الانتحار ليس بكفر.. والخلاف حول جزاء المنتحر يوم القيامة

السبت، 07 سبتمبر 2019 05:52 م
الانتحار ليس بكفر.. والخلاف حول جزاء المنتحر يوم القيامة
منال القاضي

المنتحر كافر أم آثم، الأمر لم يحسم، لكنه أخذ حيزا كبيرا من تأويلات العلماء المسلميين واجتهاداتهم، كل منهم يدلل على  كلامه، لكن الجميع يرى أن مصيره النار خالدا فيها.

الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر، أفتى مؤخرا بأن الانتحار جريمة منكرة، لكنه من الكبائر وفاعله فاسق وآثم وارتكب محرم، وليس كافرًا ولايخرج من الملة باجماع الآئمة، مضيفًا أنه لم ينكر ماهو معلوم من الدين بالضرورة، وإنما أقدم على جريمة وهي إزهاق الروح التي تعتبر أمانة أودعها الله فيه، وخالف قول الله سبحانه وتعالى: «وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا».

وتابع، أن المنتحر جزاءه حسب المشيئة الإلهية، وإن كان هناك أخبار وأثار أنه سيدخل النار، لكن ليس معلوم ما إذا كان سيخلد فيها أم لا، لكن ربه أرحم به من نفسه.

لم يرد نص يقول بكفر المنتحر، لكن هناك نصوص اقتبس منها أصحاب التكفير حكمهم. الدكتور عبد المنعم فؤاد، عميد كلية الوافدين والأمين العام للرواق الأزهري، بأن المنتحر هو عاصي وليس بكافر، بدليل أنه يغسل ويكفى ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين، لكن جرمه كبير لأنه لم يصبر على ما أصيب به ولَم يصبر على ما قدر الله له في الحياة، ولَم يسعى لاتخاذ الأسباب كاملة، ونسي التوكل على الله لذا جرمه كبير وأمره الى الله وما قتل نفسه به من حديدة أو مسدس او سكين الخ سيبعث به في يده يوم القيامة ولله أمره لكن لم يقل احد من العلماء بكفره.
 
الدكتور مصطفى شعلان، أستاذ علوم القرآن بجامعة الأزهر، قال إن الانتحار من الآثام العظام والذنوب الكبار التي توعد النبي صلى الله عليه وسلم فاعلها بالعذاب الأليم؛ لأنه دليل على ضعف الإيمان ورقة الدين، والمؤمن حقاً لا يقدم على الانتحار مهما أصابه من بلاء الدنيا ولأواها، بل يصبر ويحتسب مقتدياً في ذلك بالنبيين صلوات الله وسلامه عليهم، مدركاً حقيقة الحياة الدنيا وأنها دار امتحان وابتلاء: {الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً}.
 
ولذلك عد العلماء قتل النفس من كبائر الذنوب، استند شعلان، إلى قول ابن حجر الهيتمي رحمه الله في كتابه (الزواجر عن اقتراف الكبائر): «الكبيرة الرابعة عشر بعد الثلاثمائة (قتل الإنسان لنفسه)»، وهنا جملة أمور لا بد من الإحاطة بها: أولها: أن وصف الإسلام باق للمنتحر فلا نرميه بالكفر، بل أمره إلى الله؛ ويدل على ذلك ما ثبت في صحيح مسلم.
 
واستسهد أستاذ علوم القرأن بالازهر بحديث الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه أنه هاجر إلى المدينة ومعه رجل من قومه، فجاءوا المدينة، فمرض فجزع فأخذ مشاقص له فقطع بها براجمه، فشحبت يداه حتى مات، فرآه الطفيل بن عمرو في منامه وهيئته حسنة، ورآه مغطياً يديه، فقال له: ما صنع بك ربك؟ فقال: «غفر لي بهجرتي إلى نبيه صلى الله عليه وسلم»، فقال: ما لي أراك مغطياً يديك؟ قال: «قيل لي: لن نصلح منك ما أفسدت»، فقصها الطفيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم وليديه فاغفر»، وقد ترجم الإمام مسلم رحمه الله تعالى لهذا الحديث بقوله: «باب الدليل على أن قاتل نفسه لا يكفر»، فما يعتقده كثير من الناس من كفر المنتحر لا دليل عليه بل الدليل على خلافه. 
 
وثانيها: أنا لا نجزم بدخول المنتحر النار، بل هو تحت المشيئة إن شاء الله عذبه وإن شاء غفر له؛ لعموم قوله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}، ومن أصول أهل السنة أنهم لا يشهدون على معين من أهل القبلة بأنه من أهل النار إلا من ورد فيه النص عن المعصوم صلى الله عليه وسلم بخصوصه. .. ثالثها: أنا لا نجزم بخلوده في النار لو دخلها، بل يحمل الحديث كما قال بعض العلماء على من فعل ذلك مستحلاً مع علمه بالتحريم فيكون كافراً، أو أن المراد بالخلود طول المدة والإقامة.
 
ومن جانبه أكد الشيخ عبد الناصر بليح مدير عام بالأوقاف بأن الانتحار من الآثام العظام والذنوب الكبار كما وروى الإمام مسلم فى صحيحه من حديث أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قتَل نفسه بحديدة، فحديدته فى يده يتوجأ بها فى بطنه فى نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومَن شَرِب سُمًّا، فقتل نفسه، فهو يتحساه فى نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن تردَّى من جبل، فقتل نفسه، فهو يتردى فى نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، واستشهد بليح يروى عن  البخارى، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «الذى يخنق نفسه، يخنقها فى النار، والذى يطعنها، يطعنها فى النار.
 
وجمهور الفقهاء علي أن المنتحر يُغسل ويصلى عليه، ومعلوم أن الكافر لا يغسل ولا يصلى عليه، وقد ذُكِرَ فى الفَتَاوَى الخانيّة: أن المسلم إِذَا قَتَل نَفْسَهُ فِى قَوْل أَبِى حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ يُغَسَّل وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، وهذا صريح فى أن قاتل نفسه لا يخرج عن الإسلام، كما وصفه  بعض العلماء بأنه فاسق كسائر فساق المسلمين.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق