هل تسامح المخطئ أم تعاقبه؟

الخميس، 27 يونيو 2019 09:30 ص
هل تسامح المخطئ أم تعاقبه؟
أيمن عبد التواب يكتب:

لماذا نطالب-غالبًا- بالسماح والصفح عن الكبير/ القوي/ المشهور/ الغني الذي أخطأ، لمجرد اعتذاره.. بينما قد لا تأخذنا رأفة بالصغير/ الضعيف/ المغمور/ الفقير حتى لو اعتذر مليون مرة؟ لماذا نطالب بالصفح عن المخطئ، طالما أنه لم يخطئ في حقنا، أو في أحد يخصنا؟ لماذا لا نترك الأمر لأصحاب الشأن، إن شاءوا قبلوا الاعتذار، وصفحوا وغفروا وسامحوا، وإن شاءوا عاقبوا؟
 
ضع نفسك مكان الضحية أو المجني عليه، هل تسامح المخطئ أو المجرم في حقك؟ هل تصفح عن لصٍ حاول سرقتك، لمجرد اعتذاره بعض أن ضبطته متلبسًا؟ هل تغفر لأحدهم تحرشه بابنتك، أو بواحدة من أهل بيتك، أو من أقاربك، حتى ولو كان التحرش برضاها، لمجرد أنه قال لك: «مش هعمل كده تاني»، أم ستقتله، لأن الخطأ هنا متعلق بالشرف الذي يراق على جوانبه الدم؟ 
 
المؤكد ان السماح، والصفح، والغفران، صفات إنسانية عظيمة.. والاعتراف بالخطأ والاعتذار عنه- دون ضغوط- أجمل، وأفضل.. أما الاعتراف بالخطأ والاعتذار عنه، نتيجة ضغط ما، أو هربًا من عقوبة متوقعة، فلا قيمة له على الإطلاق.
 
كما أن الاعتراف بالخطأ والاعتذار عنه، طواعية، ليس مبررًا لعدم توقيع عقوبة مناسبة على المخطئ؛ حتى ولو قبل المخطئ فيه حقه الاعتذار.. ذلك أن هناك حقًا تربويًا، وحقًا مجتمعيًا من توقيع العقوبة. وهذان الحقان لا يمكن إغفالهما أو التعامي عنهما. كما أنهما لا يتنافيا مع ديننا الحنيف. بل العكس هو الصحيح، خاصة إذا كان المخطئ أو المذنب شخصًا يشار إليه بالبنان، ولا يمثل نفسه، بل يمثل مجموعة كبيرة، وواجهة دولة. 
 
أنت قد تتساهل مع خطأ ابنك أول مرة، وتسامحه، على نفس الخطأ، في المرة الثانية، لكن المؤكد أنك ستوقع عليه عقوبة مناسبة، حال تكراره الخطأ في المرة الثالثة، كوسيلة من وسائل التربية، وحتى لا يتمادى في الخطأ، وحتى لا تخلق منه شخصية مستهترة، لا تتحمل المسؤلية.
 
هنا لا تقل لنفسك: «مَنْ كان منكم بلا خطيئة»، أو «ما إحنا كنا بنعمل أوسخ من كده وإحنا صغيرين».. لماذا؟ لأنك إن فعلت ذلك تكون كالدبة التي قتلت صاحبها، وتكون شريكًا لابنك في أخطائه، فأنت، وإن كنت فعلت أخطاء ابنك، حين كنت في مثل عمره، لكنك أصبحت في موقع الراعي المسؤول عن رعيته، فلابد أن تتخذ قرارت لتقويم الرعية؛ حتى لا يفلت منك زمامها.
 
في عهد أمير المؤمنين، عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، اشتهر الشاعر جرول بن أوس بن مالك، الملقب بـ«الحطيئة»، بهجائه المقذع، ومدحه مَن لا يستحق المدح، وكان الناس يتحاشونه خوفًا من أن يكونوا ضحية لسانه السليط.
 
ومما يُروى عن الحطيئة، أنه جاء المدينة في سنة مجدبة، فلما علم أهلها بمجيئه تشاورا فيما بينهم، وقال أحدهم: عليكم أن تفكروا بالعواقب.. فهذا الحطيئة ينزل على القوم، فإن أكرموه مدحهم، وإن لم يعطوه هجاهم.. فاشتروا عرضكم وسمعتكم ولو ببعض المال.
 
وبالفعل اتفقوا على أن يجمعوا من أهل المدينة، كلٌ حسب طاقته، ودفعوا له أربعمائة دينار، وظنوا أنهم قد أغنوه، ولكن فوجئوا به يوم الجمعة يهجوهم أمام المسجد.
 
وفي واقعة أخرى، هجا «الحطيئة» الزبرقان بن بدر، بقصيدة يقول فبها:
دع المكارمَ لا ترحل لبغيتها
واقعد فإنك أنت الطاعُم الكاسي
 
فلما شكاه إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، عاقبه الخليفة بوضعه في بئر.. وأمام هذا العقاب، الذي لم يتوقعه الحطيئة، نظم أبياتًا يقول في بعضها:
ماذا تقول لأفراخٍ بذي مرخٍ 
زغب الحواصل لا ماءٌ ولا شجرُ
 
ألقيت كاسبهم في قعر مظلمةٍ
فاغفِرْ عليك سلامُ اللهِ يا عمرُ
 
فَرَقَّ قلب الفاروق لحال صغار الحطيئة، وعفا عنه، ولكن الخليفة عمر لم يرضه أن يتناول الشاعر الآخرين بالهجاء والشتم والقذف، ولذلك لم يتركه يذهب هكذا، بل كاد أن ينفذ تهديده يقطع لسانه، فلم يملك الحطيئة إلا أن يؤكد للخليفة إقراره بالكف عن الهجاء.
 
الخلاصة.. كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون.. لكن «مَن أمن العقاب أساء الأدب».. و«إن الله لَيَزَعُ بالسلطان ما لا يَزَعُ بالقرآن».. وقد نضطر لمعاقبة شخص للحفاظ على استقرار الآخرين. فهل وصلت الرسالة؟!

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق