عبث شرير بتاريخ مجيد

السبت، 11 مايو 2019 12:29 م
عبث شرير بتاريخ مجيد
حمدى عبدالرحيم يكتب:

ولد الدكتور منصور قبل سبعين عامًا، وتعلم فى المعاهد الأزهرية حتى   أصبح مدرسًا بجامعة الأزهر الشريف، ثم كثر الكلام عنه عندما بدأ يطعن فى حجية السنة القولية، وهى الكلام الذى تلفظ به الرسول وصح نسبه إليه، وبعدها طعن فى السنة العملية وهى التى تسجل أفعال الرسول  ومثالها الشهير قوله، صلى الله عليه وسلم: «صلوا كما رأيتمونى أصلى»، وقوله أثناء حجة الوداع: «خذوا عنى مناسككم».
 
وعن تلك السنة، قال الدكتور صبحى كلامًا كثيرًا جدًا، يُمكن تلخيصه فى نقطة واحدة، وهى: إن الإسلام هو ملة إبراهيم عليه السلام، وكل ما كان يتعبد به إبراهيم أحياه الإسلام، فصلاتنا الآن هى صلاة إبراهيم وكذا بقية العبادات، ولذا لا نجد القرآن قد شرح طرق أداء تلك الشعائر!
 
مَنْ قال للدكتور صبحى، إن الخليل عليه السلام، كان يصلى الظهر أربع ركعات سرية، ويجلس للتشهد مرتين؟.
 
من الواضح أن الدكتور يفترض فرضًا ويبنى عليه، غير ملتفت لأساسيات مدرسة التاريخ الإسلامى التى تهدر كل رواية لا سند لها.
 
ثم لم يبق أمام الدكتور صبحى سوى السنة التقريرية، فنسفها نسفًا.
 
السنة التقريرية، قال العلماء فى تعريفها: إنها ما فُعل بحضرة النبى فأقره، أو علم به فسكت عليه؛ لأنه لا يسكت على باطل، ولا يقر إلا حقا .
 
وعندما كان يسأل الدكتور صبحى عن حجته فى إهدار حجية السنة يقول: أعتمد على القرآن فقط، ما فيه يلزمنى، وما ليس فيه لا يلزمنى.ولقد أشار رسولنا الكريم فى حديث شهير لخطورة رد الدكتور صبحى فقال لأصحابه: «لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته، يأتيه الأمر من أمرى مما أمرت به أو نهيت عنه، فيقول لا أدرى، ما وجدنا فى كتاب الله اتبعناه».
 
والحال كما رأيت دخل الأزهر معركته مع الدكتور صبحى، الذى كان يرد للأزهر الصاع صاعين، وما أكثر ما كتب فى وصف الأزهر، قائلًا: هذا هو الأزهر الشريف للبلاستيك!
 
وانتهت المعركة بفصله من جامعة الأزهر، وكاد أمره ينتهى إلى مقبرة الصمت إلا أن أحد الأصدقاء ـ سامحه الله ـ بعث الرجل من صمته، عندما قال لى: الدكتور أحمد صبحى منصور، يقول: إن عمر بن الخطاب قد قتل أبا بكر الصديق!
 
الحق لم أصدق صاحبى، الذى لم أعرفه كذابًا، فسألته: هل سمعته بأذنيك ؟.
 
قال: لا، بعضهم ذكر ذلك أمامى.
 
قلت لصاحبى: رمى الناس بالباطل أو الشبهات، هو أمر عند الله عظيم، نبحث لنتأكد.
 
وليتنى ما بحثت، لقد قالها الرجل فى كتابات موثقة، وكررها كثيرًا كأنها علكة يمضغها.
 
عثرت على قناة على  اليوتيوب لا أعرف هل هى من ممتلكات الدكتور صبحى الخاصة أو أن بعضهم قد أطلقها من أجله، وعلى تلك القناة يأتى الدكتور منصور بكل عجيبة ونقيصة، ثم عثرت على موقع يحمل عنوان «أهل القرآن»، يخصص ركنًا ثابتًا لمقالات الدكتور صبحى، فقرأت فيه تفصيل ما قاله صاحبى.
 
فى تفصيل قتل الفاروق للصديق، قال صبحى: إن حلفًا مكونًا من عمر بن الخطاب وأبى سفيان بن حرب، كان يفرض أوامره على حلف مضاد، يضم أبا بكر وخالد بن الوليد.
 
طبعًا هذا الكلام دون أى وثيقة أو حتى قرينة أو حتى أوهى دليل، فالدكتور يفترض، وعلينا نحن أن نصدقه.
 
نعم علينا أن نصدق أن عمر بن الخطاب كان واقعًا فى غرام أبى سفيان، ومن أجل عيون هذا الغرام الحرام باع عشرة العمر، وهانت عليه معانى الأخوة، وترك وصايا النبوة، وهجر القرآن، وأصبح رجل مؤامرات، لماذا نصدق هذه الأكاذيب؟
 
لأن الدكتور صبحى يريد ذلك!.
 
حلف عمر كان يعلم أن حلف الصديق، يستمد قوته من وجود خالد بن الوليد، فعمل ذلك الحلف كثيرًا على عزل خالد من قيادة الجيش، وعندما تمسك أبو بكر بورقته الرابحة، قام عمر باغتياله، ثم عندما تولى   الخلافة قام بعزل خالد.
 
آه لو كان على الكلام جمرك، لدفع الدكتور صبحى الغالى والنفيس، لكى يمرر كلامه هذا، ولكن المشكلة أن الكلام مرسل لا قيد عليه.
 
فى كل ما سبق توجد حقيقتان، الأولى: أن الصحابة قد تحاربوا، ولكنهم عندما وقعت الفتنة بينهم كانوا رجال شرف وفروسية، فكان الرجل منهم يقاتل أخاه وجهًا لوجه وسيفًا لسيف وليس بالاغتيال والخداع، والذين وقعت الفتنة بينهم لم يكونوا على عهد الصديق ولا الفاروق، لقد بدأت الفتنة بعد عهدهما بسنوات.
 
الحقيقة الثانية: أن الفاروق عندما تولى الخلافة قد عزل خالدًا، ولكن عزل خالد كان فى سياق بعيدًا جدًا عن سياق المؤامرات والأكاذيب التى يروج لها الدكتور صبحى.
 
عن قتل الفاروق للصديق، يقول الدكتور صبحى:  
 
1 ـ إنّ أبا بكر مات مسموما بمؤامرة  عمر، فقد كان المسيطر على أبى بكر فى خلافته، ثم كان المستفيد من موته فتولى الحكم بعده، وساعده طلحة وعثمان وعبد الرحمن بن عوف، وقد كانوا مع عمر فى مشهد موت أبى بكر ودفنه ومبايعة عمر بعده، وسنراهم فى مؤامرات تالية.
 
2 ـ ولأنها مؤامرة قتل فإن عمر أسرع بدفن الضحية ليلا، وقبل صباح اليوم التالى، ودون جنازة يحضرها الناس، بل ومنع النواح عليه، والروايات كلها تتفق فى دفن أبى بكر ليلا بمجرد وفاته، دون أن ينتظر عمر للصباح. 
 
لا حول ولا قوة إلا بالله، أهذا هو البحث العلمى الذى يقدمه أستاذ تاريخ ؟.
 
أهذا تاريخ أم خيال ظل؟.
 
الدكتور صبحى لا يملك دليلًا واحدًا، يقدم من خلاله قراءة جديدة لتاريخنا، هو فقط يمتلك خيالًا شريرًا، فكل عسل عند الرجل هو سم، وكل براءة هى حيلة، وكل طهارة هى نجاسة، هل الدفن ليلًا يعنى التخلص من الجريمة؟.
 
ثم أين ذهب كل الصحابة وعلى رأسهم فتى الفتيان على، فارس الإسلام وفقيهه وفيلسوفه، هل شارك فى التغطية على جريمة قتل، أم تراه كان مخدرًا؟.
 
ثم أين ذهبت أسرة الصديق والرجل من قلب قريش ؟.
 
هل سكتوا جميعًا أم كانوا غائبين عن الوعى ؟.
 
الدكتور صبحى لا يمكنه الرد على هذه الأسئلة وغيرها، لأنه يخبط «خبط عشواء»، ويعبث وهو الرجل الذى جاوز السبعين بأصابع صبيانية فى متن تاريخ مجيد.
 
المسلمون خلق من خلق الله وأمة من الأمم، وتاريخهم به النبلاء والأوباش والفجار والأبرار والقتلة والأبرياء، فلم شن صبحى غارته على أبى بكر وعمر والطبقة الأولى من الصحابة؟.
 
إنها يا صاحبى خطة تسميم المنابع وحرق الجذور، هو ذهب إلى   الشيخين الجليلين وقدمهما على هيئة رجال العصابات، فأبو بكر عنده ليس مقتولًا فى مؤامرة فحسب، بل كان لصًا سرق «خزينة» الدولة!.
 
إن القرآن الذى ينسب الرجل نفسه إليه يتحدث صراحة عن رضوان الله عن الذين بايعوا النبى تحت الشجرة، وكان أبو بكر وعمر على رأس المبايعين، فكيف أصبحا فجأة رجال عصابات ؟.
 
ثم السنة، عفوًا لقد نسيت أن صبحى لا يعترف بالسنة.
 
ثم كد وتعب أجيال عظيمة من المؤرخين، الذين دونوا تاريخنا بالحرف والكلمة، كل هذا يرميه صبحى وراء ظهره .
 
فلا دليل ولا وثيقة ولا حتى ذكاء فى قراءة الروايات التاريخية، لقد نسى الرجل فى حمى الكتابة القرآن الذى يتشدق به، قال القرآن: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى  ٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ».
 
والحمد لله فقد تبينا فلم نجد إلا خيال شر ومقولة بهتان.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق