيخ حمد بن عتيق، رحمه الله: «فأما معاداة الكفار والمشركين فاعلم أن الله سبحانه وتعالى قد أوجب ذلك، وأكد إيجابه، وحرم موالاتهم وشدد فيها، حتى أنه ليس فى كتاب الله تعالى حكم فيه من الأدلة أكثر ولا أبين من هذا الحكم بعد وجوب التوحيد وتحريم ضده» 
 
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: «إن تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله تقتضى أن لا يحب إلا لله، ولا يبغض إلا لله، ولا يواد إلا لله، ولا يُعادى إلا لله، وأن يحب ما أحبه الله، ويبغض ما أبغضه الله»، وقال أيضا: «من اعتقد أن الكنائس بيوت الله، وأ ن الله يُعبَد فيها، وأن ما يفعله اليهود والنصارى عبادة لله وطاعة له ولرسوله، أو أنه يحب ذلك أو يرضاه أو أعانهم على فتحها، وإقامة دينهم، وأن ذلك قربة أو طاعة فهو كافر»، وقال أيضا فى موضع آخر: «من اعتقد أن زيارة أهل الذمة فى كنائسهم قربة إلى الله فهو مرتد» .
 
ويوضح أن صور موالاة الكفار عندهم عديدة، وبينها التشبه بهم فى اللباس والكلام، والإقامة فى بلادهم، وعدم الانتقال منها إلى بلاد المسلمين لأجل الفرار بالدين، و السفر إلى بلادهم لغرض النزهة ومتعة النفس، واتخاذهم بطانة ومستشارين، إلى جانب «التأريخ بتاريخهم خصوصًا التاريخ الذى يعبر عن طقوسهم وأعيادهم كالتاريخ الميلادى»، والتسمى بأسمائهم، ومشاركتهم فى أعيادهم أو مساعدتهم فى إقامتها أو تهنئتهم بمناسبتها أو حضور إقامتها، ومدحهم والإشادة بما هم عليه من المدنية والحضارة، والإعجاب بأخلاقهم ومهاراتهم دون النظر إلى عقائدهم الباطلة ودينهم الفاسد، والاستغفار لهم والترحم عليهم.
أدلتهم من القرآن الكريم.. يستدل هؤلاء بعدد من الآيات القرآنية، وبينها قوله تعالى: «قد كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فى إبْراهيمَ والّذينَ مَعَهُ إذْ قالُوا لقَوْمِهِمْ إنّا بُرَآءُ مِنْكُمْ ومِمّا تَعْبُدُونَ
 
مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وبَدا بَيْنَنَا وبَيْنَكُمُ العَداوَةُ والبَغْضاءُ أبدًا» (الممتحنة/ 4)، وقوله تعالى: {وأَذَانٌ مِنَ الله ورَسُولِهِ إلى النّاسِ يَوْمَ الحَجِّ الأكْبَرِ أنّ اللهَ بَريءٌ مِنَ المشْرِكين ورَسُولُهُ}(التوبة/3)، وقوله جل وعلا: «يا أيُّها الّذينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا اليَهُودَ والنَّصارَى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أوْلِياءُ بَعْضٍ ومَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فإِنَّه مِنْهُمْ إنّ اللهَ لَا يَهْدِى القَوْمَ الظّالِمِينَ فَتَرَى الّذِين فِى قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أنْ تُصِيبَنا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللهُ أنْ يأْتِيَ بالفَتْحِ أو أمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا على ما أسَرّوا فى أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ} (المائدة/51–52).
 
ويقول: إن الواضح الجلى لذى عينين أن النهى مقيد بمحادة الله ورسوله ومعاداتهم، وليس على إطلاقه، مشيرا إلى أن هؤلاء فرقوا بين الولاء والبراء وبين المواطنة، فالمواطنة نوع من التعامل الدنيوي، وأما الولاء والبراء فالمراد بهما المحبة لأولياء الله والبغض والكراهة لأعداء الله، فأنت تواطنهم مواطنة دنيوية، لكن لا تحبهم فى قلبك، بل تبغضهم، ولا يمنع هذا أن تعاملهم بالإحسان، كما قال تعالى: «ولاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى» (المائدة/ 8)
 
8899
 
ويعلق قائلا: واضح جلى من عرض ما سبق أنهم يستشهدون بنصوص دون نظر إلى أمثالها من القرآن الكريم وكذلك من السنة المطهرة، وهذا من إساءة الفهم للنص الشريف، كما يتضح أنهم يبتدعون فى الدين بدعا لم يقل بها السلف، مما جعلهم يسارعون إلى تكفير من لايؤمن باعتقادهم الفاسد، وهو ما يشكل خطورة بالغة على المسلمين أنفسهم وعلى بنى الإنسان. 
 
الفهم الصحيح للقضية..  لم يعد أحد من السلف الصالح ولا من الأئمة الأربعة الولاء والبراء من أركان الإيمان، ولا من أركان الإسلام، وأجمع جماهير علماء الأمة على أن أركان الإيمان والإسلام ما جاء فى الحديث الصحيح، عَنْ عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: بينما نحن عند رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إِلَى النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فأسند ركبتيه إِلَى ركبتيه ووضع كفيه عَلَى فخذيه، وقَالَ: يا محمد أخبرنى عَنْ الإسلام؟ فقَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رَسُول اللَّهِ، وتقيم الصلاة، وتؤتى الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا» قَالَ صدقت، فعجبنا له يسأله ويصدقه، قَالَ: فأخبرنى عَنْ الإيمان؟ قَالَ: «أن تؤمن باللَّه وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر؛ وتؤمن بالقدر خيره وشره» قَالَ صدقت قَالَ: فأخبرنى عَنْ الإحسان؟ قَالَ: «أن تعبد اللَّه كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك» قَالَ: فأخبرنى عَنْ الساعة؟ قَالَ: «ما المسئول عَنْها بأعلم مِنْ السائل» قَالَ: فأخبرنى عَنْ أماراتها؟ قَالَ: «أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون فى البنيان»، ثم انطلق فلبثت مليا ثم قَالَ: «يا عمر أتدرى مِنْ السائل؟» قلت: اللَّه ورسوله أعلم. قَالَ: «فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم». والحديث واضح صريح فى تحديد أركان الإسلام والإيمان.
 
والمظهر السلوكى للولاء هو النصرة والتأييد، والمظهر السلوكى للبراء هو المعاداة وعدم التأييد، وتتجلى مظاهر الولاء والبراء عندما يقرر من يكفر بعقيدتك وإيمانك وهويتك أن يظلمك ويحارب وطنك، فإن الولاء يقتضى الوقوف بجوار وطنك وقومك وهويتك، والبراءة من العدو الذى يريد هدم هويتك وأمنك ووطنك، لذا، فإن الولاء والبراء لا بد أن يُستحضر دائمًا فى منظومة تعايش المسلم مع غيره، فعلى المسلم أن ينتمى للإسلام ويحافظ على هويته الإسلامية من غير الإخلال بمبدأ التعايش السلمى بين الناس وهذا هو الولاء، والبراء وهو أن يحافظ المسلم على عدم التباس عقيدته بما قد يشوبها من الشبهات ونحوها دون الدخول فى التكفير أو الاعتداء على نفس معصومة.
 
ويتابع الدكتور الهدهد أن «عدم موالاة غير المسلمين من المواطنين وغيرهم ممن لا يكونون فى حالة حرب مع المسلمين بمعنى معاداة أشخاصهم وإيذائهم مخالفٌ لصريح نصوص القرآن والسنة؛ فالمسلم مأمور بقول الحسنى لكل الناس دون تفريق؛ قال تعالى: «وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا» )البقرة: 83)، وقال تعالى  «إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ» )النحل: 90)، كما أن الله لم ينهَنا عن بر غير المسلمين ووصلهم وإهدائهم وقبول الهدية منهم وما إلى ذلك من أشكال البر بهم، قال تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوَهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ﴾.
 
والإشكال بسبب تعريف الإيمان عند من سموا أنفسهم السلفية، هو تصديق بالجنان وقول باللسان وعمل بالجوارح والأركان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية قال تعالى: «ويزداد الذين آمنوا إيمانا...» ومن هنا كفروا كل مرتكب لمعصية، وأصلهم الخوارج.
 
 
555
 
فهم صحيح .. يوضح الهدهد أنه فيما يتعلق بقوله تعالى «يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء، تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بماجاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم، أن تؤمنوا بالله ربكم...»، فلابد من الاسترشاد بسبب النزول فى فهم الآية، فهذه الآية نزلت فى الصحابى حاطب بن أبى بلتعة، كتب سرا إلى الأعداء فى مكة يخبرهم بأن الرسول، صلى الله تعالى عليه وسلم، يتجهز لحربهم، وكشف المولى تعالى أمره للرسول صلى الله عليه وسلم، فقبضوا على المرأة التى تحمل الرسالة إلى أهل مكة أعداء الرسول، صلى الله عليه وسلم، وأعداء الدولة، فنزلت الآية تحرم اتخاذ الأعداء أولياء، وهذا أمر طبيعى لا يمكن لأحد أن يعترض عليه، لأنه متفق مع الطبيعة البشرية، وعلاقة الناس الطبيعية بعضهم ببعض، وعند جميع الشعوب، وحتى فى زماننا، فإن من يوالى العدو أثناء الحرب وينقل الأسرار الحربية، يرتكب جريمة عظمى، ومن أجل الفهم الصحيح الذى لا يهدر سبب النزول ولا السنة ولا النصوص الأخرى فى التنزيل جاء سبب النزول الذى لخصناه فى كل كتب أئمة التفسير وكتب الصحاح والسنن.
 
ويقول أن الآية الثانية، وهى «يا أيُّها الّذينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا اليَهُودَ والنَّصارَى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أوْلِياءُ بَعْضٍ ومَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فإِنَّه مِنْهُمْ إنّ اللهَ لَا يَهْدِى القَوْمَ الظّالِمِينَ فَتَرَى الّذِين فِى قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أنْ تُصِيبَنا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللهُ أنْ يأْتِيَ بالفَتْحِ أو أمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا على ما أسَرّوا فى أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ»، هذه الآية نزلت فى أبى لبابة وقال السدى: نزلت فى يوم أحد حين خاف المسلمون حتى هم قوم منهم أن يوالوا اليهود والنصارى، وقيل: نزلت فى عبادة بن الصامت وعبد الله بن أبى بن سلول فتبرأ عبادة من موالاة اليهود وتمسك بها ابن أبى وقال: إنى أخاف أن تدور الدوائر ويتضح من ذلك أن الآية تنزلت فى الحرب، وأمر بدهى أنه لايجوز الاستعانة بالأعداء وموالاتهم فى الحروب، ولايحتج علينا فى ذلك بالقول: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، لأننا نقول بمعنى الآية فى عدم جواز الموالاة فى أثناء الحروب، لما سيأتى من بعد ذلك من الآيات التى تدعو إلى البر بهم والإقساط إليهم ما لم تكن حرب بيننا وبينهم.
 
الآية الثالثة: «يا أيها الذين آمنوا لاتتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفى صدورهم أكبر...» «آل عمران / 118» الآية نفسها فيها الرد الكافى فقد تضمنت علة النهى عن موالاة من يضمر العداوة، ويتعمد إصابة المؤمنين بالإفساد، «لايألونكم خبالا»، أى: لا يدخرون جهدا فى إصابتكم بالفساد «ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء...» أى: يتمنون إعناتكم وإدخال المشقة عليكم، وقد أعلنوا عن ذلك، وإعلانهم أقل مما تكنه صدورهم بكثير، فالنهى مقيد لا مطلق، والقاعدة يبقى المقيد على قيده والمطلق على إطلاقه.  الآية الرابعة: «لايتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله فى شىء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه...»  «آل عمران/ 28» النهى هنا أيضا نهى مقيد «من دون المؤمنين» أى: لايجوز اتخاذ ولى غير مسلم مع وجود الكفء المسلم.
 
ويؤكد أنه لايجوز فهم هذه الآيات بعيدا عن الآيات الأخرى وإلا يكون القرآن متناقضا، فقد دعانا فى كثير من الآيات إلى البر بالمخالف، وحسن معاملته من ذلك، ولذلك ارتكزت دعوة الإسلام على التسامح، والرحمة، مبينا أن الإسلام دعا إلى البر ببنى البشر إلا من ظاهرنا بالعداوة قال تعالى «لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين».
 
1
 
وقد بين القرآن أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، جاء بالسلم لا بالحرب، وأن عمود رسالة الإسلام الرحمة للإنسانية كلها، وهو واضح جلى فى قوله تعالى واصفا رسوله محددا الغرض من رسالته «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين»، مضيفا أن الإسلام قادر على مواجهة العنف والتطرف، فهو يهتم بالسلم العام، ويدعو إلى مجادلة أهل الكتاب بالتى هى أحسن، قال تعالى «ولاتجادلوا أهل الكتاب إلا بالتى هى أحسن»، كما أنه يدعو إلى عدم إثارة الحقد والكراهية قال تعالى «ولاتسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم»، كما يدعو إلى حسن الجوار، وترك المبادرة بالشر، قال تعالى «ولايجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا».واصل المنظمة العالمية لخريجى الأزهر الشريف، سلسلة إصداراتها فى إطار مشروعها للرد على دعاوى وأفكار الجماعات المتطرفة، والتى تصدرها بعنوان «سلسلة تفنيد الفكر المتطرف»، ويرد واضعوها عبر 11 كتيبا صدرت حتى الآن على العديد من القضايا الفقهية.
 
وتحت عنوان «قضية الولاء والبراء.. مفهومها ونشأتها» كتب الدكتور إبراهيم صلاح الهدهد رئيس جامعة الأزهر الأسبق، موضحا مفهوم الولاء والبراء عند القائلين به، وهم الخوارج قديما وتابعهم عليها ابن تيمية ومحمد بن عبدالوهاب وعبدالعزيز بن باز وصالح العثيمين وسالم القحطانى، مبينا بداية أن «الولاء هو حُب الله ورسوله والصحابة والمؤمنين الموحدين ونصرتهم، والبراء: هو بُغض من خالف الله ورسوله والصحابة والمؤمنين الموحدين، من الكافرين والمشركين والمنافقين والمبتدعين والفساق».
 
ويوضح أن هؤلاء يرون أن منزلة عقيدة الولاء والبراء من الشرع عظيمة وهى ركن من أركان الإيمان، ومن عظمة هذه المنزلة، أنها جزء من معنى الشهادة، وهى قول: «لا إله» من «لا إله إلا الله» فإن معناها البراء من كل ما يُعبد من دون الله، كما أنها شرط فى الإيمان، كما قال تعالى: «ترى كثيرًا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفى العذاب هم خالدون ولو كانوا يؤمنون بالله والنبى وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرًا منهم فاسقون».
 
2
 
ويتابع أن هذه العقيدة لديهم هى أوثق عرى الإيمان، لما روى أحمد فى مسنده عن البراء بن عازب، رضى الله عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «أوثق عرى الإيمان الحب فى الله والبغض فى الله». فى الحديث الصحيح: «من أحب لله وأبغض لله، وأعطى لله ومنع لله، فقد استكمل الإيمان»، مضيفا أنها سبب لتذوق حلاوة الإيمان ولذة اليقين، لما جاء عنه، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «ثلاث من وجدهن وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يرجع إلى الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف فى النار»، كما أنها الصلة التى يقوم على أساسها المجتمع المسلم «إنما المؤمنون إخوة».
 
ويقول إنه «بتحقيق هذه العقيدة تنال ولاية الله»، لما روى عن ابن عباس، رضى الله عنهما، أنه قال: «من أحب فى الله وأبغض فى الله، ووالى فى الله وعادى فى الله، فإنما تنال ولاية الله بذلك»، مشيرا إلى أن عدم تحقيق هذه العقيدة قد يدخل فى الكفر، مستدلا بقوله تعالى: «ومن يتولهم منكم فإنه منهم»، لافتا إلى أن «كثرة ورودها فى الكتاب والسنة تدل على أهميتها».
 
من أقوال شيوخهم.. يقول الشيخ حمد بن عتيق، رحمه الله: «فأما معاداة الكفار والمشركين فاعلم أن الله سبحانه وتعالى قد أوجب ذلك، وأكد إيجابه، وحرم موالاتهم وشدد فيها، حتى أنه ليس فى كتاب الله تعالى حكم فيه من الأدلة أكثر ولا أبين من هذا الحكم بعد وجوب التوحيد وتحريم ضده» 
 
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: «إن تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله تقتضى أن لا يحب إلا لله، ولا يبغض إلا لله، ولا يواد إلا لله، ولا يُعادى إلا لله، وأن يحب ما أحبه الله، ويبغض ما أبغضه الله»، وقال أيضا: «من اعتقد أن الكنائس بيوت الله، وأ ن الله يُعبَد فيها، وأن ما يفعله اليهود والنصارى عبادة لله وطاعة له ولرسوله، أو أنه يحب ذلك أو يرضاه أو أعانهم على فتحها، وإقامة دينهم، وأن ذلك قربة أو طاعة فهو كافر»، وقال أيضا فى موضع آخر: «من اعتقد أن زيارة أهل الذمة فى كنائسهم قربة إلى الله فهو مرتد» .
 
ويوضح أن صور موالاة الكفار عندهم عديدة، وبينها التشبه بهم فى اللباس والكلام، والإقامة فى بلادهم، وعدم الانتقال منها إلى بلاد المسلمين لأجل الفرار بالدين، و السفر إلى بلادهم لغرض النزهة ومتعة النفس، واتخاذهم بطانة ومستشارين، إلى جانب «التأريخ بتاريخهم خصوصًا التاريخ الذى يعبر عن طقوسهم وأعيادهم كالتاريخ الميلادى»، والتسمى بأسمائهم، ومشاركتهم فى أعيادهم أو مساعدتهم فى إقامتها أو تهنئتهم بمناسبتها أو حضور إقامتها، ومدحهم والإشادة بما هم عليه من المدنية والحضارة، والإعجاب بأخلاقهم ومهاراتهم دون النظر إلى عقائدهم الباطلة ودينهم الفاسد، والاستغفار لهم والترحم عليهم.
أدلتهم من القرآن الكريم.. يستدل هؤلاء بعدد من الآيات القرآنية، وبينها قوله تعالى: «قد كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فى إبْراهيمَ والّذينَ مَعَهُ إذْ قالُوا لقَوْمِهِمْ إنّا بُرَآءُ مِنْكُمْ ومِمّا تَعْبُدُونَ
 
مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وبَدا بَيْنَنَا وبَيْنَكُمُ العَداوَةُ والبَغْضاءُ أبدًا» (الممتحنة/ 4)، وقوله تعالى: {وأَذَانٌ مِنَ الله ورَسُولِهِ إلى النّاسِ يَوْمَ الحَجِّ الأكْبَرِ أنّ اللهَ بَريءٌ مِنَ المشْرِكين ورَسُولُهُ}(التوبة/3)، وقوله جل وعلا: «يا أيُّها الّذينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا اليَهُودَ والنَّصارَى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أوْلِياءُ بَعْضٍ ومَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فإِنَّه مِنْهُمْ إنّ اللهَ لَا يَهْدِى القَوْمَ الظّالِمِينَ فَتَرَى الّذِين فِى قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أنْ تُصِيبَنا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللهُ أنْ يأْتِيَ بالفَتْحِ أو أمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا على ما أسَرّوا فى أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ} (المائدة/51–52).
 
ويقول: إن الواضح الجلى لذى عينين أن النهى مقيد بمحادة الله ورسوله ومعاداتهم، وليس على إطلاقه، مشيرا إلى أن هؤلاء فرقوا بين الولاء والبراء وبين المواطنة، فالمواطنة نوع من التعامل الدنيوي، وأما الولاء والبراء فالمراد بهما المحبة لأولياء الله والبغض والكراهة لأعداء الله، فأنت تواطنهم مواطنة دنيوية، لكن لا تحبهم فى قلبك، بل تبغضهم، ولا يمنع هذا أن تعاملهم بالإحسان، كما قال تعالى: «ولاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى» (المائدة/ 8)
 
8899
 
ويعلق قائلا: واضح جلى من عرض ما سبق أنهم يستشهدون بنصوص دون نظر إلى أمثالها من القرآن الكريم وكذلك من السنة المطهرة، وهذا من إساءة الفهم للنص الشريف، كما يتضح أنهم يبتدعون فى الدين بدعا لم يقل بها السلف، مما جعلهم يسارعون إلى تكفير من لايؤمن باعتقادهم الفاسد، وهو ما يشكل خطورة بالغة على المسلمين أنفسهم وعلى بنى الإنسان. 
 
الفهم الصحيح للقضية..  لم يعد أحد من السلف الصالح ولا من الأئمة الأربعة الولاء والبراء من أركان الإيمان، ولا من أركان الإسلام، وأجمع جماهير علماء الأمة على أن أركان الإيمان والإسلام ما جاء فى الحديث الصحيح، عَنْ عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: بينما نحن عند رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إِلَى النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فأسند ركبتيه إِلَى ركبتيه ووضع كفيه عَلَى فخذيه، وقَالَ: يا محمد أخبرنى عَنْ الإسلام؟ فقَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رَسُول اللَّهِ، وتقيم الصلاة، وتؤتى الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا» قَالَ صدقت، فعجبنا له يسأله ويصدقه، قَالَ: فأخبرنى عَنْ الإيمان؟ قَالَ: «أن تؤمن باللَّه وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر؛ وتؤمن بالقدر خيره وشره» قَالَ صدقت قَالَ: فأخبرنى عَنْ الإحسان؟ قَالَ: «أن تعبد اللَّه كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك» قَالَ: فأخبرنى عَنْ الساعة؟ قَالَ: «ما المسئول عَنْها بأعلم مِنْ السائل» قَالَ: فأخبرنى عَنْ أماراتها؟ قَالَ: «أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون فى البنيان»، ثم انطلق فلبثت مليا ثم قَالَ: «يا عمر أتدرى مِنْ السائل؟» قلت: اللَّه ورسوله أعلم. قَالَ: «فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم». والحديث واضح صريح فى تحديد أركان الإسلام والإيمان.
 
والمظهر السلوكى للولاء هو النصرة والتأييد، والمظهر السلوكى للبراء هو المعاداة وعدم التأييد، وتتجلى مظاهر الولاء والبراء عندما يقرر من يكفر بعقيدتك وإيمانك وهويتك أن يظلمك ويحارب وطنك، فإن الولاء يقتضى الوقوف بجوار وطنك وقومك وهويتك، والبراءة من العدو الذى يريد هدم هويتك وأمنك ووطنك، لذا، فإن الولاء والبراء لا بد أن يُستحضر دائمًا فى منظومة تعايش المسلم مع غيره، فعلى المسلم أن ينتمى للإسلام ويحافظ على هويته الإسلامية من غير الإخلال بمبدأ التعايش السلمى بين الناس وهذا هو الولاء، والبراء وهو أن يحافظ المسلم على عدم التباس عقيدته بما قد يشوبها من الشبهات ونحوها دون الدخول فى التكفير أو الاعتداء على نفس معصومة.
 
ويتابع الدكتور الهدهد أن «عدم موالاة غير المسلمين من المواطنين وغيرهم ممن لا يكونون فى حالة حرب مع المسلمين بمعنى معاداة أشخاصهم وإيذائهم مخالفٌ لصريح نصوص القرآن والسنة؛ فالمسلم مأمور بقول الحسنى لكل الناس دون تفريق؛ قال تعالى: «وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا» )البقرة: 83)، وقال تعالى  «إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ» )النحل: 90)، كما أن الله لم ينهَنا عن بر غير المسلمين ووصلهم وإهدائهم وقبول الهدية منهم وما إلى ذلك من أشكال البر بهم، قال تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوَهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ﴾.
 
والإشكال بسبب تعريف الإيمان عند من سموا أنفسهم السلفية، هو تصديق بالجنان وقول باللسان وعمل بالجوارح والأركان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية قال تعالى: «ويزداد الذين آمنوا إيمانا...» ومن هنا كفروا كل مرتكب لمعصية، وأصلهم الخوارج.
 
 
555
 
فهم صحيح .. يوضح الهدهد أنه فيما يتعلق بقوله تعالى «يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء، تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بماجاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم، أن تؤمنوا بالله ربكم...»، فلابد من الاسترشاد بسبب النزول فى فهم الآية، فهذه الآية نزلت فى الصحابى حاطب بن أبى بلتعة، كتب سرا إلى الأعداء فى مكة يخبرهم بأن الرسول، صلى الله تعالى عليه وسلم، يتجهز لحربهم، وكشف المولى تعالى أمره للرسول صلى الله عليه وسلم، فقبضوا على المرأة التى تحمل الرسالة إلى أهل مكة أعداء الرسول، صلى الله عليه وسلم، وأعداء الدولة، فنزلت الآية تحرم اتخاذ الأعداء أولياء، وهذا أمر طبيعى لا يمكن لأحد أن يعترض عليه، لأنه متفق مع الطبيعة البشرية، وعلاقة الناس الطبيعية بعضهم ببعض، وعند جميع الشعوب، وحتى فى زماننا، فإن من يوالى العدو أثناء الحرب وينقل الأسرار الحربية، يرتكب جريمة عظمى، ومن أجل الفهم الصحيح الذى لا يهدر سبب النزول ولا السنة ولا النصوص الأخرى فى التنزيل جاء سبب النزول الذى لخصناه فى كل كتب أئمة التفسير وكتب الصحاح والسنن.
 
ويقول أن الآية الثانية، وهى «يا أيُّها الّذينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا اليَهُودَ والنَّصارَى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أوْلِياءُ بَعْضٍ ومَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فإِنَّه مِنْهُمْ إنّ اللهَ لَا يَهْدِى القَوْمَ الظّالِمِينَ فَتَرَى الّذِين فِى قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أنْ تُصِيبَنا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللهُ أنْ يأْتِيَ بالفَتْحِ أو أمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا على ما أسَرّوا فى أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ»، هذه الآية نزلت فى أبى لبابة وقال السدى: نزلت فى يوم أحد حين خاف المسلمون حتى هم قوم منهم أن يوالوا اليهود والنصارى، وقيل: نزلت فى عبادة بن الصامت وعبد الله بن أبى بن سلول فتبرأ عبادة من موالاة اليهود وتمسك بها ابن أبى وقال: إنى أخاف أن تدور الدوائر ويتضح من ذلك أن الآية تنزلت فى الحرب، وأمر بدهى أنه لايجوز الاستعانة بالأعداء وموالاتهم فى الحروب، ولايحتج علينا فى ذلك بالقول: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، لأننا نقول بمعنى الآية فى عدم جواز الموالاة فى أثناء الحروب، لما سيأتى من بعد ذلك من الآيات التى تدعو إلى البر بهم والإقساط إليهم ما لم تكن حرب بيننا وبينهم.
 
الآية الثالثة: «يا أيها الذين آمنوا لاتتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفى صدورهم أكبر...» «آل عمران / 118» الآية نفسها فيها الرد الكافى فقد تضمنت علة النهى عن موالاة من يضمر العداوة، ويتعمد إصابة المؤمنين بالإفساد، «لايألونكم خبالا»، أى: لا يدخرون جهدا فى إصابتكم بالفساد «ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء...» أى: يتمنون إعناتكم وإدخال المشقة عليكم، وقد أعلنوا عن ذلك، وإعلانهم أقل مما تكنه صدورهم بكثير، فالنهى مقيد لا مطلق، والقاعدة يبقى المقيد على قيده والمطلق على إطلاقه.  الآية الرابعة: «لايتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله فى شىء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه...»  «آل عمران/ 28» النهى هنا أيضا نهى مقيد «من دون المؤمنين» أى: لايجوز اتخاذ ولى غير مسلم مع وجود الكفء المسلم.
 
ويؤكد أنه لايجوز فهم هذه الآيات بعيدا عن الآيات الأخرى وإلا يكون القرآن متناقضا، فقد دعانا فى كثير من الآيات إلى البر بالمخالف، وحسن معاملته من ذلك، ولذلك ارتكزت دعوة الإسلام على التسامح، والرحمة، مبينا أن الإسلام دعا إلى البر ببنى البشر إلا من ظاهرنا بالعداوة قال تعالى «لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين».
 
1
 
وقد بين القرآن أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، جاء بالسلم لا بالحرب، وأن عمود رسالة الإسلام الرحمة للإنسانية كلها، وهو واضح جلى فى قوله تعالى واصفا رسوله محددا الغرض من رسالته «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين»، مضيفا أن الإسلام قادر على مواجهة العنف والتطرف، فهو يهتم بالسلم العام، ويدعو إلى مجادلة أهل الكتاب بالتى هى أحسن، قال تعالى «ولاتجادلوا أهل الكتاب إلا بالتى هى أحسن»، كما أنه يدعو إلى عدم إثارة الحقد والكراهية قال تعالى «ولاتسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم»، كما يدعو إلى حسن الجوار، وترك المبادرة بالشر، قال تعالى «ولايجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا».

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق