مع استمرار الدعم التركى للميليشيات بالأسلحة

«تحالف الدم» بين السراج وأردوغان لإسقاط ليبيا

الأحد، 14 يوليو 2019 06:00 ص
«تحالف الدم» بين السراج وأردوغان لإسقاط ليبيا
اردوغان
محمود على

- رئيس المجلس الرئاسى الليبى سلم طرابلس لتركيا «على طبق من ذهب» مقابل دعم ميليشياته

- صهر الرئيس التركى بطل صفقة تسليم طائرات مسيرة لإخوان ليبيا

- أنقرة تفقد السيطرة على الإرهابية وتستعين بالسراج لإنقاذها

«الطيور على أشكالها تقع».. مثل عربى قديم ينطبق على العلاقة المريبة بين الرئيس التركى رجب طيب أردوغان وفايز السراج رئيس ما يعرف بالمجلس الرئاسى الليبى والذى يصفه البرلمان «بغير الشرعى»، وهو المسئول الأول عن حالة الفوضى وانتشار السلاح فى طرابلس. استقبل الرئيس التركى حليفه فائز السراج فى تركيا فى الوقت الذى تضرب فيه الخلافات والاستقالات حزب العدالة والتنمية الذى يترأسه أردوغان، والذى يتزامن مع الانتصارات العسكرية التى حققها الجيش الليبى بقيادة المشير خليفة حفتر فى عمليته العسكرية الواسعة (طوفان الكرامة) فى العاصمة طرابلس لتحرير المدينة من التنظيمات الإرهابية والمتطرفة؛ وهى الحملة التى نتجت عنها انتصارات هائلة للقوات الليبية وخسائر فادحة فى صفوف المتمردين.

تشهد ليبيا منذ 8 سنوات ماضية، وتحديدا منذ سقوط الرئيس الراحل العقيد معمر القذافى، وتدخل قوات حلف شمال الأطلسى، حالة من الانفلات الأمنى، زادت بوصول جماعة الإخوان إلى الحكم، ورغم سقوطها فى الانتخابات البرلمانية إلا أنها  لا تزال ترفض الانصياع إلى صوت الشعب وتقوم بتحريك ميليشياتها فى العاصمة طرابلس تحت نظر «السراج» ومجلسه الرئاسى، من أجل استعادة زمام الأمور وضرب استقرار الدولة، بدعم قطرى تركى.

 
ويبدو لنا من الوهلة الأولى، أن لقاء أردوغان والسراج يتعلق بتطورات العملية العسكرية فى ليبيا، إذ أنه يعكس من جهة فشل التنسيق التركى مع ميليشيات طرابلس، بعد الخسائر الكبيرة التى تكبدتها بفضل ضربات الجيش الوطنى الليبي، ومن جهة أخرى إعلان أردوغان صراحة بأنه الداعم العسكرى الرئيسى بل القائد الملهم للجماعات المتشددة فى العاصمة الليبية لإعادة جماعة الإخوان إلى واجهة الحكم بليبيا رغم أنف الليبيين.
 
فشل التنسيق بين أردوغان وميليشيات طرابلس فى إحداث تغيير على الأرض لصالح الأخيرة، رصدته بشكل غير مباشر بيانات الجيش الوطنى الليبي، والذى أسقط فى الأيام القليلة الماضية عددا من الطائرات التركية المسيرة، كانت ضمن المشاركين فى هجمات الميليشيات ضد الجيش الليبى بمنطقة من مطار معيتيقة الدولى الذى يسيطر عليها مرتزقة الإخوان.
 
الخسائر فى صفوف الميليشيات دفعت أردوغان إلى الاستكبار الذى وصل إلى حد الغباء، حيث كان استدعاء السراج إلى اسطنبول ودعمه عسكريًا بمثابة اعتراف رسمي منه بأنه يريد إطالة أمد أزمة ليبيا، وزاد الطين بلة قيامه بإرسال شحنة جديدة من الطائرات المسيرة للميليشيات التابعة للسراج، ضاربا بذلك القرارات الأممية عرض الحائط. 
 
وشملت الأسلحة التى أرسلتها تركيا إلى ميليشيات طرابلس فى بادئ الأمر، وفقا لمسئولين أتراك - طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم، سيارات مدرعة ليتسع نطاق الإمدادات بإرسال طائرات مسيّرة، وأنواع أخرى من العتاد العسكرى.
 
السؤال الأبرز هنا هو، ما هى الأسباب التى دفعت الرئيس التركى إلى هذا التصعيد ضد الجيش الليبى؟ غير أنه يحمل نفس أيديولوجية الجماعات التى تقود مرتزقة طرابلس، وهذا يقودنا إلى الانتقال للداخل التركي، الذى يشهد انخفاضا كبيرا فى شعبية أردوغان، ترجمتها خسارة مرشح حزب العدالة والتنمية الحاكم انتخابات بلدية إسطنبول وفوز مرشح المعارضة أكرم أوغلو، ناهيك عن الأزمات التى أحاطت باقتصاد البلاد من كل صوب وحدب، والتفسير الوحيد لذلك هو محاولته إلهاء أنصاره عن أزمات الداخل بأنه مستمر فى الدفاع عن جماعات الإسلام السياسى فى المنطقة، متغاضيا عن ارتكابه جرائم فظيعة بليبيا بدعم هذه الميليشيات.  
 
والأمر أيضا ليس ببعيد عن استغلال الأزمة الليبية فى علاقاته مع الدول الكبرى وبالأخص أمريكا وروسيا، إذ يحاول النظام التركى استثمار علاقاته بالجماعات المسلحة فى طرابلس، ليظهر أن له موضع قدم فى ملفات المنطقة السياسية المهمة.
 
الأسباب لم تقف عند هذا الحد، فالدعم العسكرى التركى لميليشيات الإخوان فى طرابلس يراه الساسة الليبيون أنه دليل قوى على تورط أردوغان فيما وصلت إليه ليبيا حتى الآن، كما أن له بعدا آخر يتعلق بأن الطائرات المسيرة التى أرسلتها تركيا لليبيا تعود ملكيتها لسلجوق بيرقدار وهو صهر الرئيس التركى، الذى بدأ يجنى ثمار مشروعه فى عام 2015، عندما نجح فى زواجه بسمية الابنة الصغرى لأردوغان، لتصبح بعدها شركته، المصنع المفضل للطائرات المسيرة فى تركيا، لعلاقات القرابة بين صاحب المصنع وأكبر رأس فى النظام التركى.
 
أما فى ليبيا فإن الوضع لا يختلف كثيرا، حيث جاء لقاء السراج وأردوغان، ليضع حدا لأى دور مستقبلى لرئيس ما يعرف بالمجلس الرئاسى فى ليبيا، لاسيما وأن اللقاء كشف عن نواياه المشبوهة فى نشر الفوضى فى البلاد باستدعاء التدخل الأجنبى التركى، لإعادة حكم الإخوان على طرابلس، وتنفيذ مشروعهم التخريبى فى المنطقة عبر تسليم ليبيا لتركيا التى تستهدف سرقة ثرواتها وتمرير أجنداتها فى المنطقة. 
 
لقاء السراج وأردوغان جاء متزامنا مع  تصريحات رئيس البرلمان الليبى عقيلة صالح، والذى أكد فيها عدم شرعية المجلس الرئاسى ورفض أى التزامات أو معاهدات أو طلب أى تدخل خارجى فى الشئون الداخلية، وأن الاتفاق الذى تشكل على أساسه المجلس لم يتضمن فى الإعلان الدستورى وبالتالى لا قيمة له ولا شرعية له، مؤكدا أن حكومة السراج لم تمنح الثقة من مجلس النواب وتم رفضها مرتين، ولم تؤد اليمين الدستورية، ولا يعتد بأعمالها السابقة واللاحقة.
 
ورغم تفاؤل الزعماء العرب والمجتمع الدولى بقدوم فائز السراج كرئيس للمجلس الرئاسى قبل 4 أعوام بعد اتفاق وقع بين القوى السياسية فى الصخيرات المغربية، لإعادة الشرعية وإحداث انفراجة فى الأزمة، إلا أن هذا التفاؤل فى غير محله، إذ سلم السراج بشخصيته المهزوزة ليبيا وبالأخص العاصمة إلى ميليشيات متطرفة إخوانية يقودها أسماء لها صلة وثيقة بالقاعدة وتنظيم داعش الإرهابى.
 
ويمكن القول وفقا لتصريحات برلمانيين ليبيين بأن من يتحكم فى العاصمة طرابلس هى مجموعات إرهابية مسلحة غير وطنية جاءت من مختلف بقاع الدنيا، والدليل على ذلك ترحيبها بالتدخل العسكرى التركي، ورفضها الانصياع لدعوات الجيش الوطنى الليبى بتسليم السلاح، إذ دعم مفتى جماعة الإخوان صادق الغريانى التدخل العسكرى التركى فى ليبيا، زاعما أنه يحق لقوات تركيا شن ضربات على مواقع ليبية لمساندة الميليشيات المسلحة التى تحارب الجيش الليبي، مقدما شرعية لضربات تركيا فى ليبيا، وهو ما دفع الكثير من النشطاء الليبيين إلى وصف القيادات الإخوانية «بالخائنة» التى ستعطى العاصمة الليبية لتركيا على طبق من ذهب.
 
الدور التركى المشبوه فى ليبيا وعلاقات السراج وأردوغان غير الشرعية، ألقت الصحف الأجنبية الضوء عليها فى الكثير من التقارير، إذا قالت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية أن الرئيس التركى ينحاز بشكل سافر لحكومة السراج المسيطرة على ميليشيات طرابلس، مشيرة إلى تورط تركيا بشكل واضح فى هذه الأزمة بعد تقديم أسلحة ومعدات عسكرية قد تضعها فى مسألة أمام المجتمع الدولى على اعتبار أنها زادت من الصراعات الداخلية الموجودة فى ليبيا، فضلا عن أنها فتحت جبهات دولية كثيرة خاصة من جانب دول المنطقة التى ترفض السياسات التى تنتهجها تركيا فى ليبيا والشرق الأوسط بصفة عامة.
 
فضلا عن ذلك، فإن التحركات التركية النشطة فى ليبيا ودعم الميليشيات لوقف انتصارات الجيش الليبى، وفقا للصحيفة ذاتها، تؤكد تورط نظام أردوغان فى أعمال العنف المرتبطة بالصراعات الإقليمية فى الشرق الأوسط.
 
كما رصدت الصحف الليبية باستفاضة الرفض الشعبى للقاء السراج وأردوغان، والدعوة لأى تدخلات أجنبية فى البلاد، إذ قال الناطق الرسمى لمجلس النواب عبد الله بليحق، أن المجلس يقوم بدوره الداخلى والخارجى فى التأكيد على رفض الشعب الليبى لأى تدخل تركي، فى شئون بلاده الداخلية، مؤكدًا أن الأجهزة الشرعية المتمثلة فى البرلمان الليبى والقوات المسلحة عازمان على التصدى لمؤامرات نظام أردوغان، وعلى القضاء على الميليشيات والجماعات الإرهابية المدعومة من الخارج، موضحا أن أى دعم قد يوفره الرئيس التركى لميليشيات طرابلس، لن يؤثر فى عزيمة الشعب الليبي، وفى إرادة جيشه لتحرير العاصمة وتطهير مختلف أرجاء البلاد من حلم الإرهابيين والمرتزقة.
 
وقالت بوابة أفريقيا الإخبارية الليبية، وهى موقع مهتم بالشأن الليبى إن طلب السراج وأنصاره التدخل التركى ضد الجيش الوطنى الليبى ليس بجديد فى الساحة الليبية، فجماعة «الاخوان» المهيمنة على حكومة السراج سبق وأن طالبت بهذا التدخل من قبل وخاصة فى ظل تقدم الجيش الليبى ونجاحه فى تحرير المدن والمناطق الليبية فى شرق وجنوب البلاد، مشيرة إلى طلب عضو المؤتمر الليبى المنتهى ولايته بتدخل تركيا ضد الجيش الوطنى الليبي، بقيادة المشير خليفة حفتر، بالإضافة إلى دعوة رئيس حزب العدالة والبناء، الذراع السياسية لتنظيم الإخوان فى ليبيا، محمد صوان فى وقت سابق، الاستعانة بتدخل أجنبى فى منطقة الهلال النفطى، على خلفية تحريرها من قبل الجيش الليبى.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق