روسيا تؤكد مصداقيتها في فنزويلا

الإثنين، 01 أبريل 2019 06:57 م
روسيا تؤكد مصداقيتها في فنزويلا
د. مغازي البدراوي

 
 
مع تصاعد ألأزمة في فنزويلا وزيادة حدة التهديدات الأمريكية، وضغوط واشنطن على بعض الدول لتأييد المعارض الفنزويلي رئيس البرلمان خوان غوايدو كرئيس لفنزويلا بديلاً للرئيس نيكولاس مادورو، وتردد التصريحات حول الأيام المعدودة الباقية لحكم مادورو، والتي تذكر بما كان يتردد حول الرئيس السوري بشار الأسد قبل تدخل روسيا العسكري في سوريا، ترددت الأسئلة حول موقف روسيا الحليف ألأكبر والأوحد لفنزويلا، وهل ستترك نظام مادورو فريسة لواشنطن، لكن رد موسكو لم يتأخر كثيراً، حيث وصلت إلى العاصمة كاراكاس يوم السبت 23 مارس طائرتا نقل روسيتان تقلان مائة من العسكريين وشحنة من 35 طنا من المواد والأدوات العسكرية إلى فنزويلا. وقيل أن الطائرتان انطلقتا من سوريا وليس من روسيا، وقد أثارت هذه الحادثة صدمة كبيرة في واشنطن وضجة في وسائل الإعلام العالمية. حيث تساءل الجميع عن الغرض من هذه الرحلة الغامضة... فيما كتبت بعض الصحف عناوين تقول: "الأسد ليس أغلى من مادورو"، "روسيا لا تتخلى عن حلفائها"، "وصل جيش الكرملين إلى فنزويلا!"،"روسيا تنوي أخذ احتياطيات الذهب من فنزويلا"، وهناك، من يقولون جاء الروس لـ"تدريب الجيش الفنزويلي"، و"إنشاء حماية شخصية لمادورو"، و"حماية حقول النفط التي وظف فيها الجانب الروسي أمواله".. وغيرها من العناوين المثيرة التي توحي بأن روسيا قررت بالفعل التدخل لحماية نظام مادورو.
 
ويرى البعض أن التصرف الروسي المفاجئ والشبيه بالتدخل العسكري في سوريا بشكل مفاجئ، إنما الهدف منه إحراج واشنطن ووضعها أمام الأمر الواقع إذا ما فكرت أو حاولت التدخل عسكريا. فغزو دولة لا يحميها أحد من الخارج، شيء، لكن عندما يتمركز في هذه الدولة جنود من قوة نووية عظمى مثل روسيا. هذا شيء أخر يغير الوضع، ويجبر الأمريكيين على تعديل سلوكهم ومراجعة أنفسهم بخصوص فنزويلا.
 
وبعد وصول القوة العسكرية الروسية أظهرت صور الأقمار الصناعية نشر مجمعات منظومة  S-300 الروسية بالقرب من كراكاس في قاعدة مانويل ريوس العسكرية، وهي في حالة جاهزية قتالية. 
 
موسكو كعادتها في مثل هذه الحالات ترد ردود تقليدية بأن ما يجري يرتبط بتنفيذ عقود واتفاقات قديمة منذ سنوات بين البلدين حول تدريبات عسكرية مشتركة، وليس لها علاقة بالأزمة الجارية في فنزويلا، لكن يبدو أن هذه الإجابات لا يصدقها أحد، حيث تولد أسئلة جديدة: طالما العقود موقعة "من سنوات طويلة"، فلماذا الآن بالذات وصلت إلى فنزويلا هذه المجموعة من القوات الخاصة والمؤلفة من العسكريين فقط؟ وهي، كما يقال، بقيادة النائب الأول لقائد القوات البرية الروسية، الجنرال فاسيلي تونكوشكوروف، والمعروف عنه أنه رجل حرب تعرفه واشنطن جيداً، إلى جانب أن هناك دائما في فنزويلا مجموعة كبيرة من العسكريين والتقنيين الروس مقيمين بصفة دائمة. 
 
الخطوة الروسية جاءت صادمة لواشنطن، وعلى الرغم من التصريحات الأمريكية الحادة والتهديدات بالعقوبات وغيرها، إلا أن أنه بدا واضحاً ضعف الموقف الأميركي، مع علم الجميع أن واشنطن ليست على استعداد للتصدي بجدية للتدخل العسكري الروسي في فنزويلا، فقط طالب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بسحب العسكريين الروس من فنزويلا، وهددت الولايات المتحدة باتخاذ إجراءات ضد روسيا، بما في ذلك فرض عقوبات اقتصادية عليها، ولم يعير أحد اهتمام لتصريحات المبعوث الأمريكي الخاص لشؤون فنزويلا إيليوت أبرامز خلال المؤتمر الصحفي الجمعة 29 مارس عندما قال: "هناك الكثير مما يمكن أن نقوم به من الناحية الاقتصادية ومن ناحية العقوبات، ولدينا خيارات وسيكون من الخطأ بالنسبة للروس إذا اعتقدوا أن لديهم حرية التصرف".
 
ذهاب روسيا عسكرياً إلى فنزويلا أمرا ليس غريباً في رأي البعض، ومبادرتها بالذهاب قبل اشتعال الأزمة هناك هدفها قطع الطريق على الجميع، سواء واشنطن أو أي من حلفائها في أمريكا اللاتينية من التفكير أو التخطيط للتدخل ضد نظام مادورو، كما أنه يعطي ثقة للجيش الفنزويلي ويحمسه أكثر للتمسك بقائده مادورو، ولا يتصور أن يجرؤ أحد الآن على الاقتراب من فنزويلا والعسكريون الروس على أراضيها، وروسيا لها من المصالح في فنزويلا ما لا يقل عن مصالحها في سوريا، بل يزيد بكثير، والعسكريون الروس لا يحمون في فنزويلا نظام مادورو الحليف فقط، بل يحمون مصالح روسيا الاستراتيجية في أميركا اللاتينية البعيدة، ويحمون مصالح  روسيا في أسواق النفط العالمية، حيث ترى موسكو أن الحملة الأمريكية ضد فنزويلا إنما تستهدف في الأساس قطع العلاقات بين روسيا وفنزويلا في مجال الطاقة بهدف فرض هيمنتها على أسواق النفط العالمية.  
 
ويأتي إرسال روسيا قوتها العسكرية لكراكاس بهذه السرعة حتى تقطع على واشنطن التفكير والإعداد لخطط ضد فنزويلا، وهو الأمر الذي يوحي إليه إعلان الرئيس ترامب نيته عرض ضم البرازيل لعضوية حلف الناتو، وذلك أثناء استقباله الرئيس البرازيلي جاير بولسونار في واشنطن، ويبدو أن لدى واشنطن خطة حول إمكانية تطبيق المادة 5 من ميثاق الناتو، بعد أن تصبح البرازيل عضوا فيه، والتي تفترض ردا عسكريا من جميع دول الحلف، إذا تعرض أي منها للعدوان. وهكذا، فأي استفزاز ترتبه وتدبره الولايات المتحدة على حدود فنزويلا والبرازيل يمكن أن يعتبره الأمريكيون "عدوانا على عضو في الناتو من قبل كاراكاس"، الأمر الذي سيجبر الحلف بأكمله على استخدام قوته العسكرية ضد المعتدي، وتتحول فنزويلا إلى "يوغوسلافيا" أخرى، لكن مع التواجد العسكري الروسي في فنزويلا لن يجرؤ أحد على الاقتراب، ولن تستطيع واشنطن إقناع أحد من أعضاء الحلف بالتدخل، وقد رد الرئيس البرازيلي بنفسه على اقتراح الرئيس ترامب بضم البرازيل لحلف الناتو بأن بلاده لا يمكن أن تتدخل عسكرياً في أي دولة من دول أميركا اللاتينية.
 
الآن واشنطن في وضع حرج بعد إفشال موسكو لخططها في فنزويلا، كما أنها وضعت حلفائها الذين تسرعوا تحت ضغوط منها في تأييد المعارض خوان غوايدو الذي سمى نفسه رئيسا لفنزويلا دون أن ينتخبه شعبها في وضع حرج، أما روسيا فهي لم تبذل جهداً كبيراً ولم ترسل جيشاً للحرب، بل فقط مائة جندي مع معداتهم، ورغم يقين موسكو أن هذه الفرقة العسكرية الصغيرة لا تستطيع حماية نظام مادورو في حالة هجوم عسكري، إلا أنها على يقين من أن قتالاً عسكرياً  لن يحدث، ولا أحد سيجرؤ على التدخل عسكرياً لأنه لو حدث فلن تتردد موسكو في إرسال أسراب طائراتها المقاتلة إلى فنزويلا في ساعات معدودة، وسيكون لها الحق الشرعي لحماية قواتها الموجودة هناك، هذا إلى جانب أن الجيش الفنزويلي إمكانياته عالية ومدرب جيداً من قبل عسكريين روس، ولديه منظومة  دفاع صاروخي روسية حديثة، وبالتالي فاحتمال التدخل العسكري في فنزويلا أصبح مستبعد، وهكذا كسبت روسيا جولة فنزويلا، وأثبتت مصداقيتها في الدفاع عن حلفائها، وأثبتت للعالم كله أن هناك قوة عسكرية كبرى قادرة على حفظ التوازن الدولي ولا تخشى أميركا ولا حلف الناتو.  
 
خبير في الشئون الروسية

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق