قانون الزراعات التعاقدية ما زال حبيس الأدراج.. الفلاح يحتاج لتفعيله

الإثنين، 24 يونيو 2019 10:00 ص
قانون الزراعات التعاقدية ما زال حبيس الأدراج.. الفلاح يحتاج لتفعيله
زراعة وتسويق القطن
محمد أبو النور

في عام 2015، أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي قرارا جمهوريا، يحمل رقم 14 لسنة 2015، بإنشاء مركز الزراعات التعاقدية، وقد نشرت الجريدة الرسمية وقتها القرار، فى عددها رقم 9 مكرر (ج) فى 4 مارس سنة 2015.

وجاء صدور القرار الجمهورى حينها، تتويجا لجهود خبراء الزراعة والقانون والتسويق الزراعى، والمطالبات العديدة، على مدى سنوات طوال، بحثا عن طوق النجاة، الذى يكون حِصنا، يحمى ويقى الزراعة والمزارعين، ضد الخسائر الفادحة، التى يتعرض لها المزارعون والفلاحون وصِغار المستثمرين الزراعيين، من عامٍ لآخر، نتيجة إصابة الزراعات والحاصلات بالآفات والحشرات الزراعية، وكذلك توفير الحماية لهم ولمحاصيلهم، ضد التقلبات الجوية والمناخية، وأيضا ضد تقلبات الأسعار، والكوارث الطبيعية والبشرية.

مواد وبنود قانون الزراعة التعاقدية

قبل الخوض فى مزايا قانون الزراعات التعاقدية، وآثاره الطيبة على الزراعة والمزارع المصرى، ودوره فى زيادة الإنتاج الزراعى، للاستهلاك المحلى والتصدير للخارج، نلقى الضوء على مواد القانون، والتى تنص مادته الأولى: على أن الزراعة التعاقدية، هى الإنتاج الزراعى أو الحيوانى أو الداجنى أو السمكى، الذى يتم استناداً إلى عقد بين المُنتِج والمُشترى، يلتزم بموجبه المُنتِج بالتوريد طبقاً للكميات والأصناف والجودة والسعر وغيرها، من الشروط التى يتضمنها العقد.

بينما تنص المادة الثانية من القرارعلى أنه، ينشأ بوزارة الزراعة واستصلاح الأراضى، مركز يسمى (مركز الزراعات التعاقدية)، فيما جاءت المادة الثالثة، والتى احتوت على خمس نقاط، أولها التأكيد على تسجيل عقود الزراعة التعاقدية، متى طُلِب أى من الطرفين ذلك، وثانى النقاط التوعية والإرشاد والترويج للزراعات التعاقدية، والثالث كان وضع نماذج استرشادية للعقود المشار إليها.

ورابعها إنشاء قاعدة بيانات ومعلومات واتاحتها لمن يطلبها من المنتجين أو غيرهم من المتعاملين فى السوق، أمّا الخامس فهو الفصل فى المنازعات، التى تنشأ عن تفسير أو تنفيذ عقود الزراعة التعاقدية أو بسببها، عن طريق التحكيم، متى تضمنت تلك العقود شرط اللجوء إلى التحكيم، لدى المركز ويكون القرار الصادر فى التحكيم ملزما للطرفين، وفقاً للقواعد والإجراءات التى يصدر بها قرار من وزير الزراعة واستصلاح الأراضى، كما تطبق هذه القواعد والإجراءات على أى تحكيم يلجأ فيه المتحكمون إلى المركز اختياريا.

فيما أكدت المادة الرابعة، على أنه يصدر وزير الزراعة واستصلاح الأراضى، قراراً بتعيين رئيس المركز لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد، ويحدد هذا القرار معاملته المالية، وقالت المادة الخامسة أنه يصدر وزير الزراعة واستصلاح الأراضى القرارات المنظمة للعمل بالمركز، بينما أوجبت المادسة السادسة أن ينشر هذا القرار بقانون فى الجريدة الرسمية، ويعمل به اعتباراً من اليوم التالى لتاريخ نشره.

20171225164809035
زراعة وتوريد القطن

هدف قانون الزراعة التعاقدية

وفى مزايا وفوائد القانون وتطبيقه، على الزراعة والمزارعين وعلى الإنتاج الزراعى، فقد أفاض فيها الخبراء الزراعيين والقانونيين وخبراء التسويق الزراعى محلياً وعربياً ودولياً، كما شارك فى توضيح هذه المزايا، وزراء الزراعة الحاليين والسابقين، ومن هذا الجهد، محاضرة عن الزراعات التعاقدية، بمديرية الزراعة بكفر الشيخ، فى عام 2015، للدكتور سرحان سليمان، الأستاذ  بمعهد بحوث الاقتصاد الزراعى، قسم بحوث التسويق، غير أننا سنختار وجهة نظر ودراسة  للدكتور عادل عامر، نظراً لضيق المجال، والتى حدد عنوانها بـ «رؤية قانونية للزراعة التعاقدية».

وقال إن الهدف الرئيسي، من قانون الزراعة التعاقدية، هو تسهيل عملية تسويق المحاصيل الزراعية، بما فيها محاصيل صغار المزارعين، لأن  تكبد الفلاحين خسائر فادحة خلال الأعوام الماضية، نتيجة لما تحملوه من تكلفة زراعة أراضيهم، وأنهم خلال موسم الحصاد لم يجدوا من يشتري إنتاجهم، فاضطروا أن يطعموه للمواشي، وأن منهم من حاول تسويقه بأسعار رخيصة مقارنة بتكلفته.

وأكد أن زيادة الإنتاج عن الاستهلاك، تؤدي إلى انخفاض الأسعار إلى أدنى مستوى، وهو ما يسبب خسائر فادحة للفلاحين، لأن محصول مثل الذرة الشامية هو أول المحاصيل، التي سيُطبَّق عليها القانون، لأنها أحد المكونات الأساسية للأعلاف والثروة الحيوانية والداجنة، وأنه يتم استيراد ما يقرب من 6 ــ 7 ملايين طن سنوياً لتلبية احتياجاتها، وأن المنتج المحلي أعلى جودة من المستورد، بسبب ارتفاع نسبة البروتين به، والتي تصل إلى 9%؛ وهو ما يزيد من كفاءة معامل تحويل العلف إلى لحوم.

download (1)
زراعة وتوريد بنجر السكر

ويرى الدكتور عادل عامر، أن هذا القانون من شأنه الارتقاء بمستوى الفلاح؛ لأنه يوضح سعر المحصول قبل أن يبدأ في زراعته، بجانب تحديد المساحات الزراعية بكل محصول، وفقًا للاحتياج المحلي والسوق العالمي، وبذلك تحصل جميع الحلقات المشاركة في العملية الزراعية على الأسعار المناسبة للإنتاج، بعكس ما كان يحدث في السابق، حيث كان الفلاح أضعف حلقة في سلسلة التسويق؛ لخضوع الدولة لمافيا تجار الاستيراد، الذين يتحكمون في أسعار المحاصيل الزراعية وفقًا لمصالحهم الشخصية، دون النظر للفلاح البسيط.

فلاح وتاجر ومُستهلِك

وتابع الدكتور عادل عامر: جموع الفلاحين نادوا بهذا القانون، ولم تستجب الدولة لهم، سواء في الجمعيات الزراعية أو الاتحاد المركزي الزراعي، ولفت إلى أن تحرير الزراعة في مصر يضر بالفلاح والدولة؛ لأنه ألغى الدورة الزراعية التي تحافظ على خصوبة الأراضي وتحمي التربة من الآفات المستوطنة؛ لعدم تكرار زراعة المحصول في نفس قطعة الأرض، بجانب أن القانون يلزم جميع الأطراف بإعطاء كل ذي حق حقه من «فلاح وتاجر ومستهلك».

وأوضح أنه يُعَدُّ خطوة جيدة لإعادة الفلاح إلى مهنة الزراعة بعد هجره لها؛ للسيطرة على اتساع الفجوة الغذائية، وأن مصر من أكثر الدول فى العالم حاجة لتطبيق نظام متكامل للزراعة التعاقدية للأسباب عديدة، منها ضعف الترابط بين المنتجين والأسواق، وزيادة معدلات التفتت فى الزراعة المصرية، والانخفاض الواضح لنصيب المزارعين من أسعار المستهلكين، مع تعاظم أنصبة الوسطاء، أيضاً انخفاض نسب التصنيع للمنتجات الزراعية، مقارنة بالعديد من الدول، وتعرض المزارعين لتقلبات شديدة فى أسعار منتجاتهم.

إنتاج سلع زراعية بموجب اتفاقات

كما أن مفهوم الزراعة التعاقدية، يتمثل فى إنتاج سلع زراعية بموجب اتفاقات أو عقود مستقبلية النفاذ، وعادة ما تكون مصحوبة بأسعار متفق عليها مسبقاً، وأن الهدف الرئيسي من تطبيق الزراعة التعاقدية، هو وضع أطر مؤسسية وتشريعية وتنظيمية، لنظام تداول المنتج الزراعي، وتغيير أسلوب البيع والتداول الحالي، والمعتمد على السلاسل الزمنية.

-e1499754227769
زراعة وتوريد الذرة الشامية

ومن مزاياها: ضمان تسويق المنتج، وإتاحة مصادر تمويلية إضافية لصغار المزارعين، حيث يمكن استخدام العقود المبرمة، في الحصول على قروض من البنوك، وغيرها من المزايا الأخرى للمزارعين والمصدرين والمنتجين، كما أنها تزيد من فرص نجاح تحسين أسعار المزارعين، عندما يكون التطبيق من خلال تجمعات زراعية فعالة، مثل الجمعيات الزراعية، وتحمي حقوق المنتجين والمزارعين من تلاعب بعض المسوقين للمنتج.

كما تتيح حصول المنتج أو المزارع على دفعات نقدية خلال فترة الزراعة، وأن العقود تتأسس على التزام المزارع، بإنتاج وتسليم منتج زراعى معين، بكميات ومستويات جودة متفق عليها، وفى خلال فترة زمنية محددة ،ولفت الدكتور عادل عامر، إلى أنه قد تشمل بعض العقود، التزام المشترى سواء كان مصدراً أو مصنعاً أو تاجراً بتقديم بعض الخدمات الإرشادية المتخصصة أو الخدمات التمويلية، وذلك فى حدود متفق عليها ومدونة بالعقد.


ضمانات تسويقية ومستقرة

وقال الدكتور عامر، إنها تحقق للمنتجين ضمانات تسويقية ومستقرة، وبذلك يطمئن المزارع إلى تسويق منتجاته بأسعار مرضية، قبل اتخاذ قرار الزراعة، كما تتيح الفرصة للمزارعين استخدام تقنيات زراعية متطورة، تحقق زيادة فى الانتاجية، وتحسين مستوى جودة الإنتاج وهو ما يؤدى إلى تحسين دخول المزارعين.

وأشار إلى ضرورة أن يرتكز القانون، على عدد من الأعمدة الأساسية، وهى طرفى التعاقد، أصحاب المُنتَج كطرف أول، والمشترى أيا كان طرف ثان، والثالث هو من يمتلك القدرة والخبرة الكافية، للبت فى تحديد الطرف المُخِل بالتزاماته فى العقود، وتسجيل العقود المبرمة، ويلزم أن يكون محايداً وخبرة فنية كافية، ونظام لتأمين العقود المبرمة، تتولى مسئولياته شركات التأمين الحالية، حيث تقوم الشركة فى حالة الإخلال بالعقود، تعويض المتضرر بنسبة 75% من قيمة العقد، ونظام ائتمانى يقوم بتوفير القروض المناسبة للمزارعين، بضمان العقود المبرمة، والمُؤمّن عليها فى شركات التأمين.

797

زراعة وتسويق البطاطس

كما تتيح الزراعة التعاقدية، التسويق الملائم فى جميع الأسواق ،من خلال عناصر البنية التسويقة المتعددة، ومنها المخازن المُبرِدة ،ومحطات الفرز والتعبئة فى صورة عمل جماعى مركزى، وهو ما يحقق وفرة فى اقتصاديات تشغيل هذه التسهيلات، مع إمكانية إقامة مناطق زراعية متخصصة، تساعد على نجاح الحد من انتشار الأمراض والأوبئة الزراعية، كما أن مزايا الزراعة التعاقدية، تفيد المُصدّرِين والمُصنّعين، مثل المنتجين والمزارعين فى عدة جوانب، منها إتاحة التعاقد المسبق، لتصدير كميات محددة من المنتجات الزراعية، وهو ما يساعدهم على الاستفادة من الفرص التسويقية المناسبة، للأسواق الخارجية، وبالنسبة للمصنعين فإن الزراعة التعاقدية، ستعمل على زيادة معدلات التشغيل، فى وحدات التصنيع، وهو ما يساعد على تقليل سلبيات الطاقات العاطلة ويقلل تكلفات الإنتاج، وهو ما يساعد فى زيادة القدرة التنافسية للمنتجات المصنعة.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق