لماذا التعديلات الدستورية الآن؟

الأحد، 31 مارس 2019 10:00 ص
لماذا التعديلات الدستورية الآن؟
أحمد صلاح

 
الثابت أن الدساتير تتسم بالاستمرارية والدوام وترسخ هوية الأمة، لكن في المقابل فهي لا تتمتع بالأبدية والخلود او الجمود طالما أنها تحفظ وتصون هوية الوطن وتتطور بالتوازي مع تطور احتياجات الوطن ذاته، ولاسيما في ظل التغيرات المتسارعة التي تشهدها المنطقة وكذلك الداخل المصري، أي ان الدساتير يجب أن تتغير هي الاخرى وفقا للاحتياجات والضرورات التي يفرضها الواقع، أي انها لا تمثل شيكا على بياض.
 
لكن فيما يتعلق بدستور 2014 وضرورة تعديل بعض مواده بما يتسق مع المتغيرات المحيطة، فقبل أن نؤيد أو نرفض التعديلات الدستورية التي تشهد الآن نقاشا مجتمعيا، فيجب الإشارة إلى بعض النقاط الهامة التي يجب أن نأخذها في الاعتبار.
 
اولاً: المناخ العام.
 يتعين علينا أن نسترجع المناخ العام الذى تم خلاله صياغة دستور 2014، وكذلك مناخ عمل لجنة الخمسين التي وضعت البناء الأساسي والجوهري له، ودعونا نتذكر سويا هذا المناخ المتوتر الذى لم يمكن اللجنة من أداء عملها على الوجه الاكمل وبشكل يؤدى إلى انتاج عمل متوازن، فالمناخ العام المتوتر أنعكس بدوره على بعض مواد الدستور بشكل واضح، فعلى الرغم مما تضمنه هذا الدستور من مواد هامة للغاية تكفل الحريات وتصون حقوق الإنسان، وكذلك الوعى المجتمعي بربط الميزانية الخاصة بالوزارات الخدمية بنسبة من الناتج الحكلى على غرار ما يتم في الديمقراطيات الراسخة، إلا أن مناخ ميلاد هذا الدستور كان مفعماً بالتوتر فلم تكن هناك دولة بالمعنى الحقيقي مثلما عليه الحال الآن، الامر الذى كان يضغط على عمل اللجان المختلفة التي  شاركت في صياغة مواد هذا الدستور، والآن وبعد مضى خمسة أعوام على صياغة هذا الدستور مع تثبيت أركان الدولة خلال هذه الفترة، فإن المواطن ذاته أضحى يدرك الحاجة الماسة إلى أهمية تدارك ما انتاب هذا الدستور من عوار، أي أنه آن الأوان لتصحيح أوجه القصور التى تشوب الدستور وظهرت جليا خلال الفترة الماضية بما يسمح لنا بوضع دستور يرسخ لهوية الامة ويتمتع بالاستمرارية والدوام .
 
ثانيا: الإطار الداخلي:
الثابت أن الدولة المصرية شهدت خلال السنوات الخمس الماضية مشروعات تنموية طويلة ومتوسط المدى، أي أننا بصدد مكتسبات حقيقية في شتى مناحي الحياة، ويجب كذلك الاعتراف بأننا قطعنا شوطا كبيرا نحو تثبيت أركان الدولة بالتوازي مع عملية تنموية حقيقية يشهد بها القاصي قبل الداني، وبالتالي فإن المناخ الداخلي غير مؤهل لأى تغيير في السلطة الآن حفاظا على المكتسبات التي تم تحقيقها على أرض الواقع، وهى مكتسبات كان الشعب شريكا اصيلا فيها اذ تحمل وبكل حب وتقدير صعوبات برنامج الإصلاح الاقتصادي، لذلك يجب على المواطن أن يعي ضرورة الحفاظ على هذه المكتسبات كونه شريك اصيل فيها لآن أي تغيير في السلطة يجازف بالقضاء على هذه المكتسبات التي شارك فيها الشعب .
ثالثا: الإطار الإقليمي:
  يجب أن نتسأل: هل الإطار الإقليمي المحيط بنا مؤهل لاستيعاب أي تغير في نظام الحكم في مصر التي تمثل وبحق رمانة ميزان المنطقة؟ بالطبع لا، لأنه بالنظر السريع إلى محيطنا الإقليمي فنجد حدودنا الغربية بطول 1200 كم تحتاج جهد كبير لصيانتها، وهو وضع لا يختلف كثيرا عن حدودنا الشرقية وايضاً الجنوبية في ظل ما تشهده السودان الشقيق من بعض الاضطرابات، بالإضافة إلى ذلك فإن المنطقة بأكملها غير مستقرة إلى حد كبير بين توتر في المشهد السوري وقلق بالغ في المشهد اليمنى مع حالة من عدم الاستقرار في الجزائر، أي أننا امام وضع إقليمي غير مستقر يدفعنا للعمل سويا على احداث مزيد من الاستقرار الداخلي.
 
رابعاً: الإطار الدولي:
مما لا شك فيه أن المجتمع الدولي يشهد حالة من عدم التوازن وعدم الاستقرار خاصة في القارة العجوز في ضوء تصاعد حدة طلبات الخروج من الاتحاد الأوروبي من جانب، وتظاهرات وأعمال عنف في بعض الدول الأوروبية من جانب آخر، الامر الذى ينعكس سلبا على جنوب المتوسط انطلاقا من مبدأ أنه لا يمكن الفصل بين شطري المتوسط.
 
وأخيراً، فيمكن أن نخلص في ضوء ما سلف ذكره ألى أنه في ظل المشهد الداخلي وضرورة الحفاظ على ما تم تحقيقه من مكتسبات، وفى ظل وضع إقليمي متوتر لا يختلف كثيراً عن نظيره الدولي، فإن الامر يتطلب منا جميعا وأكثر من أي وقت مضى التمسك بالعمل على المصلحة العليا للوطن وما تم تحقيقه من إنجازات، بالإضافة إلى ضرورة الحفاظ على سفينة الدولة المصرية كى تعبر بسلام الفترة الصعبة والخاصة التي تشهدها المنطقة التي تمثل مصر جزءا هاما منها.
 
كما يجب أن نعى حقيقة أن وجود مصر مستقرة لا يروق للكثير بما في ذلك بعض دول المنطقة، الامر الذى يفرض علينا الالتفاف حول القيادة المصرية التي أثبتت نجاحات كبيرة في ملفات شائكة ودقيقة اعترف بها الغرب لعل أهمها ملف الهجرة غير الشرعية ونجاح برنامج الإصلاح الاقتصادي.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق