خطة الفرجة والرعب

السبت، 07 ديسمبر 2019 12:56 م
خطة الفرجة والرعب
حمدى عبد الرحيم يكتب:

صعد شاب يدرس الهندسة مساء السبت الماضى إلى برج القاهرة وقفز من أعلى نقاطه فلقى مصرعه على الفور، الخبر رغم مأساويته كان يجب أن يتم التعامل معه بوصفه خبرا حزينا وصادما تتم معالجته صحفيا وإعلاميا فى إطاره، ولكن بعضهم أصر على أن يجعل الخبر الحزين خبرا للفرجة والترويع، وكأن لسان حالهم يقول لنا: الذين تتحمل قلوبهم وضمائرهم وأعصابهم مشاهدة انتحار شاب على الهواء المباشر، نحن نقدم الواقعة لهم بالصوت والصورة، والذين يخافون، نحن سنجعلهم يتمنون لو لم يولدوا وسنجعل الكوابيس تطاردهم ليل نهار.

بدأوا تنفيذ خطتهم بتسريب مشهد الشاب وهو يلقى بنفسه، المعروف أن للبرج كاميرات مراقبة وهى التى سجلت، والبرج ليس كما مهملا وليس وكالة من غير بواب، إنه مؤسسة مهمة تتبع الدولة، فكان من الواجب التحفظ فورا على ما سجلته الكاميرات، ولذا كان معالى النائب العام  المستشار حمادة الصاوى، محقا وفاعلا عندما أمر بإجراء تحقيقات موسعة فى واقعة تسريب الفيديو الخاص بواقعة انتحار طالب الهندسة، وقد وعد مكتب النائب العام بإعلان تفاصيل التحقيقات فور الانتهاء منها.
 
ومن الوارد ولو بنسب قليلة أن يكون التصوير قد تم بواسطة كاميرا تخص أحد الموجودين بالمكان، الذى يهمنا الآن أن يتم التحقيق الشفاف لكى لا تتكرر خطة الفرجة والترويع.
 
هذا الشق القانونى كاد يغيب عن هذه القضية المأساوية لولا أن الخبير القانونى ياسر سيد أحمد صرح لوسائل الإعلام قائلا: إن جريمة تسريب فيديو الانتحار تضع فاعلها تحت طائلة القانون وتحديدا المادة 188 من قانون العقوبات، والتى تنص على: يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنة وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل مَن نشر بسوء قصد أخبارا أو بيانات تتسبب فى إلحاق الضرر بالمصلحة العامة.
هل هناك ضرر أشد من حالة الرعب التى تعيشها الأسر المصرية خوفًا على أولادها؟
 
إن مشاهدة الفيديو فى حد ذاتها تجلب الاكتئاب للأصحاء نفسيا، فما بالنا ومعظمنا يعيش حالة لا يعرف شدتها إلا الله.
 
ولأن لذلك الحادث الذى شغل المصريين على مدار أسبوع كامل أكثر من وجه، فيجب التوقف الهادئ العاقل أمام وجهه العلمى، لأن كثيرين قد نصبوا أنفسهم خبراء ومعالجين وأطباء وراحوا يصبون فوق رؤوسنا سيلا من الفتاوى الدينية والطبية ويرجعون انتحار الشاب لأسباب ما أنزل الله بها من سلطان.
 
وقد أحسن المعالج النفسى الدكتور يحيى موسى عندما طرح رأيه فى الحادث بطريقة هادئة تحث كل واحد منا على أن يلتزم بحدوده ولا يتكلم إلا فيما يعرف على وجه القطع واليقين.
 
كتب موسى بعامية بسيطة لكى لا يكون لأحدنا حجة فى عدم فهم الموقف والتعامل مع خطورته بما تستحق من اهتمام: لما باشوف حد انتحر فعلا، دماغى بتفكر ف كام واحد حاول ينتحر بس ما كملش محاولة انتحاره، فما سمعتش حاجة عنه، وكام واحد فكر ف الانتحار بس ما حاولش، فبرضه ما سمعتش حاجة عنه.. دا بيساعدنى إنى أشوف الصورة أوضح، من غير تحيز.. الصورة اللى بتقول إن الانتحار مش نتيجة حتمية.. فيه ناس نجحت تفلت من المصير دا.. فأنتبه إن وجود أفكار انتحار جوايا مش علامة أكيدة إنى بالضرورة هانتحر.
 
لما باشوف حد انتحر فعلا، بعد نوبة اكتئاب، وخلال معاناة مع الوحدة، والغربة النفسية عن اللى حواليه، وأشوف كمان كام واحد عانى من اكتئاب، بس ما انتحرش، ومر بالوحدة، والغربة النفسية دى، بس ما نفذش محاولة انتحار، باعرف إن فيه صورة أكبر، إن العلاقة بين الانتحار والاكتئاب علاقة تصاحب مش علاقة سببية، يعنى الانتحار مش بسبب الاكتئاب.. فيه مكتئبين ما انتحروش، والانتحار مش بسبب الوحدة والغربة النفسية، فيه ناس عانت الوحدة والغربة النفسية وما انتحروش.
 
لكن العلاقة تصاحبية.. يعنى كل اللى انتحروا، مروا بفترات اكتئاب، وغربة نفسية، ف وقت أو آخر.
 
بنقرأ المشهد بشكل مشوه.. مفزع.. ونربط ربط متعسف بين الأعراض المتصاحبة، ونعتمدها باعتبارها أسباب للانتحار، ونظن بشكل متشائم إنه متفشى ف المجتمع..
 
فيه ناس كتير جدا لم ينتحروا برغم تفكيرهم ف الانتحار.. وفيه ناس كتير جدا بيتلقوا دعم ومحبة من آخرين.. وفيه رحمة كبيرة بتحمى الكثيرين.. فما تسودوهاش ف عين الناس، بالقراية المشوهة للواقع.. يا ريت يعنى.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق