«الجوكر» ما بين «الكوميكس» والواقع

الأحد، 20 أكتوبر 2019 07:00 م
«الجوكر» ما بين «الكوميكس» والواقع
فيلم الجوكر
شيريهان المنيري

 
امتدت شهرته في أنحاء العالم بكل طوائفه ولغاته واختلافاته مُحققًا أعلى الإيرادات منذ اليوم الأول من عرضه في دور السينما، فهو شخصية "كوميك" شهيرة واقع في غرامها أصحاب هواية القراءة لهذا النمط من الكتابة ومتابعي أفلام DC والتي اُختصَت بإنتاج أفلام حول شخصيات مثلت نماذج أبطال لأجيال لسنوات طويلة.
 
"الجوكر" هو أحد تلك الشخصيات المؤثرة في أذهان الكثير من المشاهدين لهذا النمط من الأفلام، وخاصة لارتباطه بشخصية "باتمان" الشهيرة حيث ظهوره كعدو له، ولعل الأداء الأشهر للجوكر كان للفنان الاسترالي الراحل هيث ليدجر، والذي كان اداءه لهذا الدور سببًا في وفاته نظرًا لتأثره الشديد بالشخصية ودراسته لها حتى اتقانها إلى ها الحد إلي ربما جعله يلتصق بالشخصية دون القدرة على التخلص منها حتى وبعد انتهاء تصوير الفيلم وما حققه من نجاح باهر.
 
ويبدو أن نجاح "الجوكر" في أجزاء فيلم "باتمان" كان سببًا مما لاقاه الإعلان عن إنتاج فيلم يختص بقصة حياه "الجوكر" من ترحيب، وأيضًا ما حققه من إيرادات عالية مستمرة حتى يومنا هذا. ويبدو أن ما أعلنت عنه الشرطة الأمريكية من استعدادات تأمينية في المناطق التي شهدت عرض الفيلم كان له دورًا أيضًا في التفات البعض إلى هذا الفيلم بشكل أكبر للوقوف على أسباب المخاوف مما يتناوله الفيلم من مشاهد تحُض على العنف.
 
الغريب في الأمر أنه مع مشاهدة الفيلم يتكشف سريعًا أن ما به من مشاهد تُوصف بالعُنف لا يُقارن بغيره من كثير من الأفلام الأمريكية التي بها الكثير من مشاهد أكثر عُنفًا ودموية والتي تصل في كثير من الحيان إلى درجة السادية ولعل من أشهر النماذج على ذلك سلسلة فيلم Saw. 
 
ان رواية "الجوكر" هذه المرة ركزت في الأساس على فكرة مرضه النفسي وكونه ضحية مجتمع بدءًا من والدته والتي اكتشف البطل في نهاية أحداث الفيلم أنها غير سوية وأنها كانت جزءًا رئيسيًا من أسباب مرضه النفسي وحتى من أحاطوا به في مجال عمله وسكنه، وحتى أثناء تجوله في الشوارع العامة حيث الاستهانة بمرضه النفسي أو التقليل من شأنه باستمرار. وعن تناول الأفلام الأمريكية فكرة الأمراض النفسية فهذه الفكرة ليست بالجديدة ومن أكثرها شهرة خلال السنوات الأخيرة الماضية ربما حقق فيلم Split إلى جانب سلسلة The purge النسب الأعلى من المشاهدة والتداول بين الفئات المختلفة فلماذا جاء إعلان الشرطة الأمريكية على ها النحو، وتداول الميديا الأمريكية لذك الإعلان والذي تم تداوله في العديد من الوسائل الإعلامية العربية وغيرها مُحققًا نوع من الإثارة والتشويق لمشاهدة الفيلم ؟!
 
بعيدًا عن نظرية المؤامرة لن أقول أن الفيلم يُنادي بالثورات بين الأوساط المُهمشة، أو أنه ضمن مُخطط مُحاولة إعادة مشروع الفوضى الخلاقة في منطقة الشرق الأوسط؛ بينما الواضح أنه خلق حالة مختلفة وربما عكست تعليقات عدد من النشطاء عبر السوشيال ميديا في المنطقة العربية ذلك الأمر في بداية عرض الفيلم، حيث التعاطف مع حالة "الجوكر" وشعور البعض أن مُعاناته قريبة منهم حيث "التهميش" أو تكرار سوء معاملة المجتمع كنتيجة للمستوى الاجتماعي المختلف "فكرة الطبقية"، فيما أدرك البعض الآخر مع الوقت أن ما حاول "الجوكر" أن يعكسه من مُعاناة ربما هو أقل من معاناة الكثيرين على أرض الواقع وانقلبت الصورة إلى تعليقات ساخرة منه ومما حاول الفيلم أن يبثه أو ينقله إلى المشاهد، وهو في رأيي ما يعني فشل الفيلم في إيصال رسالته الحقيقية.
 
وعن بعض التعليقات الأجنبية فقد تناولت ما تناوله الفيلم من مضمون بشكل أكثر موضوعية، حيث مقارنة الأسباب التي وصلت ببطل الفيلم الجديد إلى تلك الحالة حيث ما وصفوه بـ "المجتمع المُلوث"، في حين أنه مع ظهوره في "باتمان" كان السبب فيما لاقاه من تحول في شخصيته أو سقوطه في مواد كيميائية تسببت في تشوهه، ولعل ما حاول بعض الغرب التعبير عنه أن المجتمعات بشكل عام أصبحت ُمشوهه بشكل عام من الناحية الاجتماعية بعيدًا عن أي محاور آخرى، وأن المشكلة تكمُن في أخلاقيات وتصرفات الأفراد التي مع طبيعة الحياة السريعة وما طرأ عليها من تكنولوجيا وسيطرة النظرة المادية تحولت إلى أشكال همجية تُحارب جميعها بمبدأ البقاء للأقوى ذلك المبدأ الذي يؤدي في النهاية إلى القضاء على الجميع تمامًا كما بدأت الحياة الهمجية على الأرض.
 
وأخيرًا، "الجوكر" ليس حالة منفردة في مكان أو منطقة واحدة؛ بل هو نموج لكثيرين وانعكاس لواقع مرير ترتبط على انعدام الأسس والمبادئ والأخلاقيات في المجتمعات شرقًا وغربًا؛ فبدلًا مما كانت تُعانيه عدد من البلدان الأجنبية من عنصرية بناء على لون البشرة والعرقيات أصبحت تُعانيها بكل أشكالها، وإن كان هناك هدفًا من "الجوكر" الجديد فيجب أن يكون هو النظر لما حدث في المجتمعات مؤخرًا من انحدار في منظومة الأخلاق يصل إلى حد الاستهانة من بعضنا البعض وما يُعانيه كل فرد مهما كانت ضآلته، ومحاولة الوقوف على حلول لذلك لحماية الأجيال القادمة.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة