مدد من غير عدد

الأربعاء، 03 أبريل 2019 07:30 م
مدد من غير عدد
مني أحمد

 
علي مدي 7 أيام تم الاحتفال بمولد السيدة زينب رضي الله عنها، وعادة الاحتفال بأولياء الله الصالحين عبقرية خاصة ومورث شعبي شديد الخصوصية لدي المصريون دون غيرهم من الشعوب، ويطلق عليها في الثقافة الشعبية المصرية أسم الموالد، والتي لا تقتصر على ديانة واحدة فتذوب فيها كل الأديان، فالمسيحي يحرص على زيارة أولياء الله المسلمين،  والمسلم يزور القديسين حبا وبركة وكرامة، وأشهر تلك الموالد موالد السيدة العذراء والسيدة زينب والسيدة نفسية والإمام الحسين والسيد البدوي وإبراهيم الدسوقي ومارجرجس ومارمينا.
 
علي امتداد ربوع مصر تناثرت آلاف الأضرحة والمقامات على جغرافيا الواقع المصري، فلا توجد قرية مصرية إلا وبها مقام أو أكثر لأولياء الله الصالحين، ولا تخلو محافظة أو مدينة مصرية من مولد يجدد لغة الوصل بين البشر وموروثهم الروحي والديني. 
 
مصر تأصلت بها الموالد الشعبية قبل الدولة الفاطمية التي تنسب اليها بوصفها امتدادا حضاريا مشابه الطقوس للاحتفالات الدينية منذ عهد ملوك فراعنة فى الدولة المصرية القديمة، وكانت الاحتفالات الدينية تقترن بتقديم النذور والقرابين تمجيدا وتضرعا للآلهة صاحبة الخوراق والمعجزات، وهي تشبه إلى حد كبير الكرامات التي يتحدث عنها المحتفلون حاليا، ويتم ذلك في جو احتفالي مبهج يقدم فيها الطعام والشراب ومشاهد غنائية سجلتها جدران المعابد الفرعونية، ثم مرورا بقديسي عصر الشهداء المسيحيين الأوائل بمصر الرومانية وصولا إلى تقليد موالد الأولياء الصالحين في مصر الإسلامية، التي لايزال المريدين يرتحلون خلف تجلياته في طول البلاد وعرضها  علهم يحظون بجانب من بركاتها.
 
الموالد لها جذور ضاربة في عمق التربة الثقافية المصرية، وأصبحت تمثل جزءا من الثقافة الشعبية، فالولي او القديس ينظر اليه باعتباره حلقة وصل بين حياة وموت، فهو حي في الفكر الجمعي رغم رحيله بجسده عالما ماديا وروحيا لشخص تحول إلى رمز ديني يطلقون عليه صاحب كرامات، وتلك الكرامات التي يستمدون منها الأمل في الغلبة على العجز والمرض وكافة اشكال الصعاب. 
 
تشهد الموالد سقوط كل الحواجز الاجتماعية بين طبقات المجتمع المصري على اختلافها، فالأغنياء والفقراء على مائدة طعام واحدة علي حد سواء يصطفون في حلقات ذكر متصلة لا فارق فيها بين هذا وذاك، فالجميع يذوبون عشقا في حب الله يرددون دعوات مشفعة بصاحب الكرامات، فالكثير من العامة يعتقدون أن هناك مسافة كبيرة تفصلهم عن الله سبحانه وتعالى، ولابد من البحث عن شفيع يتوسلون به الي الله لقضاء حوائجهم.
 
مظاهر ارتبطت في الأذهان بعادات ذات طقوس خاصة مع الوقت ذابت في نسيج المجتمع  المصري ووحدت بين عنصري الأمة مسلمين ومسيحيين، فجمعت بين أولياء الله الصالحين والقديسين، ورويدا رويدا تسللت إلى الموروث الشعبي في ثقافة الأمة وأصبحت جزء من الهوية المصرية. 
 
سواء كان المولد مسيحيا أو إسلاميا فهناك طقوس شبه ثابتة في الاحتفالات تتمثل في زيارة الضريح وعقد حلقات الذكر والإنشاد والابتهالات والترانيم والسير في مواكب كبيرة تحمل أعلام وبيارق، علاوة علي  تقديم النذور التي لا تقتصر على النقود، فقد تكون أطعمة او ذبائح توزع على الفقراء وجمهور الحاضرين، أو مفروشات وسجاجيد لصاحب المقام أو تكون في شكل شموع تقدم لتضاء، كما ارتبطت الموالد بعقد الزواج والطهور والتعميد تباركا بالمناسبة.
 
الموالد عبارة عن مظاهر ترفيهية شعبية فتقام سرادقات كبيرة وينتشر باعة الحلوى ولعب الاطفال والأطعمة الشعبية والحلي والسبح والملابس، كما تنتشر الالعاب النارية والمراجيح  وعروض العرائس في مزيج يجمع الطقس الديني بالترفيهي تغلفه سعادة وبهجة شكلت المزاج الشعبي الديني، الذي يربط بين الاحتفال من جهة والأكل والشرب والغناء من جهة آخرى، وحتى يومنا هذا لا يزال المصريون يتمسكون بمورثاتهم رغم شيطنة البعض لتلك الطقوس فهم شعب محب للحياة. 
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق