الواقع أصدق أنباءً من فضائيات الدوحة

الثلاثاء، 07 مايو 2019 04:21 م
الواقع أصدق أنباءً من فضائيات الدوحة
محمد عبد اللطيف يكتب:

يقيناً ..بات الاعلام طرفاً رئيسياً فى  معادلة استراتيجيات الأمن القومى لأى دولة، ومن لا يدرك هذه الحقيقة ،فانه لا يعيش فى العالم الذى نعيش فيه، أو أنه هائم فى اللا واقع ، فمن دون الاعلام لا تتحقق المعرفة فى المجتمعات سواء المتقدمة أو النامية، لذا فان البلدان الكبرى المهيمنة على  صناعة القرار الدولى والساعية للسيطرة على ثروات العالم، مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ،وغيرهما ، ينفقون أموالاً هائلة على صناعة الاعلام، بصور متنوعة، من صناعة السينما الى مسلسلات الدراما،ومن الأفلام التسجيلية الى طباعة الكتب، ومن الفضائيات الى السوشيال ميديا، بما يصب فى صالح تلك البلدان ،والترويج لسياساتها وانجازات حكوماتها، ويحقق استراتيجيتها فى النفاذ الى عقول شعوب مختلف قارات العالم ، فالاعلام ان شئنا الدقة ،أحد أهم الأدوات التى  تستخدمها أجهزة الاستخبارات العالمية، ليس فقط ، فى الحروب النفسية والدعائية ، انما باعتباره القوة القادرة على تزييف وعى ومعرفة شعوب البلدان الستهدفة ، عبر نشر  ثقافة مغايرة لقي وتقاليد الشعوب .
 
، كما أن تأثيره يفوق تأثير الحروب العسكرية التقليدية، الطائرات والدبابات والصواريخ ، فضلاً عن قدرته على تشويه الحقائق والتشكيك فى الايجابيات لتأليب الشعوب على حكامهم، واشعال الفتن فى البلدان التى نجح فيها الاعلام المعادى ، بعد أن أفقد  فئة من الشعوب، القدرة على استيعاب حضارتها وثقافتها وتاريخها، ولنا فى ذلك ألف دليل ودليل ، فما نراه حولنا  من مشاهد خراب وفوضى تجتاح بلدان قريبة مثل " سورية الى اليمن ومن ليبيا الى الجزائر"، ومؤخرا السودان ، كل هذا ناتجا بالأساس من تأثير الاعلام المحرض على الفوضى ، لأن الاعلام المحلى لدي تلك البلدان، فشل فى التأثير على فئات المجتمع .
لذا أجدنى أتعجب كثيرا من حالنا ،وأتسائل ... هل  البعض منا لا يدرك الأحداث الكبرى ؟....أم أن صراخهم صار منهجاً ؟ .... أم أن هؤلاء القلة أصبحوا عاجزين عن مسايرة الخطوات المتسارعة فى الميديا العالمية ؟.
 
الحقيقة ـ فى تقديرى ـ  أن ارادة الدولة توافرت بالفعل ،لتصويب مسار الاعلام على المستويات كافة، ابتداءاً من وضع الضوابط والمعايير التى تتفق مع ثقافة وقيم المجتمع، مروراً بالتصدى للفوضى التى سادت أزمنة طويلة فى البرامج والمسلسلات الدرامية والسينما، وغير ذلك من أدوات التأثير المعرفى، مثل الصحافة والمواقع الاخبارية، وبالرغم من اتخاذ خطوات جادة فى استراتيجية تصويب المسار، الا أن بعض الاعلاميين،"وان كانوا قلة " من ذوى النوايا الحسنة، يعيشون فى واد غير الذى نعيش فيه أثناء  تناولهم  للقضايا المهمة، يتعاملون بالعاطفة من دون اتباع أى معايير مهنية، لذا غرقوا فى السطحية .....وما يثير الانتباه، ويحفز على الكتابة فى هذا الشأن ،أن السطحية  المفرطة تأتى متزامنة مع الحروب الاعلامية الموجهة ضدنا " وهذا هو بيت القصيد" .... ففى الوقت الذى تنفق فيه قنوات الدوحة واسطنبول مليارات الدولارات برعاية رسمية حكومية واستخباراتية،لتشويه صورة الدولة المصرية  " مؤسساتها وقيادتها" ، بغية التأثير بالأكاذيب على الميديا العالمية بشكل احترافى ، نجد أن لدينا  كم هائل من الانجازات على المستويين التنموى والاستراتيجى يصل صداها ببطء  شديد،عبر توضيح من المستويات العليا فى الدولة  أثناء الزيارات الخارجية أو المؤتمرات الدولية ، لأن بعض الاعلاميين يتعاملون معها على طريقة الصبية فى " أفراح الحوارى"، من دون التركيز على أهمية تلك الانجازات على كافة المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ففقدوا القدرة على حشد الطاقات للتفاعل مع تلك الانجازات ، بما يحقق توسيع دائرة الرضا عنها.... تعاملوا من دون جاهزية أوحرفية فى التعاطى معها، ومن دون دراية بأن رسالة الاعلامى ليس التهليل والصراخ والردح المهين، وفى هذا السياق، لا أستطيع انكار أن الاعلام المشبوه فى الدوحة واسطنبول، كثيراً ما يجد ضالته فى تلك السطحية ليشكك فى أي انجاز ... نعم لم ينجح فى مهمته العدائية، لكن ليس لأن بعض الاعلاميين لديهم مهارات  تدحض محاولات التشكيك باحترافية ، انما لأن الواقع على الأرض أصدق إنباءاً من فضائيات  الدوحة  واسطنبول .
 
 ان كان هذا عن مصيبة اغفال الانجازات التنموية  من قَبل بعض الشاردين عن توجهات الدولة، فالمصيبة كانت أكبر  فى تعاملهم  مع القضايا ذات البعد الاستراتيجى ، شاهدت وشاهد غيرى أن هؤلاء تحدثوا  كثيراً فى برامج "التوك شو "عن تنوع التسليح ،بصورة سطحية عاطفية مشحونة بالفرحة والتهليل العابر، وكأننا استوردنا حاويات لعب أطفال ، فعلوا هذا من دون التركيز على الجوانب المهمة فى دلالاتها ، مثل  توافر الارادة  الوطنية والسياسية لامتلاك أدوات القوة، والقدرة على تنوع مصادرها، وأن الدولة المصرية فرضت واقعاً جديداً على خريطة الدول الفاعلة والمؤثرة فى مسارات السياسة العالمية ، أؤكد مرة أخرى، مسارات السياسة العالمية ، وليس الاقليمية فقط ، ومن لا "يبصم" على هذه الحقيقة، ويقر بوجودها ، عليه الذهاب لأقرب مستشفي للعلاج النفسى .
 
يا سادة ياكرام علينا قراءة الواقع بكافة اشكالياته الاقليمية والدولية، وهذا يستلزم رسائل اعلامية قادرة على مناقشة  تلك الاشكاليات بصورة مهنية ،أكثر عمقاً  من التناول السطحى ، فالصراع يدور ـ الآن ـ من حولنا على الغاز باعتباره مستقبل الطاقة والتنمية فى كل بلدان العالم،لذا فان امتلاك مصر للمقاتلات المتقدمة والمتنوعة وحاملات الطائرات، وغيرها من الآليات والتقنيات العسكرية المتطورة، ليس ترفا ،أو محاولة للاستعراض على حساب الأوضاع الاقتصادية، لكنه ضرورة  للوجود والحياة  بعزة  بين شعوب الأرض، كما أن امتلاك عناصر القوة يعنى أن مصر ، وهذه حقيقة ،  أصبحت  يدها طويلة وطائلة، وقادرة على حماية أمنها القومى أينما كان وحيثما كان ، من افريقيا حتى حدود سورية مع تركيا،وقادرة على حماية ثرواتها الطبيعية من الغاز والاكتشافات البترولية فى البحر الأبيض ،وقادرة على تأمين قناة السويس من باب المندب بطول البحرالأحمر بلوغاً لمنابع النيل .... وهذا يحتاج رسالة اعلامية عميقة ومهنية مواكبة لتلك الانجازات !.
 
وفى النهاية ...اننى أطالب الدولة ومؤسساتها بالتدخل لحماية الاعلام من عبث الهواة، واتخاذ خطوات جادة لتوعية  البعض على كيفية التعاطى مع قضايا الأمن القومى، اسوة بالدول الكبرى، التى يمثل الاعلام أحد أهم أدوات أجهزتها السيادية ،فالاعلام لابد من أن يكون موجهاً، خاصة فى وقت الحروب والأزمات ، فما بالنا ونحن لدينا حروب  تدور على كافة الجبهات، منها معارك التنمية التى تستهدف القضاء على  الفقر والمرض والبطالة ، والحرب ضد الارهاب ، باعتبارها حرب مقدسة ضد  الفوضى والجهل والتخلف والعمالة، فضلا عن الحروب  الأخرى التى تدور على المستوى الاستراتيجى  لتأمين الحدود وحماية ثرواتنا من محاولات التحرش فى البحر المتوسط ، أيضاً ، لكى لا نترك البعض منا  فريسة للاعلام المضلل ،أو بمعنى أكثر دقة الاعلام المعادى، فان ترك الاعلام بعيدا عن توجيه الدولة وسيطرة مؤسساتها ،فهذا  يمثل جريمة فى حق هذا البلد ، جريمة لن يغفرها التاريخ .

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق