خناقة الأفاعي.. حرب الفيديوهات بين الناشط والمقاول: عودة لمشهد الفوضى الخلاقة

الخميس، 12 سبتمبر 2019 04:48 م
خناقة الأفاعي.. حرب الفيديوهات بين الناشط والمقاول: عودة لمشهد الفوضى الخلاقة
صابر عزت

>|< معركة السوشيال ميديا تسقط عباءة الثورية من رفقاء الماضى
>|< الإخوان وحلفائهم يصفون حساباتهم مع رفيقهم السابق وائل غنيم 

 
«وقعوا في بعض».. أصدق تعبير يمكن أن نصف به المشهد المرتبك الذي يعيشه متابعو «السوشيال ميديا»، على مدار الأيام الماضية، فبعد حالة من الصمت والاختباء انفجرت ماسورة التخوين والاتهامات المتبادلة بين رفقاء (الأمس)، الذين  ظهروا متشابكي الأيدي أمام كاميرات الفضائيات في (25 يناير 2011).
 
لكن مع مرور الأيام والسنوات، تضاربت المصالح بين رفقاء من يُفترض أنهم يقفون في دائرة واحدة، فكانت النتيجة هذه المشهد العبثي الذي حاول المشاركون فيه أن يتصدروا الصورة وهم يعدون لفوضى شبيه بتلك التي كانوا ضالعين بها في (2011) وما بعدها.
 
من مقاول هارب إلى وائل غنيم، وما بينهما ظهرت شخصيات أخرى كل واحد منهم كان يعد نفسه لدور معين، يسعى إلى توظيفه بداية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وإن نجحت الفكرة يكون الفعل  على الأرض، لكن ولأن أهدافهم كانت «خبيثة» فلم يستمر تحالفهم كثيراً، وظهرت «البغضاء» بينهم، وتحول تحالفهم «السري» إلى تبادل للشتائم والسباب العلني.
 
«الفوضى الخلاقة».. مصطلح ظهر قبل بضعة أعوام من ثورة يناير، وهو مصطلح سياسي، يقصد به أن تكون حالة بعد مرحلة فوضى متعمدة الإحداث، وبمعنى أوضح: «أن يقوم- بأحداث ما بعد الفوضى- أشخاص معينة دون الكشف عن هويتهم»، ذلك بهدف تعديل الأمور لصالحهم، أو تكون حالة إنسانية مريحة بعد مرحلة فوضى متعمدة من أشخاص معروفة من أجل مساعدة الآخرين في الاعتماد على أنفسهم ، فالفوضى الخلاقة هي فوضى تؤدي إلى نتيجة إيجابية.
 
وعلى الرغم من بروز أسمائهم، إلا أن الأمر غير مرتبط بحرب الفيديوهات التي نشبت مؤخرا بين وائل «غنيم، والمقاول»، ولا بامتدادها إلى منصات التواصل الاجتماعي التي انقسمت إلى فرق عديدة، وإنما يتصل بماكينة التناقضات التي تقف وراء هذا التلاسن، وبالأطراف الناشطة في تأجيج الصراع، أو المُحركة له منذ البداية.. عمليا يبدو أن ما تكشفه الشتائم المتبادلة حتى الآن أقل كثيرا مما يتشكّل في الكواليس، خاصة أن التلاسن وتوزيع الاتهامات أمتد ليشمل رفقاء الأمس.
 
فيديوهات الطرفين، تحمل العديد من الرسائل الخفية، والدلائل والقرائن، التي لا تدع مجالا للشك أن الأمر محض مكيدة، فخارج سياق المحتوى الكثيف الذي يبثه الوجهان المعبران عن الصراع حاليا، «المقاول، ووائل غنيم»، تكمن العديد من الرسائل، التي كشفتها الخلفية التاريخية للأحداث، والثنائي المتلاسن.
 
قبيل أحداث (25 يناير)، بدأ وائل غنيم يسطو على الساحة السياسية، سواء أكان من منطلق كونه شابا طموحا، يعمل في شركة عالمية، أو من منطلق أنه استُدعى لاقتحام المشهد السياسي، فدشّن- آنذاك- السياسي البطل- كما يدعي- صفحة «كلنا خالد سعيد» بالشراكة مع شاب إخواني، وبدأ نشاطه، وفي الفترة التالية انفتحت قنوات اتصاله على طيف واسع من القوى السياسية، في القلب منه جماعة الإخوان الإرهابية، التي ما يزال متواصلا معها، بحسب ما أكده بنفسه في آخر فيديوهاته (الأربعاء)، من أنه هاتف محمد سلطان، نجل القيادي بالجماعة صلاح سلطان، وانتقد موقفه في زيارة الكونجرس والتحريض ضد مصر رغم علمه بموقف الإدارة الأمريكية تجاه الدولة المصرية.
 
على الجانب الأخر، يقف الخصم، المقاول، والذي عمل في مجال المقاولات منذ قرابة الـ(17) عاما تقريبا، وكان مقربا من تدرّجات السياسة العليا في نظام مبارك، بل إن ما يجرى تداوله في دوائر مقربة منه أنه كان صديقا لنجل الرئيس الأسبق، علاء مبارك، وظهر في بعض مباريات ودوريات الكرة الرمضانية التي كان ينظمها، وشارك في مشروعات تابعة لمستثمرين بارزين في النظام، منها منتجع «جولي فيل» المملوك لحسين سالم في شرم الشيخ والفيلات المملوكة لمبارك ونجليه داخل المنتجع، وربما لا تكون مصادفة أن يستقر مقامه قبل قرابة سنة في إسبانيا، التي حمل حسين سالم جنسيتها ويستقر ابناه فيها، ويملك بها استثمارات عملاقة في عشرات المجالات، بينها العقارات التي اختار المقاول العمل بها.
 
ربما يرى البعض أن المعلومات السابقة غير مجدية، لكنها تشير إلى مدى تدني الثنائي، وأنهما لم يكن لهما شأنا بالسياسية مطلقا، كما أنها تجعل دائرة الشكوك حول الثنائي تتسع تدريجيا، خاصة وأن الثنائي لم يدعم إدعاءاته سواء كان بالبطولة أو انتشار الفساد بالقرائن والدلائل الدامغة.
 
يُمكن النظر إلى تلك الدائرة المفتوحة من الشكوك باعتبارها امتدادا لحالة السيولة التي نشأت من رحم ثورة يناير. وقتها كان الجميع يشتبكون ويتبادلون الاتهامات، بأدلة حينا وبدون أدلة في أحايين كثيرة، وتطور الأمر مع اقتحام مجموعة من النشطاء لمقرات جهاز أمن الدولة، وتسريبهم أوراقا قالوا إنها وثائق تدين قطاعات منهم، ثم دخولهم مسارا آخر أكثر تطورا مع تبادل تسريب المحادثات الهاتفية.
 
المشهد الراهن يبدو شبيها، على الأقل في ضوء المعلومات المتاحة: وائل غنيم الذى ظهر على الصعيد السياسي بشكل مفاجئ وغامض، يشتبك مع المقاول الذي كان وثيق الصلة بأبناء مبارك ورموز نظامه، ويتبادلان الشتائم والاتهامات، كما كان يحدث بين الطرفين قبل ثماني سنوات، في الوقت الذي ما تزال فيه مُخرجات 30 يونيو قيد التماسك، على مستوى الأحزاب والقوى السياسية ومؤسسات الدولة.
 
ربما يكون تماسكا ناتجا عن مبادئ التحالف ضد الإخوان قبل ست سنوات، وربما يكون نتاجا مباشرا لتطورات الظرفين السياسي والاقتصادي ورؤية كل الأطراف لتحدياتهما، لكنه في النهاية يظل مشهدا متماسكا ومحافظا على نظامه، في مقابل امتداد فوضى يناير وعبورها للمراحل، لكنه لم يعد في مقدورها التعبير عن نفسها في بيئة داخلية مُرتبة، لذا كان الصراع من الخارج تأكيدا لحالة الانفصال بين المسارين، ومن الولايات المتحدة التي يُراهن عليها الإخوان كثيرا، حيث يتحدث وائل غنيم، وإسبانيا التي لجأ إليها حسين سالم وبعض رموز نظام مبارك، حيث يقيم المقاول، يبدو أن مشهد التحالفات يُمكن تفكيكه على تلك الأرضية.
 
التلاسن بين المقاول ووائل غنيم، والذي أصبح كالنار التي تأكل الأخضر واليابس، دفعنا لمحاولة قراءة الوضع السائد، والذي يبدو في مضمونه، كـ«صراع النظامين السابقين»، فبحسب المعطيات الأولية، يُفترض أن يكون وائل غنيم والمقاول في جبهة واحدة، باعتبار أنهما يحملان موقفا مضادا للنظام السياسي القائم، لكن أن ينقسم هذا المسار إلى حرب جانبية مشتعلة بينهما، فإن يشير إلى انطلاق كل منهما من جبهة مختلفة. تستهدف أمرا واحدا ولكن كل منهما مدعوما من قبل جماعة أخرى.
 
يُحسب وائل غنيم على ثورة (25 يناير)، التي ما تزال كل مكوناتها تقريبا داخل مصر، باستثناء جماعة الإخوان الإرهابية التي اختارت خوض الصراع من مراكز بديلة، في الدوحة واسطنبول ولندن والولايات المتحدة، أما أقرب الأرضيات الواضحة للمقاول فإنها تعود إلى فترة نشاطه وتكوين ثروته قبل يناير (2011).
 
وبالنظر إلى ما يتردد عن صداقته الوثيقة بنجلي مبارك، أو لقاءاته المتكررة بأسرة حسين سالم في إسبانيا، فإن تلك الأرضية المرتبطة بالنظام الأسبق تصبح أكثر ثبوتا، وهنا يتحول المشهد من صراع «وائل – المقاول»، إلى صيغة أقرب لثنائية «مبارك – الإخوان»، ما يجعل الأمر أقرب إلى صراع بين نظامين سابقين، اختلفت رؤاهما في آلية مواجهة النظام القائم، فبدلا من توجيه كامل الطاقة لاستهداف هذا النظام ومؤسساته، تفرّعت صراعاتهما بغرض الاستحواذ على صدارة مشهد المواجهة، فلمع في الأجواء طيف من النيران الصديقة المتبادلة بين حلفاء ما قبل (2011)، أعداء ما بعد الثورة.
 
في عُمق المشهد يبدو الأمر أكثر تركيبا. يرى الإخوان أن رواج محمد على يُحقق لهم فائدة في المواجهة مع نظام (30 يونيو)، لكنهم يستشعرون القلق من إزاحتهم عن واجهة الصورة، لذا فإنهم بينما ينشطون في ترويج فيديوهات المقاول عبر قنواتهم ومنصاتهم الرسمية، فيما يبدو أنه تأكيد لوحدة الجبهة، يخرج وائل غنيم الذي لم يفارق أرضية التحالف معهم مهاجما المقاول ومروجا اسم محمد مرسي وزوجته وابنه عبد الله، ضمن محاولة يبدو أنه غير عفوية للظهور في المشهد وانتزاع جانب من الضوء، وهنا يبدو الأمر تعبيرا مضمرا عن حجم الصراع العميق والمكتوم بين الطرفين. يُحاول الإخوان الاستفادة من أوراق نظام مبارك، لكنهم يُخططون في الوقت نفسهم لإزاحتها من المشهد بعدما تنتهي من أداء دورها.
 
وائل غنيم والمقاول، راهنا من خلال مقاطع الفيديو المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، على جاذبية الخطاب اللاذع أو بمعنى أدق الهجوم وملامسة الحالة الإنسانية، عبر اللجوء إلى الألفاظ الحادة والشتائم ذات الطبيعة الجنسية والقصص غير الموثقة المحمولة على خطاب التشهير، أو «التشنيع».
 
وربما كان السبب في تلك الصياغة للخطابات الموجهة للجمهور، هو الهروب، من نقص المعلومات والتي يتم التغطية عليها بالسباب، لكن الأمر في العُمق يُعبر عن اختلالات ثقافية وأخلاقية وسياسية ينطوي عليها الخطاب السياسي المناوئ، ويُثير تساؤلات بشأن الذهنية الدافعة لتلك الاشتباكات، والآلية التي جرى تخطيطها من خلالها.
 
فمن المعروف عن وائل غنيم في أوساط شباب الثورة بأنه شخص مهذب، لكنه في الفيديوهات الثلاثة الأخيرة تخلى عن هذا التهذيب واتجه إلى مستوى سافر من الشتائم والتعبيرات الجنسية. الأمر نفسه سيطر على المقاول طوال فيديوهاته التي تجاوزت العشرة، هنا يخرج الأمر عن دائرة الهجاء السياسي إلى حدود التغطية على أزمة حقيقية يعيشها المعسكران اللذان ينتمي إليهما الطرفان، فضلا عن افتقاد الخطاب العميق والموثق الذي يُمكن أن يُمثّل أداة فعالة وحاسمة في حرب سياسية.
 
الحرب اتخذت منحى ربما كان أكبر من حجمه، فقد دخل أصدقاء وائل غنيم سريعا على الخط في محاولة لاحتواء الصراع، حيث كتبت أسماء محفوظ راجية المقاول ألا يلتفت إلى سباب صديقها، الذي فسرته بأنه يمر بأزمة وحالة عدم وعي، ومثلها كثيرون من أصدقاء وائل وحلفائه السابقين أخذوا المسار نفسه، لكن في المقابل واصل «المقاول» هجومه الحاد على «غنيم»، واعتبره «زومبي» وكال له السباب بكل الصور، بينما هلّل فريق واسع من متابعوه لتلك الهجمة الشرسة، ليبدو الموقف وكأن الأرضية الجماهيرية المتابعة للتلاسن القائم على مواقع التواصل يجرى فرزها هي الأخرى، وتُعبر عن انتماءاتها الأولية عبر انتقاء ما تروجه، أو تمتدحه، أو تستهجنه من الطرفين.
 
على الجانب الأخر، اعتمد «المقاول»، في فيديوهاته، على تشويه شخصيات وجهات بعينها، كما انطوى في حديثه على منشآت عسكرية بما يناقض الضوابط القانونية، لذا قد لا يكون ممكنا التعليق عليه تفصيلا. لكن بعيدا عن محتوى عشرة فيديوهات امتدت لقرابة (5) ساعات، ذكر فيها خمس أو ست معلومات بالكاد واستمر في تكرارها، دون إعلان وثيقة أو تعاقد أو رقم تحويل أو أوراق قرض بنكي، وبعيدا أيضا عمّا أعلنه آخرون، بينهم صحفيون ومهندسون، عن أن «المقاول» ماطل مقاولين آخرين وسلب مستحقاتهم، أو مارس النصب على مواطنين حجزوا وحدات في مشروعات سكنية نفذتها شركته، أو اغتصب ميراث شقيقه المقاول إبراهيم على وأجبر والدته على التنازل عن حصتها، كل تلك الأمور تبدو هامشية في مقابل القضية الأساسية.
 
"المقاول"، بدا منذ اللحظة الأولى مخططا بدقة، كثافة في الظهور، وإلحاح في ترديد بعض الأمور غير الموثقة، وإشارات عامة يجرى تسويقها كمعلومات يحيط بها ضخ كثيف للسباب والتشهير والخطاب اللاذع، لكن هذا المسار لم يكن يضع في حسبانه احتمال دخول أطراف أخرى على الخط، لذا كانت الصدمة كبيرة بخروج وائل غنيم وتعليقه على الأمر، ورسالته الواضحة لـ«المقاول» بضرورة الكف عن هذا السلوك، وتلميحه بمواصلة الحديث. عند تلك النقطة يبدو أن الجانب الآخر استشعر قدرا من الخطورة، فمن جانب يحوز وائل غنيم حضورا واسعا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ويُمكن أن يُفجّر بالونة «المقاول»، إذا قرر شكّها بدبوس واحد، ومن جانب آخر ربما تتوافر لديه معلومات عن علاقات «المقاول» السابقة أو صداقته برموز نظام مبارك أو حركته في برشلونة، ومن جانب ثالث فإن بإمكانه اعتماد خط «المقاول» نفسه بقدر من الشائعات عن المقاول وقائمة طويلة من الشتائم والخطاب اللاذع.
 
وهنا يُمكن أن تتغير الصورة تماما. الأمر كان يُمكن أن يكون أكثر هدوءا لو أن «المقاول» ينطلق من أرضية ثابتة فعلا، ولا يُراهن على خطاب مصنوع عماده الأساسي الاستناد إلى أثر الشائعة وآليات التشهير، لذا فإن حالة الارتباك التي استشعرها لا تعكس حجم الصراع بين الجناحين، أو القلق من وائل غنيم نفسه، وإنما تطعن في كل ما قاله «المقاول»، وتؤكد أنه ينطلق من فراغ لا تدعمه وثيقة أو مستند!.
 
في فيديوهات وائل غنيم الثلاثة بدا الناشط السابق نادما عما حدث، بل عبّر بوضوح عن شعوره بالندم على ما شارك فيه منذ (2011) حتى الآن، بينما بدا «المقاول»، الذي تحدث أكثر من مرة عن خسائره وأنه لم يربح كثيرا منذ (2014) حتى الآن، ناقما على التطورات التي حرمته من فترة المجد التي عاشها بين (2002 و2011).
 
لكن السؤال الأهم يظل مُعلقا في فضاء صراع الناشط والمقاول، حول سر اندلاع المعركة الآن تحديدا، في الوقت الذي يقيم فيه وائل غنيم في الولايات المتحدة منذ سنوات، ويُقيم «المقاول»، في إسبانيا منذ قرابة سنة، فضلا عن حالة الشطط واهتزاز الوعي التى يبدو عليها الاثنان.
 
في آخر فيديو لـ«غنيم» استهلك وقتا طويلا في الحديث عن قيم أقرب إلى البوذية، وسباب الخصوم والأصدقاء والحلفاء والمتابعين، بينما تبدو على «المقاول» آثار انسحابية لمرحلة علاج من الإدمان، اعترف وائل غنيم بأنه كان باحثا عن الشهرة، وأكد «المقاول»، سعادته برواج فيديوهاته واحتفاء الناس به. يكمن مفتاح المشهد في نزوع شخصي للرواج، وهي الحالة التي يُمكن أن تقود تداعياتها النفسية للانزلاق إلى الخطابات المارقة وما تنطوي عليه من تشهير واختلاق واختراق للقانون، أو التحول إلى صيغة «المهرج» الذي يتقاضى مكافآته من ضحكات الجمهور.
 
يندم وائل غنيم الآن على ما شارك فيه بدون معلومة، وفي المقابل لا يملك «المقاول»، وثيقة على ما يقول. من المتوقع أن يواصل الطرفان حرب التلاسن وتبادل الشتائم، ويظل الرهان قائما على جاذبية الشائعة والنميمة المنمقة، وعلى رواج الخطاب اللاذع الذي يتجاوز الضوابط الاجتماعية والأخلاقية، ويخترق القانون أيضا.
 
تلك الحالة تضمن ذيوعا على وسائل التواصل الاجتماعي، ووسط الدوائر المؤيدة للمعسكرين من الأساس، لكنها لا تتجاوز حدود هذا الأثر المُشبع على طريقة الهجاء السياسي، في الوقت الذي تُعرّى فيه تحالفات الطرفين وصراعاتهما، وتضع الخطاب المناوئ والمعارضة السياسية بكاملها في مأزق، إذ لا يُمكن أن يكون الرهان على خطاب النميمة والتشهير واختلاق الوقائع ركيزة راسخة للعمل السياسي، أو حتى لتوظيف موروث الفوضى المُتبقى من يناير لاختراق نظام يونيو.
 
رغم ما تملكه يناير من جاذبية وحضور في المُخيلة، إلا أنها تظل بالنسبة لمرحلة ما بعد يونيو ظهيرا أخلاقيا وقيميا، ولا يُمكن أن يكون القفز على صورتها الطوباوية بالنسبة لأغلبية من شاركوا فيها إلا بمثابة انتهاك عميق لها، وتعرية جديدة لأعداء ادّعوا الانتماء إليها، وكانوا يومًا بين صفوفها.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق