ما بعد "القرني"

الجمعة، 10 مايو 2019 11:40 ص
ما بعد "القرني"
هشام السروجي

تصريحات الداعية السعودي "عائض القرني"، بشأن عدوله عن تبني الأفكار المتشددة والترويج لها، يجب أن تخضع للدراسة والتحليل، فالرجل الذي ساهم بقوة في صنع مرجعية دينية راديكالية تخدم أصحاب "فقة الدم"، وساهمت في بناء أجيال مضطربة ومغيبه من الشباب، يخرج بكل بساطة معتذرًا عن الدور الكارثي الذي لعبه في صنع التطرف والرجعية الدينية.
 
الاعتذار وحده لا يكفي، يجب أن يكون مذيلًا بحجج وأسانيد فقهية، تفند وتفكك الأفكار التي أسسها وبناها على مدار عقود، وإلا أصبح في نظر هؤلاء المتطرفين "ضحية" للقمع والطواغيت الذين أجبروه على الاعتذار، يجب عليه أن يؤكد على المراجعات التي خرج بها هي نتاج فكري من البحث والتدقيق والدراسة الدينية الوافية.
 
القرني نموذجًا لمئات الوعاظ والرمزيات الدينية الذين أسسوا للفكر المتشدد، وهيئوا له الأرض والعباد حي يكون حركة عالمية تتغذي على دماء الأبرياء، ويهلك الحرث والنسل وينتشر في المجتمعات البسيطة انتشار النار في الهشيم، فالأمر لا يتوقف عند عائض فقط، بل من الضروري أن تكون هناك حركة مضادة أمام الباقيين من دعاة الدم، والتصدي للأفكار بالأفكار من خلال شخصيات من نفس الفصيل كعائض القرني وأمثاله ممن يُنتظر مراجعاتهم.
 
لكن الحقيقة الواضحة أن القرني ليس سوى حجر في قلعة الإرهاب، فهو وأمثالة ليسوا سوى مفوضين للتحدث بأسم الكيانات والدول التي صنعت ودعمت ودربت ومولت الإرهاب في العالم، وخلقت منه سلاح بالوكالة، ينفذ أجندتها ويحقق أهدافها بما يحقق لها مصالحها، اعتذار القرني هو أشارة إلى من يقف وراء تلك الصناعة الشيطانية، التي يجب أن تواجه من المجتمع الدولي بحقيقة جريمتها التي اقترفتها في حق البشرية، وأن تجبر على تفكيك خلاياها من الجماعات الإرهابية، وأن تقطع الحبل السوري بينهما كي تتحل ذاتيًا.
 
على المجتمع الدولي إذا توافرت لديه النية الصادقة في تغيير خريطة الصراعات وأدواتها، أن يواجه حقيقة واحدة، وهو أن الإرهاب صناعة مشتركة ساهم فيها الجميع، سواء بقصد من خلال خلق جماعات مسلحة بالأفكار والبارود لتخوض حروبًا بالوكالة، أو عن غير قصد بالمساهمة في انتشار الفقر والجهل والأفكار المتشددة، ولعل الفترة التي أعقبت موجة الثورات في الشرق الأوسط، كانت كاشفة لمن يقف وراء التنظيمات ويستخدمها في تحقيق أهدافه، سواء كانت دول عربية إسلامية وفرت الغطاء السياسي و الديني لهؤلاء المرتزقة، أو دول غربية خططت ووضعت الأهداف ووفرت التدريب والدعم اللوجستي، حتى أصبح لدى المواطن العادي خريطة أدوار كل فريق في صناعة الإرهاب.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق