كيف تحول «سنورس» إلى مركز للتطرف؟

السبت، 17 أغسطس 2019 07:00 م
كيف تحول «سنورس» إلى مركز للتطرف؟

- حسن البنا بنى جزءا من خطة الانتشار على  توفير بيئة حاضنة فى الفيوم.. واختار زوج شقيقته عبدالحكيم عابدين لتنفيذ مخططه
- عمر عبدالرحمن استوطن قرية «فيديمين» وبدأ فى نشر فكر العنف واستعداء الدولة من على منابر المحافظة
- الفيوم منحت أصواتها فى انتخابات الرئاسة 2012 لمحمد مرسى.. والجماعة استخدمت مقر «الحرية والعدالة» لضرب الثائرين على حكم الإخوان


فى الأول من يوليو 1946، زار حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان، مدينة سنورس بالفيوم، لعقد اجتماع للجماعة، وتحديدا فى منزل عبدالحكيم عابدين، زوج شقيقة البنا، والذى أصبح فيما بعد السكرتير العام لجماعة الإخوان، وهنا تدخلت قوات الأمن، ومنعت عقد الاجتماع، فكتب البنا خطابا إلى رئيس الوزراء حينها، إسماعيل صدقى باشا، نشرته مجلة الإخوان اليومية تحت عنوان «مصادرة الحكومة لاجتماع الإخوان فى سنورس وفى الفيوم».
 
لم تكن هذه هى الزيارة الوحيدة لـ«البنا» إلى الفيوم، التى أصبحت المحافظة ذات الاهتمام الخاص فى أدبيات الجماعة، ففى «ويكيبيديا الإخوان المسلمين»، الكثير من التفاصيل الخاصة بعلاقة الإخوان بالفيوم، التى شهدت أول حضور إخوانى عام 1937، بعد 9 سنوات من تأسيس الجماعة، ومن حينها استحوذت على اهتمام الجماعة وقياداتها، سواء لقربها من العاصمة، أو لأنها تمثل بيئة خصبة تستطيع أن تعمل بداخلها بعيدا عن الأعين.
 
فى مايو 1937، نشأت رسميا شعبة الفيوم الإخوانية، التى ضمت حينها وفقا لما ذكرته «جريدة الفيوم» فى عددها الصادر يوم الجمعة الموافق 21 مايو سنة 1937، سامى ناصر المحامى رئيسا، ومحمد محمد رمضان الواعظ وكيلا، وحسن لطفى أفندى المسرى ونجيب شرابى أفندى للسكرتارية، ومحمد مسعود الإبيارى أمينا للصندوق، والجارحى الديب أفندى رئيس شياخات المديرية، وعلى نصر وعبدالمطلب ناصر ومحمد ونيس وسيد نعمان أفندى ومصطفى صدقى أفندى وعبدالحق جاد أفندي، أعضاء. 
 
بجانب الشعبة كان هناك الرجل القوى فى الجماعة والمحافظة، وهو عبدالحكيم عابدين، وهو من مواليد سنة 1914 بقرية «فيديمين» مركز طامية بمحافظة الفيوم، وكان من أوائل المنتظمين فى صفوف الحركة الإسلامية ومن أوائل شعرائها، وتخرج فى كلية الآداب بالجامعة المصرية بالقاهرة، ثم عمل أمينا لمكتبة جامعة القاهرة، واختاره حسن البنا ليكون زوجا لشقيقته. هذه النظرة السريعة للتواجد الإخوانى فى الفيوم، ضرورية لفهم ما يحدث فى هذه المحافظة التى عادت إلى الواجهة السياسية والإخبارية مرة أخرى، بعدما كشفت وزارة الداخلية قبل أيام عن تفاصيل عملية التفجير أمام معهد الأورام.. منفذ العملية من الفيوم وتحديدا مركز سنورس، الذى يعد أخطر مراكز المحافظة على الإطلاق خلال الفترة الأخيرة، لوجود عدد من الإرهابيين أبناء هذا المركز قاموا بعمليات إرهابية آخرهم العمل الإرهابى أمام معهد الأورام وقبل ذلك تفجير كنيسة القديسين، وهو ما جعله من وجهة نظر المتابعين بؤرة إرهاب خطيرة تستدعى التدخل السريع لمواجهته والقضاء عليه.
 
الداخلية فى كشفها لملابسات حادث انفجار سيارة أمام المعهد القومى للأورام بالقاهرة، قالت إن منفذ العملية، عضو بحركة حسم التابعة لتنظيم الإخوان الإرهابى، ويدعى عبدالرحمن خالد محمود عبد الرحمن، واسمه الحركى «معتصم» والهارب من الأمر بضبطه وإحضاره على ذمة إحدى القضايا الإرهابية لعام 2018 المعروفة بطلائع حسم، وهو من مواليد مركز سنورس.
 
الغريب فى هذه القضية أن الداخلية نشرت فيديو لاعترافات شقيق عبدالرحمن، الذى ساعده فى تنفيذ العملية، كما نشرت فيديو آخر للحظة وداع أسرة عبدالرحمن له قبل الحادث بيوم، من داخل حديقة الأزهر، وهو ما يؤكد أننا أمام أسرة منتمية بالكامل للفكر الإرهابى، وهو ما ساعد فى تسليط الأضواء على الفيوم وتحديدا مركز سنورس، أخذا فى الاعتبار أن لهذا المركز صلة تاريخية بجماعة الإخوان الإرهابية وما تفرع عنها من جماعات أخرى انتهجت العنف والتكفير فى وجه المجتمع.
 
بخلاف التمركز الإخوانى فى سنورس، فهناك أيضا وضع عمر عبدالرحمن، لبنات التطرف فى هذا المركز.. عمر عبدالرحمن، المولود فى 3 مايو 1938، بمدينة الجمالية بالدقهلية، والذى وصل فى منتصف الستينيات إلى الفيوم ليعمل إماما وخطيبا بأحد مساجد الأوقاف بقرية فيديمين بمركز سنورس لتكون الفيوم أولى محطاته، وبعدها انضم لجمعية النهضة التى كانت تتخذ مقرا ومسجدا لها بشارع متفرع من شارع بطل السلام بحى الحواتم بمدينة الفيوم، ثم انفصل عن الجمعية لخلافات وقعت بينه وبين بعض قياداتها، وحصل خلال تلك الفترة على الماجستير والدكتوراه وعمل مدرسا بكلية أصول الدين بفرع جامعة الأزهر بأسيوط.
 
من الفيوم بدأ اسم عمر عبدالرحمن ينشط ويلمع، كما أنه استطاع أن يكون علاقات قوية مع قيادات الجماعة الإسلامية بالصعيد، خاصة شباب الجامعات، من بينهم أعضاء جماعة الإخوان، أبو العلا ماضى وعبدالمنعم أبو الفتوح، بالإضافة إلى كرم زهدى وعاصم عبدالماجد وعصام دربالة وغيرهم وكونوا فيما بعد الجماعة الإسلامية، واستغل عبدالرحمن خطب الجمعة التى كان يلقيها بعدد من المساجد بمدينة الفيوم ومنها مسجد التقوى بالنويرى ومسجد الشهداء بتقسيم مصطفى حسن، فى نشر أفكاره بالمحافظة، إلى أن أصبح له مريدون، زادوا مع مرور الوقت، وبعد رحيل الرئيس جمال عبدالناصر وتولى الرئيس محمد أنور السادات مقاليد الحكم أفتى عمر عبدالرحمن بتكفيره، وهى الفتوى التى استند عليها قتلة السادات بعدها بسنوات لتنفيذ مخطط اغتيال السادات أثناء حضوره احتفالات انتصارات السادس من أكتوبر عام 1981.
 
استغل عمر عبدالرحمن البيئة الإخوانية فى الفيوم، وكذلك الإهمال الذى كانت تعانى منه المحافظة، لدرجة أنها كانت تسمى بالمحافظة المنسية، استغل كل ذلك لنشر أفكاره وتزايد نشاطه، ومن بعدها عرفت الفيوم العنف تحديدا فى النصف الثانى من الثمانينيات، استنادا إلى فتاوى عمر عبدالرحمن وأقواله، ومنها على سبيل المثال ما حدث فى مارس عام 1989 حينما ألقى مجهولون عبوات حارقة على عرض مسرحية «أصل وخمسة» التى نظمتها نقابة الزراعيين، ما تسبب فى إصابة ضابط كان يقوم بتأمين العرض وآخرين، وبعدها بشهر وتحديدا يوم الجمعة 7 أبريل من نفس العام وقع صدام مسلح بين أنصار عمر عبدالرحمن والشرطة عقب الصلاة أمام مسجد الشهداء بمصطفى حسن، تم خلاله ضبط 16 من أتباعه وبحوزتهم أسلحة نارية، وقررت النيابة حبسهم ومنهم عمر عبدالرحمن بتهمة مقاومة السلطات، واستغلال الدين فى ترويج أفكار بقصد إثارة العنف وإحراز أسلحة نارية والشروع فى قتل مأمور بندر الفيوم آنذاك، ومن هذا التاريخ توالت أحداث العنف فى المحافظة، إلى أن وصلت مداها فى أبريل 1990 فى الأحداث المسماة بأحداث سنورس، التى هاجم خلالها أتباع عمر عبدالرحمن 3 صيدليات وأشعلوا النار فى عدد من المنازل ودراجة بخارية فى محاولة لإثارة فتنة طائفية، وتصاعدت الأحداث بإلقاء عبوة ناسفة وإطلاق النار على قوة تأمين كنيسة العذراء بقرية سنهور القبلية بسنورس أثناء تناولهم الطعام عقب انطلاق مدفع الإفطار، ما أسفر عن استشهاد مساعد شرطة وإصابة اثنين من قوة الحراسة.
 
فى بداية التسعينيات كانت الفيوم شاهدة على نشوب الخلاف الكبير بين عمر عبدالرحمن، ابن الدقهلية الذى استوطن الفيوم، وأحد أتباعه المقربين وهو المهندس شوقى الشيخ، ورحل خلال هذه الفترة عمر عبدالرحمن من الفيوم إلى السودان ومنه إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تم اعتقاله على خلفية اتهامه بالضلوع فى تفجيرات إرهابية بعدد من المنشآت الحيوية إلى أن توفى قبل عامين، ما جعل الساحة خالية وتحديدا فى منطقة كحك بمركز أبشواى للمهندس شوقى الشيخ الذى كانت ينتمى لعائلة كبيرة فى قرية سنرو بإبشواى، والذى تعرف بعد تخرجه فى كلية الهندسة بجامعة حلوان على طارق الزمر وانضم لتنظيم الجهاد، وتم القبض عليه بعد اغتيال السادات، وخرج بعد شهور قليلة لينضم لتنظيم جديد لإحياء تنظيم الجهاد وتم القبض عليه مرة أخرى، وأثناء فترة السجن تغيرت عقيدة «شوقى» الفكرية عن عقيدة تنظيم الجهاد ليعتنق أفكارا جهادية تكفيرية، ويؤسس الجماعة التى نسبت إليه وهى جماعة «الشوقيين»، واستطاع تجنيد عدد كبير من الشباب كان يتم تدريبهم على حمل السلاح ليدخل التنظيم فى مواجهة مع أجهزة الأمن بهدف إسقاط النظام وإعلان الخلافة الإسلامية، ولقى شوقى الشيخ زعيم التنظيم مصرعه فى معركة لتبادل النار مع الشرطة أثناء محاولة ضبطه يوم 25 أبريل 1990 وهو فى طريقه من قريته سنرو إلى قرية كحك.
 
وبمصرع شوقى الشيخ اندلعت مواجهات عنيفة وشرسة بين أعضاء جماعة الشوقيين وقوات الأمن، استخدمت فى هذه المواجهات الأسلحة النارية والقنابل والمتفجرات.
 
هدأت الأوضاع نسبيا بالفيوم، لكن عادت إلى وتيرتها مرة أخرى عقب ثورة 25 يناير، وسيطر الإخوان على مجلسى الشعب والشورى وتشكيل الحكومة، وشهدت هذه الفترة مواجهات ساخنة مع القوى الثورية والأحزاب السياسية التى تشكلت معظمها بعد الثورة، وزادت مع تعيين محافظ جديد للفيوم ينتمى لجماعة الإخوان، وهو جابر عبدالسلام، فقد شهدت المحافظة مظاهرات وقتها تطالب برحيل محمد مرسى ومحافظ الإخوان وإسقاط نظام الإخوان، ومن داخل مقر حزب «الحرية والعدالة» الإخوانى بميدان المسلة فى قلب مدينة الفيوم، أطلق الرصاص لمواجهة المتظاهرين، وبعد 30 يونيو تم ضبط أسلحة وذخيرة داخل جوال بمقر الحزب، وبعدها شهدت المحافظة نشاطا إخوانيا، خاصة بعد 14 أغسطس 2013 عقب فض اعتصامى رابعة والنهضة المسلحين، حيث اقتحم المشاركون فى مسيرات الإخوان استراحة المحافظ وجمعية الشبان المسيحيين وشرطة النجدة وديوان عام المحافظة، وعددا من الكنائس ونقاط الشرطة والوحدات المحلية، وبعدها أصبحت محافظة الفيوم مسرحا لعدد كبير من الهجمات الإرهابية التى وقعت فى ذروة الموجة الإرهابية الأخيرة، وخاصة بين عامى 2014 و2015، حيث كانت محافظة الفيوم فى صدارة المناطق التى شهدت هجمات حملت توقيع جماعات التطرف العنيف المنبثقة عن الإخوان.
 
إذن نحن أمام حالة تستدعى الوقوف كثيرا، فالقضية لا تتعلق فقط بمنفذ حادث التفجير أمام معهد الأورام ومن قبله الكنيسة، وإنما أمامنا حالة تشير كل تفاصيلها إلى أهمية أن يكون هناك تحرك سريع وواعٍ لمحاصرة ما قد ينتج مستقبلا من هذه المنطقة.
بالتأكيد هناك الكثير من التفسيرات حول هذا التوطن الإخوانى فى الفيوم، الذى بدأ منذ الثلاثينيات، فهناك من يقول إن الظروف الاجتماعية والاقتصادية وأيضا الجغرافية بالمحافظة ساهمت فى تعزيز هذا التوجه لفترة من الوقت، وهناك من يرى أسبابا أخرى، لكن فى النهاية وأيا كانت الأسباب، أمامنا حالة تحتاج إلى مزيد من الدراسة.
 
بداية فإننى هنا لا أريد وصم المحافظة بالإرهاب أو توجيه أى إدانة عامة لأهالى الفيوم، البالغ عددهم أكثر من ثلاثة ملايين ونصف المليون نسمة، لكن الواقع والأرقام يؤكدان أننا أمام حالة تستدعى وقفة، فليس خافيا على أحد وفق الرصد السابق أن التيار الإسلامى يتمتع فى الفيوم بشعبية كبيرة اتضحت بشكل خاص منذ 2011، ويمكن أن نستدل على هذه الشعبية الطاغية من خلال قراءة التوجهات التصويتية لأهل الفيوم خلال دورة الإعادة بالانتخابات الرئاسية عام 2012، ففى الوقت الذى انقسمت فيه المحافظات فى التصويت بشكل متقارب بين المرشحين الرئاسيين آنذاك أحمد شفيق ومحمد مرسى، كانت هناك محافظات تصوت لمرسى بشكل طاغٍ، وهى مطروح بنسبة 80.1 %، والفيوم بنسبة 77.8 % وبنى سويف بنسبة 66.5 %.
 
ومع قدوم الإخوان بعد 25 يناير 2011، بدأ أتباع الجماعة يظهرون من مختلف قرى المركز وكانت «سنورس» الأكثر حشدا فى جميع مسيرات ومظاهرات الجماعة، واختارته الجماعة لاستقبال محمد البرادعى فى زيارته الوحيدة لمحافظة الفيوم، وقادوا معه مسيرة حاشدة حضرها جميع أنصارهم بالمركز وكانت بداية الظهور الحقيقى لحجم وعدد مؤيديهم، ومن بعد ذلك انضم شباب من الفيوم وتحديدا مركز سنورس للجماعات الإرهابية المنبثقة عن الإخوان مثل «حسم» وغيرها، وهو ما يشير إلى أن الفيوم أصبحت وفق مفاهيم علم الاجتماع «الجغرافيا المحددة للإرهاب»، أو البيئة الحاضنة للإرهاب والتطرف والتى تتركز فى المناطق الريفية والعشوائيات.
 
أمام هذا الأمر لا مجال إلا التدخل السريع على الأرض، لمواجهة التغيرات الجيوسياسية التى شهدتها المحافظة على مدار سنوات طويلة، ويكون ذلك بداية من خلال تنشيط دور وزارة الأوقاف التى تتحمل جزءا كبيرا من المسئولية، كونها تركت الساحة للجماعات المتطرفة للسيطرة على منابر الفيوم، بالإضافة إلى ضرورة تغيير المدارس أسلوبها فى التعليم بداية من المراحل الابتدائية والإعدادية، من خلال إبراز دور الإرهاب والخسائر الناتجة عن العمليات الإرهابية فى صورة مشاهد درامية وقصص تحكى للتلاميذ، بما يساعد على تخريج جيل لديه كراهية لهؤلاء الأوغاد، بالإضافة إلى إبراز الدور الإيجابى للتلاميذ عند ضبط أى خلايا إرهابية من خلال التركيز على الخسائر المتوقعة حال عدم ضبط الخلية الإرهابية بما يسهم فى تشكيل فكر التلاميذ.

 

تعليقات (1)
رد علي الافتراءات
بواسطة: عصام
بتاريخ: الإثنين، 19 أغسطس 2019 03:05 ص

الفيوم ال حضرتك صنفتها علي انها محافظة ارهابية وبالاخص مركز سنورس اكتر محافظة تسجيلا للاصوات للرئيس السيسي الحضرتك كاتبه ماهو الا محض افتراء وضلم وبهتان علي اهل الفيوم وسنورس بالاخض كل وجود قلة من المندسين والمغيبين لا يعني اضفاء الوصف علي محافظة او مركز باكمله الفيوم كانت من اكبر المحافظات ال ليها دور في ثورة 30 يونيو بلاش افترأ علي اهل الفيوم يكفي انها محافظة مهمشة من خدمات كتير

اضف تعليق