يوسف أيوب يكتب: الدعم والمصريون وحقائق مهمة حاضرة

الجمعة، 05 يوليو 2019 06:00 م
يوسف أيوب يكتب: الدعم والمصريون وحقائق مهمة حاضرة

 

حينما نتحدث عن الشريحة الأخيرة من الغاء دعم المواد البترولية علينا بداية أن نشير إلى مجموعة من الحقائق التى لا يجب أن تغيب عن ذهن المصريين، أولها أن هذه القرارات ليست فجائية، فبعد 30 يونيو 2013، كانت الصورة واضحة وضوح الشمس، دولة أقرب إلى الأنهيار الاقتصادى، تركتها الجماعة الإرهابية تواجه مصير مجهول، فالتدفقات الخارجية توقفت، وحجم النقد الأجنبى فى مستوى شديد الخطورة، وموازنة الدولة غاية فى الصعوبة، لذلك لم يكن أمام الدولة الجديدة بعد 30 يونيو من خيار سوى اقتحام الصعاب، فكانت المكاشفة التى صارح بها الرئيس عبد الفتاح السيسى المصريين قبل فوزه فى الانتخابات الرئاسية وبعد فوزه بثقة المصريين، بأن الوضع الاقتصادى المصرى فى غاية الصعوبة، ولن يجدى معه نفعاً الا بإجراءات اصلاحية صعبة أيضاً، لكن لا مفر منها.

لم يجمل الرئيس الوضع حينها، بل قدمه للمصريين كما هو، وأشركهم فى الأزمة وحلها، ولم يترك الرئيس مناسبة منذ 2014 وحتى الآن، الأ وأطلع الشعب على مجريات الوضع الاقتصادى للبلد، وكان واضحاً منذ 2014 أنه ما من سبيل لانقاذ الدولة الا بالاجراءات الإصلاحية، التى لم يخفيها، بل قالها وحدد برنامجها الممتد لقرابة الـ5 سنوات.

هذه هى الحقيقة الأولى، التى لا يجب أن تغيب عنا، فالشريحة الأخيرة أو ما سبقها من شرائح لم تكن مفاجئة، بل معلومة مسبقاً أنها آتية لا محالة، لكنه فقط وقت الإعلان عنها.

الحقيقة الثانية أن الإجراءات الاقتصادية رغم صعوبتها، لكنها جاءت أيضاً متوازية مع إجراءات جمائية وفرتها الدولة لمحدودى الدخل، ليتغلبوا من خلالها على أثار الاجراءات الجديدة، فعلى مدار السنوات الخمس الماضية شهدت المعاشات والأجور أرتفاعات متتالية تتناسب مع أرتفاع الأسعار، وكذلك عبر برامج حماية اجتماعية مثل تكافل وكرامة و100 مليون صحة، وغيرها من البرامج الإجتماعية التى نالت أحترام وتقدير المصريين والمؤسسات الدولية التى تابعت أداء هذه البرامج.

الحقيقة الثالثة أن ما لجأت له الدولة من إجراءات إصلاح اقتصادى لم يكن على سبيل الرفاهية، بل كان لزاماً على الحكومة أن تسلك هذا الطريق، لأن الدولة أقتربت ما قبل 2013 من مرحلة الإفلاس، ولم يعد الوضع يحتمل ترقيع أو تجميل للوضع القائم، بل بحاجة إلى جراحة عاجلة تعيد للدولة إتزانها، وهو  الرأى الذى أنتهى أليه كل خبراء الاقتصاد فى مصر وخارجها، وأيضاً المؤسسات المالية الدولية التى درست الوضع المصرى جيداً، وأنتهت إلى أنه لا مخرج الا باصلاح اقتصادى شامل، تأخر حدوثه لأكثر من 40 عاماً، ويكفى هنا أن أشير إلى مثال واحد فقط لندرك حتمية التغيير الذى حدث، فقد نجح الاقتصاد المصرى فى تجاوز أزمته الطاحنة التى مر بها عقب ثورة 25 يناير إذ وصل الاحتياطى من النقد الأجنبى عقب عام واحد من الثورة إلى أدنى مستوى له بـ 15 مليار دولار فقط فى حين واصل ارتفاعه فى النصف الأول من العام الجارى ليصل إلى 44 مليار دولار، فى الوقت نفسه أكدت وكالة "بلومبرج" الاقتصادية، أن الاقتصاد المصرى يعد ضمن أكثر الاقتصادات الناشئة مرونة أمام تهديدات الحرب التجارية العالمية، لتحتل مصر المرتبة الثانية بعد دولة الفلبين، ضمن 21 اقتصادًا ناشئاً على مستوى العالم.

هذه الحقائق يجب أن تكون حاضرة أمامنا ونحن نتحدث عن وصول قطار ترشيد دعم المنتجات البترولية إلى محطته الأخيرة، بعد رحلة طويلة قطعتها الدولة مع الإصلاح الاقتصادى، على مدار السنوات الأخيرة، لنصل إلى الصورة النهائية بصياغة منظومة جديدة وأكثر إحكاما، تقلل الإهدار والنزيف وتحاصر وصول تلك الأموال إلى جيوب الأغنياء والمقتدرين، وتوجيهها بشكل فعال وأكثر كفاءة لتحسين  للمستحقين والأولى بالرعاية.

وفق الأرقام وأراء كل الاقتصاديين فإن خطة ترشيد الدعم، هى مبادرة جريئة بدأتها الدولة قبل خمس سنوات لضبط الهيكل الاقتصادى وعلاج التشوهات المالية والفجوة الواسعة بين الإيرادات والمصروفات، لتحقق نجاحا جديدا فى إصلاح الآثار المتراكمة عن سنوات سوء الإدارة، والتعاطى السلبى مع أزمات الاقتصاد وفجوات التمويل، والتى تشهد الموازنة الجديدة 2019/ 2020 التى بدأت فى 1 يوليو الجارى، تطبيق الشريحة الأخيرة لها، بما يمنح الفرصة لإعطاء دفعة للتنمية الاقتصادية، مما سينعكس آثاره الإيجابية على المواطن، أخذاً فى الأعتبار أن قيمة دعم المنتجات البترولية خلال الـ 3 سنوات الماضية، بلغت نحو 122.4 مليار جنيه خلال العام المالى 2017-2016، منخفضة إلى حوالى 120 مليار جنيه فى العام المالى التالى له، بينما بلغت خلال الـ 9 أشهر الأولى من السنة المالية المنتهية 2019-2018 نحو 60.1 مليار جنيه.

قبل الخوض فى أيه تفاصيل، علينا بداية أن نراجع مؤشرات الأداء المالى للسنة المالية المنتهية 2018/2019، ومستهدفات الموازنة الجديدة للعام المالى 2019/2020، فالمؤشرات المالية المبدئية لموازنة العام المالى المنتهى أظهرت تحسنًا كبيرًا على أكثر من صعيد، حيث ارتفع معدل نمو الناتج المحلى الإجمالى ليبلغ 5.6%، ومن المتوقع أن ينخفض عجز الموازنة ليحقق النسبة المستهدفة بقيمة 8.4% من الناتج المحلى الإجمالى، كما يُتوقع استمرار الاتجاه التنازلى للدين العام ليصل إلى 90% من الناتج المحلى مقارنة بمستهدف 93%، وأيضًا تحقيق المستهدف من الفائض الأولى بنسبة 2% من الناتج المحلى الإجمالى.

 وفيما يتعلق بموازنة العام المالى الجديد 2019/2020، فإن مصروفاتها تصل إلى حوالى 1.6 تريليون جنيه، بزيادة 150 مليار جنيه عن موازنة العام الماضى، نتيجة لزيادة مخصصات العديد من البرامج ذات البعد الاجتماعى مثل أجور العاملين بالجهاز الإدارى للدولة التى بلغت 301 مليار جنيه بزيادة 31 مليار جنيه لتمويل رفع الحد الأدنى للأجور من 1200 إلى 2000 جنيه شهريًا، وتمويل أكبر حركة ترقيات بالجهاز الإدارى للدولة، فضلًا عن منح جميع العاملين بالدولة العلاوة الدورية وعلاوة استثنائية، وتخصيص 18.5 مليار جنيه لصرف معاشات الضمان الاجتماعى وبرنامج تكافل وكرامة، وكذا تخصيص 28.5 مليار جنيه لتمويل زيادة المعاشات بنسبة 15% من إجمالى قيمة المعاش ورفع الحد الأدنى للمعاش إلى 900 جنيه.

كما تشمل الموازنة الجديدة زيادة غير مسبوقة فى مخصصات التنمية البشرية، خاصة التعليم والصحة، حيث تصل إلى 326.8 مليار جنيه مقابل 257.7 مليار جنيه فى موازنة العام الماضى، منها 124.9 مليار جنيه لقطاع الصحة، و134.8 مليار جنيه لقطاع التعليم قبل الجامعى، و67 مليار جنيه لقطاع التعليم العالي، وتستهدف الموازنة الجديدة مواصلة تحسين أداء الاقتصاد المصرى الذى يحقق نتائج إيجابية منذ بداية تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادى الشامل، حيث تستهدف زيادة معدل نمو الناتج المحلى الإجمالى ليصل إلى 6%، ومواصلة خفض عجز الموازنة ليبلغ 7.2%، وخفض نسبة الدين العام للناتج المحلى لتصل إلى 87-88%، فضلًا عن مواصلة خفض معدل البطالة ليصل إلى أقل من 9% مقارنة بـ 13.3% فى العام المالى 2013/2014، مما يؤكد النتائج الإيجابية المباشرة التى تمس حياة المواطنين وآفاق مستقبلهم.

هذه الارقام تشرح لنا كيف تتحرك الدولة لضبط الموازنة وتنقيحها من العوار الذى شابها طيلة السنوات الماضية، وفى نفس الوقت تؤكد لنا أمر فى غاية الأهمية، وهو أنه فى مقابل إجراءات الاصلاح الاقتصادى الصعبة، هناك أيضاً إجراءات لمست طموحات المواطن المصرى البسيط، الذى كان الأكثر تأثراً من هذه الإجراءات، منها القرارات التى تم تطبيقها فى أول يوليو الجارى والخاصة بزيادة المعاشات ورواتب موظفى الدولة إلى جانب زيادة الحد الأدنى للاجور ليصل إلى 2000 جنيها.

تبقى أمامنا حقيقة أخرى مهمة علينا أن نعترف بها، وهى أن المواطن قدم مثالا يحتذى به فى الصبر والتحمل، فبالرغم من القرارات الصعبة مثل تعويم الجنيه ورفع الدعم عن الوقود، إلا أن المواطن آثر أن يتحمل هذه الإجراءات فى سبيل وطنه، والانحياز لدولته وتحمل هذه القرارات الصعبة معاونة منه للحكومة من ناحية، ورغبة منه فى تحقيق مستوى من الرفاهية للأجيال القادمة، وتصحيح لكل أخطاء الماضى، ليضرب المصريين أروع الأمثلة فى تحمله للإجراءات الاقتصادية الصعبة مؤخرا ، ووقوفه فى خندق واحد مع الدولة، رافضاً كل محاولات التحريض التى كانت ولا تزال تأتيه من الخارج عبر قنوات ومواد إعلامية ممولة من الخارج وتستهدف إحداث الوقيعة بين المصريين والحكومة.

 

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق