«هبد» الشيوخ والدعاة!

الجمعة، 30 أغسطس 2019 03:03 م
«هبد» الشيوخ والدعاة!
أيمن عبد التواب

عندما تضعف الأمة يكثر الحديث عن تغييب العقول، ويبحث دعاة الكلام في الدفاتر القديمة عما يوارون به خيباتنا الثقيلة، وتخدير الجهلة وبسطاء العقول بعقاقير مخدرة من التراث، أو من تأليفهم الخاص، ويصبح الكلام عن المنطق دربًا من اللامنطق. ويكثر الترويج للخرافة والضحك على عقول العامة بقصص غير منطقية؛ ظنًا منهم أنهم- بصنيعهم هذا- يسيطرون على جمهورهم، أو، إن شئنا الدقة، ضحاياهم.
 
وما يفعله بعض الشيوخ والدعاة يتماس مع ما يلجأ إليه الجهلاء، والمحتالون، والنصابون.. فترى هؤلاء يخرجون عن النص، ويستشهدون بقصص ما أنزل الله بها من سلطان، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا.. بينما هم في الحقيقة يقدمون أكبر خدمة لأعداء الإسلام، والمتربصين به والذين لا يفرقون بين النص القرآني المقدس الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والحديث النبوي الشريف، وبين الروايات والقصص غير المنطقية، التي تملأ كتب التراث العربي والإسلامي. 
 
خذ عندك مثلًا.. أحد الشيوخ كان يتحدث عن فضل القرآن الكريم، قراءةً، وتلاوةً، وترتيلًا، وحفظًا.. وروى أن أبا بكر بن عياش، أحد أكبر الرواة، ختم القرآن الكريم (18 ألف مرة)، نعم ثمانية عشرة ألف مرة!
 
ولو أجرينا عملية حسابية بسيطة، سنجد ‏أن ابن عياش لو انه كان يختم القرآن مرة واحدة في اليوم، مع التسليم بصعوبة ذلك، فإنه لو ختم القرآن الكريم كل يوم ختمة واحدة سيحتاج إلى نحو 50 عامًا، وهذا أمر لا يطيقه البشر، بل إن النبي، صلى الله عليه وسلم، وهو الذي أُنزل عليه القرآن لم يفعل ما فعله أبو بكر بن عياش، وكذلك لم يفعله الخلفاء الراشدون، ولا العشرة المبشرون بالجنة! 
 
الأكثر غرابة، أن ما نقله الشيخ  عن ابن عياش، يتعارض مع حديث النبي، صلى الله عليه وسلم، عندما سأل عبد الله بن عمر: كم تختم القرآن؟ فقال: في كل يوم. فقال: له النبي: (إن لنفسك عليك حقًا، ولأهلك عليك حقًا، ولضيفك عليك حقًا، فاقرأه في كل شهر. فقال: إني أطيق أفضل من ذلك، فلم يزل يقول له حتى قال له اقرأه في كل أسبوع، ثم طلب الزيادة، فقال: اقرأه في ثلاث). 
 
فضيلة الشيخ لم يكتف بالرواية السالفة، بل إنه أراد إبهار الحضور أكثر، وانتزاع صيحات الإعجاب منهم، فقال إن عثمان بن عفان، رضي الله عنه، كان يصلي الليل كله بركعة واحدة، يقرأ فيها القرآن كله! فلو افترضنا جدلًا أن قراءة جزء القرآن تستغرق ثلث ساعة فقط، فمعنى ذلك أن الركعة التي يقرأ فيها «ذو النورين» القرآن كاملًا تأخذ 10 ساعات بالتمام والكمال، فمتى كان ينام رضي الله عنه، ومتى كان يأكل ويشرب، ويرعى أهل بيته، ويتابع أحوال المسلمين وهو خليفتهم ومسؤول عن شؤونهم، وحل مشاكلهم؟ 
 
ثم ولزيادة الإبهار والإعجاز أكثر وأكثر، روى الشيخ أن أحد الأئمة- لم يذكر اسمه- كان يصلي كل يوم 300 ركعة، نعم ثلاثمائة ركعة! فلو افترضنا أن كل ركعة تستغرق دقيقتين فقط، فذلك يتطلب منه 10 ساعات في اليوم للصلاة فقط، بعيدًا عن أي عمل آخر، وهذا فعلٌ لم يأمر الله به نبيه، فكيف لغيره من البشر؟! 
 
قطعًا، بعضنا سمع من بعض الشيوخ قصصًا أخرى واهية، ومكذوبة، وأكثر بعدًا عن العقلانية والمنطقية، وتزخر بها بعض كتب التراث، خاصة فيما يتعلق بالجنة والنار، والثواب والعقاب، والكفر والإيمان، والجن والشياطين، وكثير من هذه القصص تغيب العقل، ولا تحرض على التفكير والتفكر والتدبر، والتفقه، وغيرها من الأمور التي أمرنا الله بها. 
   
لكن لماذا يلجأ هؤلاء إلى ترويج هذه الخرافات، والاستشهاد بالأساطير في خطبهم، وأحاديثهم؟ المؤكد أن مَن يفعل ذلك ضعيف العلم، ويتأثر بالحكاوي والشطحات أكثر من ولعه بالقرآن وصحيح الأحاديث النبوية الشريفة؛ لذا يداري ضعفه، َجهله بالإكثار من الاستشهاد بهذه الخزعبلات، التي تخاصم العقل اليقظ، لكنها تجد أرضًا خصباء في عقول الكسالى، والذين يسلمون أمخاخهم لغيرهم، ليملؤنها بكل ما هو غث، وفاسد.
 
وربما أيضًا أن هؤلاء يخشون الكلام في المشاكل الحياتية للناس، مثل الجهل، والفقر، والمرض، وزيادة الغلاء، وارتفاع الأسعار، وبعض سياسات الحكومة؛ لأنهم يظنون أنهم إن تحدثوا في مثل هذه الأمور سيتعرضون لما لا تحمد عقباه، وقد يُمنعنون من الخطابة، ولا يصعدون المنبر مرة أخرى! فهؤلاء يرون أن الخطأ في الدين أهون من الخطأ في السياسة، ومبررهم أن الله غفور رحيم، بينما الحكومة شديدة العقاب!

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق