«مصانع الدرفلة» أثرياء الحرب التجارية العالمية.. تصريف فائض إنتاج الحديد وراء ظهور السماسرة

الإثنين، 01 يوليو 2019 08:00 م
«مصانع الدرفلة» أثرياء الحرب التجارية العالمية.. تصريف فائض إنتاج الحديد وراء ظهور السماسرة
منتج حديد - ارشيفية
كتب: مدحت عادل

 

في كل أزمة سياسية أو اقتصادية أو تجارية تظهر دائما فئة من أصحاب المصالح لاستغلال الفرص المتاحة لتحقيق أكبر مكاسب ممكنة من النزاع على حساب الأطراف المعنية بالأزمة، وعلى شاكلة هذه الظاهرة يحفل التاريخ بقصص مختلفة لأصحاب مصالح لديهم قدرة فائقة على رصد النزاعات التجارية والدخول فيها والخروج منها محملين بأموال ومكاسب وأرباح طائلة واستثنائية قد لا تتكرر إلا وقت الحروب التجارية فقط.

مارس 2018 يشكل هذا التاريخ علامة فارقة في تاريخ التجارة العالمية، عندما أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قرارا بفرض رسوم حماية بنسبة 25% على واردات الولايات المتحدة الأمريكية من الصلب، حيث دخلت التجارة العالمية منذ هذا التاريخ في نفق مظلم ومشهد غير واضح المعالم، وبناءا عليه بدأت تتشكل فئات من أصحاب المصالح لبحث الفرص المتاحة لاستغلال الأوضاع التي ترتبت على الأزمة التجارية في مصر، وكانوا هم أصحاب مصانع الدرفلة " مصانع تستورد الحديد نصف مصنع وتكتفي بالدرفلة فقط".

وللوصول إلي الصورة الكاملة حول حقيقة الأزمة الحالية بين مصانع الحديد المتكاملة ومصانع الدرفلة هناك مؤشرات يجب أن تؤخذ في الاعتبار، من بينها توقف عمليات تصدير منتجات الصلب المصرية، والتي بلغت خلال عام 2017 حوالي 512 مليون دولار، وهو ما يعني التضحية بعائد تصديري الدولة في أمس الحاجة إليه، في حين أن حديد التسليح المنتج من خلال البيليت المستورد لن يتم اعتباره منتجا ذي منشأ مصري حتى يمكن إعادة تصديره وفقا لقواعد المنشأ الأورومتوسطية التي يطبقها الاتحاد الأوروبي وحوض البحر المتوسط، ويكتسب منتج الصلب صفة منشأ الدولة إذا بدأت عملية تصنيعه باستخدام الصلب السائل، وبالتالي فإن حديد التسليح " بند جمركي 7213 – 7214" المدرفل باستخدام بيليت غير مصري "بند جمركي 7207" لا يكتسب صفة المنشأ المصري داخل الأسواق الأوروبية.

ويهدد الاعتماد على مصانع الدرفلة فقط بتوقف أفران الاختزال وإضطرار الشركات المصرية التكاملة إلي الإخلال بعقود توريد خام الحديد لها، وهي عقود تمتد لأكثر من 10 سنوات، وبالتالي خسارة لسمعة الشركات المصرية بالخارج، ومن الصعب استعادة هذه السمعة بسهولة في فترات لاحقة، كما أن التوسع في الاعتماد على البيليت المستورد لإنتاج حديد التسليح يحمل مخاطر كبيرة تتعلق بسلامة الإنشاءات في مصر، حيث أن الشركات المتكاملة فقط هي التي يتوفر فيها فرصة تتبع إنتاج الحديد في كل مراحله وحتى التأكد من استدامة المواصفات لكل الإنتاج، بعكس مصانع الدرفلة والتي لا يمكنها بأي حال التأكد من جودة منتجها النهائي لصعوبة تتبع أثره.

وشهدت الفترة الماضية ظهور أدلة قوية من خلال المتابعة المعملية أن هناك كم لا بأس به من حديد التسليح الذي يتم تسويقه وتداوله حاليا في مصر غير مطابق للمواصفات، فحتى إن كانت قد أخذت منه عينات لا يمكن أن تعبر عن كامل وتجانس الإنتاج، إلي جانب تعاظم الأثر السلبي الهائل للتوسع في استخدام حديد التسليح من بيليت مستورد، بالتزامن مع الطفرة الإنشائية في مشروعات قومية، كما هو الحال في مصر، خاصة بالنسبة لمشروعات الأنفاق والكباري والعاصمة الإدارية، بل ومشروعات كبرى تحتاج إلي شهادة جودة من كبرى مؤسسات اعتماد جودة نظم ومنتجات الصلب مثل مشروعات المحطات النووية، وفي مقدمة تلك المؤسسات الهيئة البريطانية لاعتماد جودة الصلب والتي تتطلب لاعتماد جودة التسليح القدرة على ربط المنتج لصبة الصلب.

محصلة النتائج التي ترتبت على الحرب التجارية الأمريكية الصينية في مصر حتى الآن، تشير إلي حد كبير ظهور مجموعة من المنتفعين والسماسرة تسعى إلي إغراق السوق المصرية بالبيليت المستورد وتصريف الفائض الضخم من الإنتاج العالمي عن طريق مصانع الدرفلة بأي سعر، بدليل نزول مصانع الدرفلة بالأسعار إلي مستويات لا تعكس أي كفاءة اقتصادية وتحقق لهذه المصانع هامش ربح يصل إلي 1626 جنيه للطن، مقابل خسارة عند نفس المستوى السعري للمصانع المتكاملة تصل إلي 469 جنيه للطن، كما أن هامش المتوفر لمصانع الدرفلة لا يعبر عن كفاءة أعلى في الإنتاج لمصانع الدرفلة أو توظيف لتكنولوجيا أحدث من تلك المستخدمة للمصانع المتكاملة، وإنما بسبب محاولات مصدري البيليت عالميا لتصريف منتجاتهم بأي سعر يغطي التكلفة المتغيرة لإنتاجه في دولتهم.

وفي المقابل يشكل يمثل تحقيق الخسائر تهديد للمصانع المتكاملة في مصر ذات القيمة المضافة الأعلى بنحو 4 أضعاف، والتقنيات الأعلى والاستثمارات الأكبر بنحو 5 أضعاف، والعمالة الأضخم نحو 26 ألف عامل يمثلون أكثر من 86% من عمالة القطاع في مصر بالكامل، بالإضافة إلي الأجور الأكثر استدامة.

وأصدر المهندس عمرو نصار، وزير التجارة والصناعة، قرارا في إبريل الماضي يقضي بفرض رسوم وقائية مؤقتة بنسبة 25% على واردات حديد التسليح والصلب و15% على البليت "خام الحديد" لمدة 180 يوما اعتبارا من يوم الاثنين، وأعتبرت وزارة المالية الهدف من القرار هو حماية الصناعات الوطنية من المنافسة غير العادلة من المنتجات الأجنبية.

وشهدت الشهور التالية لقرار الرئيس الأمريكي بفرض رسوم حماية على واردات الصلب تامة الصنع وشبه المصنع، قيام عدد كبير من الدول بفرض إجراءات حمائية إضافية على وارداتها من الصلب لتحصين صناعتها الوطنية ضد أي مخاطر محتملة، حيث تبنت دول الاتحاد الأوروبي إجراءات حمائية مؤقتة تتمثل في تطبيق نظام الحصص، وتم فرض رسوم جمركية إضافية على واردات الصلب من الخارج بنسبة 25% في حالة تجاوز إجمالي الواردات من منتج صلب معين متوسط الواردات من ذات المنتج خلال السنوات الثلاثة السابقة، وذلك لمدة 200 يوم بدءا من 19 يوليو 2018.

كما فرضت تركيا وكندا رسوما وقائية إضافية على واردات الصلب بنسبة 25%، وتبعها فرض دول مجلس التعاون الخليجي رسوما وقائية تتراوح ما بين 25% إلي 31% على الواردات من مسطحات الصلب، وكلا من الهند وإندونيسيا رسوما وقائية بنسبة تتراوح ما بين 6% إلي 17.75%، وكانت النتيجة وجود 150 مليون طن فائض إنتاج عالمي وتحتاج إلي تغيير مجرى التجارة للبحث عن أسواق بديلة لتفريغها، منها 92 مليون طن نشأت في أعقاب قرارات الحماية في الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وتركيا وكندا.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق