فوزية" أمام محكمة الأسرة: "عايز يرمي أبننا في ملجأ"

الخميس، 29 أغسطس 2019 04:37 م
فوزية" أمام محكمة الأسرة: "عايز يرمي أبننا في ملجأ"

"أحنا نحطه فى أى ملجأ"!!.. ظلت الكلمات تدق رأس فوزية بعنف، فتاة البوفيه فى أحد المدارس الخاصة، وهى تفكر.. هى تعلم أنها عاجزة عن توفير مصاريف علاج رضيعها، فالصغير صنف كمريض قلب قبل حتى أن تُصدر له شهادة ميلاد، وراتبها الذي لا يتعدى الحد الأدنى للأجور غير كافي لسداد إيجار البيت والفواتير الشهرية، وزوجها العامل البسيط لا يتعدى قوت يومه ثلاثين جنيهًا، وهو ما يكفي بالكاد لشراء الطعام، فضلاً عن الديون التى أثقلت كاهلهما، وأرهقتهما.. ظلت فوزية تفكر كثيرًا حتى كاد الصداع أن يفتك برأسها، فقامت من مرقدها متوجهة للمطبخ لإعداد كوب شاي تحارب به الصداع الذي سيطر على كامل رأسها.
 
فتشت فوزية على بضع حبات سكر تُحلي بها الشاي، فالحياة بها من المرار ما يكفي ويفيض، ولكنها لم تجد، فعادت الفكرة تراودها مرة أخرى، هل توافق زوجها فى رأيه، وتودع صغيرها المريض ملجأ أيتام عله يجد فيه طعام جيد وعلاج مناسب، وقد تتبناه أحد الأسر الغنية، فتتبدل حياته ويختلف مستقبله، وينعم بعيشة جيدة لن تقدر على توفيرها له ولو قضت حياتها كلها تعمل فى المدارس.. فزعت فوزية من أفكارها، وتعوذت بالله من الشيطان الرجيم مرات كثيرة، وجرت على صغيرها تحمله، وتضمه إلى صدرها بشدة وكأنها تحاول إرجاعه إلى داخلها مرة أخرى، حتى هدأت.
 
عاد فؤاد من الشغل، مرهق جدًا، خائر القوى، فوجد زوجته نائمة على الكنبة فى الصالة أمام التليفزيون، تحتضن أبنهما فى حب، فخشى أن يحدث ما توقعه، وأن تتعلق فوزية بالصبي الصغير، وترفض التخلي عنه، وهو يتمنى له الأفضل، ويبحث له عن حياة ميسورة غير تلك التى يحياها وزوجته، فأيقظها، بقسوة وطلب منها تحضير الطعام له، فدخلت المطبخ تفتش عن أى شىء ليتناوله بعد يوم عمل طويل، فلم تجد سوى قطعة جبن، فوضعتها أمامه، فنظر لها فى ضيق، وقال "وهى دي حياة عايزة أبنك يعيشها.. تقدري تقوليلي هنصرف على علاجه أزاى وأحنا مش لاقيين حتى ناكل".
 
تنهدت فوزية بهدوء، ونظرت إلى صغيرها فى أسى، فهى عاجزة عن فعل أى شىء، عاجزة عن التخلي عنه، وعاجزة عن التمسك به، وعاجزة عن علاجه، وعاجزة عن إطعامه، وعاجزة عن كل شىء سوى النظر إليه بأسى.. فعادت مرة أخرى لأفكارها، عادت تتذكر إحدى المرات التى مرض فيها زوجها وجلست إلى جواره تراقبه يتألم دون أن تفعل له شىء، فهى لا تملك حق الدواء، ولا تملك أجرة المواصلات للمستشفى الحكومي، ولا تملك حتى ثمن الطعام، لا تملك سوى الدعاء له بالشفاء العاجل.. ولا تملك حاليًا سوى الدعاء لنجلها، وبالفعل، قامت وتوضأت، واتجهت إلى الغرفة الأخرى كي تصلي، وفور نطقها لتكبيرة الإحرام ملأت الدموع مآقيها دون أن تشعر.
 
أنهت فوزية الصلاة، وشعرت بالسكينة تملئ قلبها، وتثبته، فهي لن تتخلى عن صغيرها بسبب الفقر أو لأي سبب آخر، وخرجت لزوجها تنبأه بقرارها، فغضب، وثار عليها، وهددها بخطف الطفل وإيداعه أحد الملاجئ البعيدة إذا لم ترجع عن رأيها، فهو غير قادر على تحمله مسئوليته، ومسئولية علاجه، واعدًا أياها بزيارته باستمرار، وإذا ما تحسنت الأحوال فى المستقبل يمكن استرجاعه مرة أخرى، كما يمكنهما إنجاب طفل آخر معافى فهما فى مقتبل العمر، ولا تزال الحياة أمامهما طويلة إلا أن فوزية لم تقتنع بهذا الكلام، وأثرت على الإحتفاظ بصغيرها مهما كلفها الأمر، ولم يرق لفؤاد نبرة التحدي والعناد فى صوتها، وهم إليها يضربها بقسوة، فأصابها بجروح شديدة، وخلع فى الكتف الأيمن.
 
أستمر الحال على ما هو عليه عدة أيام، فوزية رافضة التخلي عن صغيرها، وفؤاد مُصر على التخلص من عبء مرض الطفل، وفى أحد المرات خطط الزوج للتخلص من أبنه المريض، وتنفيذ تهديده، وبالفعل أنتظر نوم زوجته، وحمل الوليد بهدوء، وما أن خرج به من الغرفة حتى شعرت به فوزية، وصرخت عليه، وأخذت طفلها من بين يديه بسرعة وضمته إليها فى حنان لطمأنته، وإسكات صرخاته، وشبت مشاجرة عنيفة بين الزوجين كالعادة، ترك فؤاد على إثره البيت، وعندما عاد فى اليوم التالى لم يجد زوجته، التى أنتهزت غيابه عن البيت، وتوجهت إلى محكمة الأسرة، ورفعت دعوى خلع، قبل أن تذهب لإحدى صديقاتها العاملات فى المدرسة، وتمكث عندها خوفًا من فقدان صغيرها.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق