حجب مواقع «السرقة» وتبرير الحرام

السبت، 18 مايو 2019 01:49 م
حجب مواقع «السرقة» وتبرير الحرام
أيمن عبدالتواب يكتب:

على المصريين أن ينظروا إلى قرار الحجب من كل الزوايا، ويضعوا أنفسهم مكان المنتجين
 
ماذا تفعل حال سرقتك؟ أتستسلم وتقعد تندب حظك، أم تتخذ الإجراءات القانونية اللازمة لاسترداد حقوقك المسلوبة منك؟ وماذا تفعل إذا ما وجدت لصوصًا يسرقون أشخاصًا آخرين، هل تساعد فى سرقتهم، متأثرًا بالمقولات السلبية السائدة: «ما كلهم بيسرقوا.. هى جات عليا.. هو أنا إللى هغير الكون؟!»، أم ستأخذك الشجاعة والشهامة والمروءة، وتقف إلى جوار ضحية السرقة، وإن كنتَ تكرهه، وحتى لو كان عدوك، أو يستغلك؟ فالسرقة سرقة، ولا مبرر لها، حتى وإن اختلت المعايير، وانسحبت القيم.
 
ثم ماذا تفعل إذا ما لجأت إلى القانون، لكن وجدت القائمين على تنفيذه يتراخون فى أداء مهامهم، هل تكفر بالقانون وتساعد فى هدم أركانه؟ أم تدعمه، وتقف إلى جواره حتى تتحقق غاياته؟
 
الطبيعى والمنطقى أن تقاوم، وتقاتل؛ حتى تسترد ما سُرِق منك، وتسبب فى خراب بيتك، وتشجع دولة القانون، حتى وإن كان هناك قصور فى تطبيق هذا القانون، أو كانت هناك انتقائية ومزاجية فى تطبيقه، وهذا ما شرعت فيه الدولة المصرية- الآن- لحماية حقوق مواطنيها، بتفعيل قانون حماية الملكية الفكرية، وحجبت عددًا من مواقع القرصنة، التى كانت «تسطو» على أعمال وإنتاج، وجهود الغير، وتعرضها عبر منصاتها، محققة أرباحًا هائلة، دونما أى مجهود، ومخلفة خسائر فادحة لمنتجى هذه الأعمال.
 
وللأسف الشديد، هذه الإجراءات القانونية لم تعجب كثيرا من المواطنين، وبدلًا من يرفعوا القبعة لدولة القانون، ويشجعونها، ويستحثونها على تفعيل كل القوانين المتعلقة بحياتهم، وتحفظ لهم حقوقهم، راحوا يهاجمون أجهزة الدولة، ويسخرون منها، ويتهمونها بأنها تريد «العكننة» عليهم فى شهر رمضان، وتحرمهم من متعتهم «الحرام» فى الشهر الفضيل!
 
ربما يختلق البعض أعذارًا للغاضبين من قرار حجب المواقع الإلكترونية، التى تعرض الأعمال الدرامية «المسروقة» عبر منصاتها، ولعل هذه المبررات تعود إلى «القناعة الخاطئة» لكثير من المواطنين بأن «السرقة الحرام» هى المتعلقة بـ«أخذ المال خفية»، بشرط «أن يكون السارق مكلفا،وأن يسرق من المال قدر نصاب، وأن يسرقه من مكان محروز بحرز المثل، وألا يكون للسارق فيه ملك أو شبهة ملك، وأن تثبت السرقة بالبينة الشرعية، عند القاضى الشرعى»، حسبما ورد فى كتب الفقه.
 
وقد يهاجم البعض هذا القرار عن «جهل» حقيقى، دون علمٍ بما تعنيه «الملكية الفكرية»، وأن الهدف من إنشاء قانون خاص بحمايتها متعلق بكل إنتاج الفكر الإنسانى من إبداعات، مثل الاختراعات، والأعمال الفنية والأدبية، والمصنفات المبتكرة فى الفنون الجميلة كالنحت والرسم، والموسيقى، بالإضافة إلى النماذج الصناعية والعلامات التجارية... إلخ.
 
ويحق لمالك الفكرة- أيًا كانت- أن يمنع الآخرين من الاستفادة من فكرته، التى تحولت إلى منتج يدر ربحًا على المستفيد منها، دون الحصول على إذن مسبق منه، كما تحق له مقاضاتهم فى حالة التعدى على حقوقه والمطالبة بوقف التعدى أو وقف استمراره والتعويض المناسب عما أصابه من أضرار.
 
هنا ينبغى التأكيد على أن حماية حقوق الملكية الفكرية لا تعنى احتكار الأفكار على الآخرين، فلا مجال للتشابه بين الاثنين، فالإعلان العالمى لحقوق الإنسان يسمح لأى مبدع أو مبتكر بالاستفادة من عمله وتعبه واستثماره، وينص على «حق الاستفادة من حماية المصالح المعنوية، والمادية الناجمة عن نسبة النتاج العملى، أو الأدبى، أو الفنى إلى مؤلفه».
 
ما نود التأكيد عليه أن ما أقدمت عليه مصر بحجب مواقع «السرقة والسطو والقرصنة» على يوتيوب، وإنشاء منصة «watch it» مدفوعة الأجر، ليس بدعة مصرية، فقد سبقتها قنوات عربية مثل مجموعة قنوات «mbc» التى أنشأت موقعين على الإنترنت باسم «شاهد» و«شاهد بلس»، لعرض برامجها وإنتاجها الدرامى عليهما، مقابل اشتراك مادى.
 
على المصريين أن ينظروا إلى قرار الحجب من كل الزوايا، ويضعوا أنفسهم مكان المنتجين، فهل يرضون الخسارة لأنفسهم؟ كما عليهم أن يعلموا أن زمن «أبوبلاش» انتهى، وصرنا فى زمن «ادفع تحصل على ما تريد»، كما أن المغالاة فى ثمن أى سلعة ليس مبررًا لسرقتها، خاصة إذا كانت سلعة ترفيهية، وليست طعامًا ولا شرابًا تتوقف حياتك عليها حال عدم تناولها، أليس كذلك؟!

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق