متى تتوقف حوادث الآبار؟

السبت، 30 نوفمبر 2019 11:26 ص
متى تتوقف حوادث الآبار؟
حمدى عبدالرحيم يكتب:

 
نشرتُ الصحف- فى زمن مضى- خبرًا تحت عنوان «مقتل أربعة صعايدة بسبب فرخة»، أذكر أن الشاعر الكبير الأستاذ عبدالرحمن الأبنودى قد ثار يومها ثورة هائلة، لأن عنوان الخبر ومتنه قد أغضباه، راح يتقصى الواقعة، فتبين له أن الكارثة قد وقعت على وجه غير الذى روته الصحف، لقد سقطت الدجاجة فى بئر الصرف الخاص ببيت صعيدى، فرأى رب الأسرة أن يتناولها، فسقط فى البئر، فصرخت زوجته ربة الأسرة طالبة النجدة، فهرع الابن الأكبر ليساعد أباه على الخروج من البئر، ولكن الابن انزلق بجوار أبيه، فحاول الابن الثانى مساعدة وإنقاذ الاثنين فسقط بجوارهما، فجاء شقيق الأب لينقذ أخاه وأبناء شقيقه فسقط بجوارهم.
 
يومها قرأ «الأبنودى» تلك الحادثة على النحو الآتى: هذا حب قاتل، يرى الذى لا يعرف السباحة رجلًا يغرق فيحاول إنقاذه فيموت الاثنان، حب أو فرط شهامة أو شجاعة متهورة رعناء، ولا ذكر لدجاجة أو لبخل أو لحرص على شىء تافه.
 
من تلك الحادثة وأنا أتابع بينى وبين نفسى هذه المآسى، فأجدها تحدث بصورة كربونية، ولا أجد تباينًا يذكر بين الصعيد والوجه البحرى أو حتى المدن، كما لا أجد اختلافًا يفرضه الزمان، أو كان يجب أن يفرضه، إنها الطريقة ذاتها فى تطهير الآبار والطريقة نفسها التى تفضى إلى مصرع العامل، وأحيانًا العمال.
قرأت فى أكثر من مواقع إخبارى كلامًا مهمًا جدًا صرح به دكتور مجدى صليب، المتخصص فى طب الصناعات والأمراض المهنية.
 
 قال صليب: «ما يحدث- فى حقيقة الأمر- هو اختناق، وقد يعقبه التعرض لابتلاع المياه أو دخولها داخل جوف العامل، أو يحدث غرق فى البيارة، وفى حالة غالبية الحوادث المتكررة ينزل العامل ليختنق بالغاز، وعندما يتأخر ينزل عامل آخر للاطمئنان عليه ليختنق بالغاز ذاته، ثم ينزل عامل آخر للاطمئنان على زميليه، وهكذا ليموت 5 عمال، وربما أيضا مواطنون يبادرون بإنقاذ العمال.
 
أوضح «صليب» أن البلاعات تحوى غازات سامة وهى أول أكسيد الكربون والميثان وكبريتيد الهيدروجين أول أكسيد الكبريت، وتندفع هذه الغازات بقوة بمجرد فتح البلاعة، لذلك لا بد من التهوية عدة ساعات ثم قياس نسبة الغازات قبل نزول العامل، المؤسف أن بعض العمال يستخدم لمبة جاز إذا فقدت قدرتها على الاشتعال يكون مؤشرا بعدم وجود الأكسجين وهى وسيلة عقيمة وبدائية».
 
كلام مثل هذا هل لم يصل للعمال أو للمواطنين رغم مئات الحوادث ورغم وفرة وسائل الإعلام والتوعية؟
 
أقرأ معى هذه الحادثة التى وقعت قبل أسبوعين فى إحدى قرى محافظة الدقهلية: «لقى 3 أشخاص مصرعهم غرقا، بينهم أب ونجله ونجل شقيقه، وأصيب آخر فى بيارة صرف صحى، وتوفى كل واحد تلو الآخر بعد أن حاولوا إنقاذهم بعضهم البعض.
 
وأكد مصدر طبى أن الحادث أسفر عن وفاة كل من (ع. 50 سنة)، ونجله (م. 27 سنة)، بالإضافة إلى نجل شقيقه ويدعى (ج 25 سنة)، وجميعهم عمال قدموا من محافظة المنوفية.
 
وأكد شهود العيان أن الابن الأول سقط فى البيارة، فحاول الأب إنقاذه فسقط هو الآخر، فنزل نجل عمهم فسقطوا جميعا، وحاول الابن الرابع إنقاذهم إلا أنه أصيب بكدمات وتمكن الأهالى من مساعدته فى الخروج من البئر».
 
لقد حذفت أسماء الضحايا لأننى لا أريد وضع الملح على الجرح، والمدهش فى الأمر أن العامل الذى نجا قال: إنه شعر بأنه يقع تحت تأثير مخدر قوى جدًا، فاق قدرته على التحكم فى أطرافه.
 
العامل محق تمامًا لأن الطبيب المتخصص العالم قال بهذا التشخيص، «درجة من الاختناق تؤدى على شل قدرة الإنسان على الفعل».
 
كيف نتصدى لهذه الكارثة التى تحدث شهريًا وفى مختلف أنحاء الوطن؟
 
سيقول بعضنا: يجب تغطية البلاد بشبكة صرف صحى.
 
هذا اقتراح طيب جدًا، لكن هناك تصريحا منشورا قبل عامين للمهندس  طارق الرفاعى، معاون وزير الإسكان لشئون المرافق، قال فيه: إن نسبة تغطية شبكات الصرف الصحى للمدن تصل إلى 88 %، وسيتم تغطيتها بنسبة 100 % بنهاية 2020، لافتًا إلى أن تكلفة تغطية جميع أنحاء الجمهورية بشبكات الصرف الصحى تصل إلى 260 مليار جنيه، موضحًا أنه خلال الـ20 عامًا الماضية لم يتم تغطية سوى 10 % فقط من القرى بشبكات الصرف الصحى.
 
فإلى أن يتم توفير هذا الرقم الفلكى، هل سنترك العمال والمواطنين يلقون مصرعهم بهذه الطريقة البائسة؟

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق