الضرب في المدارس

الثلاثاء، 17 سبتمبر 2019 02:33 م
الضرب في المدارس
حسين عثمان يكتب:

أن تلتحق طالباً في مدرسة يعمل والدك بإدارتها تجربة مختلفة بكل المقاييس، ويزيد من صعوباتها استقامة الوالد وقدرته الفائقة على وضع فواصل حادة بين الشخصي والمهني، كنت وقتها طالباً يلتحق بالصف الأول الإعدادي بمدرسة باب الشعرية الإعدادية بنين، وكان والدي رحمة الله عليه وكيلاً لها في هذا الوقت من مطلع الثمانينيات ويختص بشئون الطلاب، وإذا به يدخل فصلي الدراسي ثائراً على شخصي الضعيف في الأيام الأولى من الموسم الدراسي، طالباً مني أمام زملائي جميعهم أن أفتح يدي لأتلقى منه أربعة عصيان لا أنساها ما حييت، بينما يؤكد علي أثناء ضربي بصرامة، أنني كأي طالب في المدرسة إن لم يكن أقل.

وبينما أبكي بحرقة مظلوم يجهل ما فعله من سوء سلوك يستحق عليه العقاب، وجدت زميلي المجاور بمقعد الدراسة يبكي بجانبي مشفقاً وهو يعتذر، ولما اندهشت أفادني بأنه شكاني إلى والدي مدعياً بالكذب أنني أهنته، بل وأكدت عليه أنني ابن وكيل المدرسة أفعل ما أريد، وفي اعتذاره أوضح زميلي المشاكس أنه لم يفعل هذا كله إلا بنية التأكد مما يظنه البعض من مكانتي الخاصة بين الطلاب، باعتبارات المحسوبية لوالدي وكيل المدرسة، فكان ما كان، ضرب أبي كان مؤلماً ولكنه واعياً في نفس الوقت، والأمر كله نبهني مبكراً إن الحكاية جد، بابا فعلاً في البيت، أما وكيل المدرسة، فهو الأستاذ علي عثمان.

الأستاذ كمال صادق رحمة الله عليه، مدرس أول اللغة الإنجليزية، وقام بتدريسها لنا في الشهادة الإعدادية، اعتاد أن يبدأ حصته معنا بالإملاء، عشر كلمات فقط لا غير في دقائق معدودة، يلقيها ونكتبها قبل أن يمر علينا للتصحيح حاملاً قلمه الأحمر وعصاه الرفيعة القصيرة، تنجو إذا حصلت على العلامة الكاملة، أما كل خطأ فتستحق عنه مصافحة حارة من عصاه على كفك، ولا ينسيه هذا تصويب خطأك الإملائي، حصيلة لغوية لا يستهان بها كانت من نصيبنا من وراء هيبة الأستاذ كمال صادق وعصاه، الأجواء كانت جادة ولكنها لطيفة في نفس الوقت، وضرب الأستاذ كمال صادق أيضاً كان واعياً بقدر ما كان مؤلماً.

أما الأستاذ يحيى رمضان متعه الله بالعمر والصحة، مدرس الرياضيات في المرحلة الإعدادية أيضاً، وفي معظم الأحوال كان يتولى مهام الإشراف المدرسي، عصاه الرفيعة الطويلة ذات المقبض البيضاوي الصغير لم تكن تفارقه، كان يقوم بمهام الإشراف كما يجب، عينه على كل طالب في وقت الفسحة المدرسية وأثناء الفواصل بين الحصص، حوالينا في كل بقعة من بقاع ملعب المدرسة وأدوارها ومرافقها، لفظة نابية أو حركة خارجة أو سوء سلوك، جميعها دواعي كافية لأن ينزل مقبض عصاه فجأة ولمرة واحدة على رأس المخالف، ضربة مؤلمة ولكن واعية، توجيه صارم وخفة دم لا تنسى، كنا نحبهم جميعاً ونهابهم في نفس الوقت، ربونا وعلمونا.

الضرب في المدارس قضية خلافية تثور مع مطلع كل موسم دراسي، وتفور مع حوادث الضرب المتوالية خلاله، والدي الله يرحمه كان يسخر من دعوات تجريم الضرب في المدارس، لم يكن يؤمن بالتعليم دون التربية، ولا بالتربية دون الضرب، والحقيقة أنني أوافقه من حيث المبدأ، فقط كنت أختلف معه موضحاً، أن المُعَلِم لم يعد هو المُعَلِم، كما أن التلميذ لم يعد هو التلميذ، وعي المُعَلِم اليوم يغاير وعي المُعَلِمين أمثالكم يا أبي، كما أن شطحات تلاميذ هذه الأيام لا تُقارن بشقاوة أمثالنا كتلاميذ وقتها، الضرب في المدارس صار قاتلاً، والشقاوة تماست مع الجريمة، الأسلم الآن تجريم الضرب في المدارس، ربنا يستر.                                

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق