يبدأ تسلق سلم الرئاسة عبر البرلمان...

انقلاب إخواني جديد في تونس.. الغنوشي يطيح بقيادات «النهضة» التاريخية

السبت، 27 يوليو 2019 07:00 م
انقلاب إخواني جديد في تونس.. الغنوشي يطيح بقيادات «النهضة» التاريخية
راشد الغنوشي
محمود على

لا يمكن فصل ما تشهده تونس من متغيرات على الساحة السياسية عن العالم العربي، فكل ما يدور فى فلك المنطقة ربما يكون مؤشرًا لما هو قادم، سقط عمر البشير بالسودان فى غمضة عين.. انتقلت الجزائر إلى مرحلة حساسة عقب استقالة عبدالعزيز بوتفليقة من الرئاسة، فيما تمر بلد الحبيب بورقيبة بوضع لم يكن أفضل حالا من هذه الدول المذكورة، خاصة بعد محاولة تصدر جماعة الإخوان المشهد السياسى مرة أخرى، على خلفية ترشح راشد الغنوشى زعيم حركة النهضة المتشددة لخوض الانتخابات التشريعية المقبلة، واعتزامه السيطرة على رئاسة البرلمان التونسي.

واستيقظت تونس قبل أيام على كابوس، بعد إعلان النهضة خوض الغنوشى الانتخابات البرلمانية، فمن ناحية ترفض بعض القوى السياسية سيطرة الحركة الإخوانية على السلطة التشريعية وما يُعتبر رجوع تونس إلى الخلف كثيرا، من ناحية أخرى تستنكر قيادات كبيرة داخل النهضة انفراد الغنوشى بالسلطة بعد إقصائه لعدد من الوجوه القديمة بالحركة المتشددة.
 
وما يضع علامات استفهام على ترشح الغنوشي، أنه جاء فى خضم خلافات كبيرة داخل إخوان تونس، عقب تعرض بعض قيادات النهضة للتصفية من قبل زعيمها، والمشاكل والصراعات التنظيمية التى تفجرت بتدخله فى ترتيب قوائم الحركة المرشحة لخوض الانتخابات المقبلة، فيما ينظر المتابع الجيد للملف التونسى إلى تحركات زعيم النهضة بإقصائه بعض الوجوه القديمة للحركة المتشددة على أنها محاولة جديدة يراوغ من خلالها القوى السياسية لكسب الثقة للفوز بإحدى أهم الرئاسات الثلاثة فى تونس (رئاسة البرلمان التونسي).
 
وتنقسم حركة النهضة الإخوانية إلى «صقور» يسيطر عليهم الفكر المتشدد الرافض للتعاون مع الدولة، و«حمائم» وهؤلاء متشددون ينجرون وراء المطامع السياسية متخذين الدين ستارا للوصول إلى المناصب العليا، من أجل سيطرتهم على منافذ الدولة، وتظل خلافات الصقور والحمائم دائمة فى التوجه المستقبلي، مستندة إلى برنامج وفكر واحد، فيما تهدأ وتصعد هذه الخلافات على السطح، عندما يتعلق الأمر بمتغيرات فى المشهد السياسى، وهو ما مرت به النهضة مؤخرا ونتج عنه انشقاقات عديدة.
 
قرار الغنوشى الأخير بالدخول إلى الساحة الانتخابية، لم يكن بداية الخلاف الواسع الذى دب فى النهضة، فقبل حديث زعيم النهضة عن خوض الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها فى أكتوبر المقبل، حذرت قيادات تاريخية بالحركة زعيمها بما ستؤول إليه الأوضاع من شق الصف عقب تأييده لتغيير بعض الأسماء الكبرى فى قوائم الانتخابات، واصفين هذا القرار بأنه نهاية لمستقبله وليس البداية، فضلًا عن ذلك طالب هؤلاء بعزل راشد الغنوشى من قيادة الحركة، واتهامه بأنه مسئول عن حدوث انشقاقات كبرى داخل التنظيم، مشيرين إلى أن الغنوشى سيتسبب فى خراب التنظيم.
 
هذا الخلاف الواضح، دفع عضو المكتب التنفيذى للحركة الإخوانية محمد الحبيب السلامى إلى توجيه رسالة لراشد الغنوشى مفادها أن مصيره قريب من نفس مصير عمر البشير رئيس السودان السابق، إذا ما أقدم على خطوة القفز على رئاسة البرلمان، ليقول له صراحة: «وسائل الإعلام تتحدث اليوم فى تونس عن شيطان حب الرئاسة والسيادة الذى دخل حزب النهضة ووسوس لك كما وسوس إبليس لآدم وحواء ليخرجهما من الجنة».
 
أيضًا ما أثار الخلاف فى النهضة هو استخدام الغنوشى للمرأة التونسية كأداة فى فترة ما قبل إعلان ترشحه للانتخابات، لغسل يده من ممارسات الحركة المنددة دائمًا بمساواة المرأة والرجل والمطالبة بارتداء النقاب، ليصبح فى لحظة داعيا للحداثة والدفاع عن المرأة والحقوق المدنية لها، مستقطبا مرشحات غير محجبات ليكن واجهة الحركة فى الانتخابات التشريعية المقبلة، ما وضع نفسه فى موقف محرج جدًا مع صقور الإخوان فى تونس، لكن يبقى طموحه المستقبلى بالقفز على السلطة التشريعية والسيطرة عليها هو الهدف الرئيسى فى المرحلة المقبلة متغاضيًا عن المعارضة الكبيرة داخل حزبه للكثير من قراراته.
 
ولكن رغم محاولات الغنوشى الإنسلاخ من وجه الحركة المتشدد ببعض التحركات الملتوية، إلا أن جميعها قوبلت برفض وهجوم واسع من قبل القوى السياسية والشعب التونسي، بعدما انهالت عليه الردود الساخرة من استغلال الغنوشى للمرأة التونسية فى معركته الانتخابية على اعتبار أن منهج الحركة متشدد إلى حد لا يمكن فيه تطوير ومراجعة بهذه السرعة، تصل من خلالها مرشحة غير محجبة لتكون واجهة للنهضة فى الانتخابات التونسية. 
 
ويبدو أن الغنوشى رغم حالة الجدل التى أحدثها فى الشارع السياسى بعد قرار الترشح للانتخابات التشريعية التونسية، عازم على استكمال مساره نحو رئاسة البرلمان، وهو ما فسره محللون سياسيون فى تونس على أنها محاولة للإفلات من العقاب بقضايا عديدة كان قد تورط فيها سابقا، وهو ما أشار له الباحث السياسى التونسى حسان القبى فى أحد تصريحاته قائلًا: «هناك قضايا عديدة متعلقة بملف التمويل الأجنبى فى الفترة من 2012 إلى 2014 ترتبط باسم راشد الغنوشي؛ وهو ما دفعه للترشح على رأس قائمة تونس 1 فى الانتخابات التشريعية للبحث عن الحصانة البرلمانية».

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق