«الحسن بن الهيثم».. العالم العربي الذي سبق علماء الفضاء

الإثنين، 23 ديسمبر 2019 12:00 ص
«الحسن بن الهيثم».. العالم العربي الذي سبق علماء الفضاء
الحسن بن الهيثم

ما أن تطأ قدمك دار الكتب والوثائق المصرية حتى تقع في حيرة كبيرة من عدد كنوز التراث التي تقع تحت يدك، ولعل أبرز الكتب التي يمكن أن تطالعها ما يخص رائد الفيزياء التجربية في الحضارة الإسلامية «أبوعلى الحسن بن الحسن بن الهيثم»، والذي ولد في البصرة بالعراق سنة 354/ 965 م، وقدم إسهامات كبيرة فى الفيزياء والفلك والعلوم الطبيعية وصلت إلى ما يقرب من 180 عملا علميا ما بين مقالة ورسالة وكتاب.

اهتم «ابن الهيثم» أيضا بتطور المنهج العلمى واستخدام التجريب والقياس الكمى للتمييز بين مجموعة من النظريات العلمية المتكافئة في إطار توجه تجريبي بشكل عام، وقام بتأليف «كتاب البصريات» الذي صحح فيه الكثير فى مجال البصريات، وأثبت تجريبيا أن الرؤية تتم بسبب أشعة الضوء التي تدخل العين، كما اخترع ابن الهيثم أول جهاز يشبه الكاميرا كانوا يسمونها (القمرة) للتدليل على الطبيعة الفيزيائية للأشعة الضوئية.
 
ذاعت شهرة الحسن بن الهيثم حتى وصلت إلى الحاكم الفاطمى (الحاكم بأمر الله) ونقل إليه قوله: لو كنت بمصر لعملت فى نيلها عملا يحصل به النفع فى حالتى زيادته ونقصه، فاستدعاه الحاكم إليه، وخرج للقائه، وبالغ فى إكرامه، ثم طالبه بما وعد من أمر النيل، فذهب حتى بلغ الموضع المعروف بالجنادل (قبلى مدينة أسوان) فعاين ماء النيل واختبره من جانبيه. 
 
عناوين «مخطوطات» ابن الهيثم في دار الكتب والوثائق القومية 

ومن بين المخطوطات الموجودة في دار الكتب هي «رسالة فى البحث عن حقائق الأمور الموجودة فى ماهية المكان» (فلك)، و«نور حدقة الأبصار ونور حدقة الأنظار» (علوم ورياضة)، و«حل شكوك إقليدس» (رياضيات)، ومخطوتان بعنوان «مائية الأثر الذى فى وجه القمر» (طبيعيات)، و«مقالة فى التحليل والتركيب» (رياضيات)، و«حل شكوك كتاب إقليدس وشرح معانيه» (الرياضيات)، و«قول فى شكل ابن موسى» (رياضة). 

مخطوطات الحسن بن الهيثم (1)
مخطوطة «فى مائية الأثر الذى فى وجه القمر»

يقول الحسن بن الهيثم في هذه المخطوطة: «اختلف أهل النظر فى ماهية الأثر الذى يظهر فى وجه القمر، وهذا الأثر إذا تؤمل واعتبر وجد دائما على وصفة واحدة لا يتغير لا فى شكله ولا فى وضعه ولا فى مقداره ولا فى كيفيه سواده، وقد تصرفت ظنون الناس فيه وتشتت آراؤهم، فرأى قوم أنه فى نفس جرم القمر، ورأى قوم أنه خارج عن جرم القمر ومتوسط بين جرم القمر وبين إبصار الناظرين إليه.

ورأى قوم أنه صورة تظهر بالانعكاس، لأن سطح القمر صقيل فإذا نظر إليه الناظر انعكس شعاع بصره عن سطح القمر إلى الأرض، كما ينعكس عن سطوح المرايا، فيظهر له صورة الأرض أو بعضها.

وقال قوم إنه صورة البحار التى فى الأرض ترى بالانعكاس وقال قوم إنه صورة الجبال التى فى الأرض، وقال قوم إنه صورة قطعة من الأرض التى يقع عليها الشعاع المنعكس، وقيل إن الأثر هو الشىء المتوسط بين البصر وبين جرم القمر، فيعتقد أن القمر يجتذب من الأرض بحارا، أما خاصية فيه فيرتقى البحار وينعقد ويكون أبداً تحت القمر ويكون أبداً على صفة واحدة، فلذلك لا يتغير شكله ولا مقداره ولا وضعه من القمر، فأما من قال إنه فى نفس جرم القمر فإنهم اختلفوا، فقالت طائفة منهم: إنه شفيف يسير فى جسم القمر فإذا نظر الناظر إليه رأى ما وراءه، فيمتزج صورة الضوء الذى فى موضع الشفيف بصورة السماء التى من وراء القمر فيظهر مخالفا للون الذى فى بقيه جرم القمر، وقال قوم هو خشونة فى الموضع، وجرم القمر صقيل فإذا أشرق عليه الضوء الشمس لم يقبله الصقيل، ويمكن أن يقال أم موضع الأثر خشونة بارزة وأجزائها شاخصة، وإذا أشرقت عليها شموس صارت وأجزائها لأجزاء خشونة أظلال إلى ما يليها من سطح القمر فيظلم موضع الظل، والأثر الذى فى القمر ظلال أشخاص الخشونة عليه ضوء الشمس صار لمحيط التقعير ظل على باطن. 

مخطوطات الحسن بن الهيثم (2)
 
 كما تضم المخطوطة، أن القمر فى الليلة الثانية والثالثة من الشهر تظهر استدارته ويظهر محيطه مضيئا، ويظهر جرمه فى وسط الاستدارة مظلماً، فلون القمر الذى يخصه هو لون مظلم، والضوء الذى يظهر فيه سائر الأوقات إنما هو الضوء الذى يستفيده من الشمس إذا أشرقت عليه، والضوء الذى فيه فى غاية القوة، وأقوى من القوة القابلة التى فى الأجسام الأرضية، فلفرط قوة الضوء الذى فيه وفرط القوة التى فى الأجسام الأرضية خفى لونه المظلم الذى يخصه، ومع ذلك فإن لونه قد كشف الضوء الذى حصل فيه لولا ظلمة لونه لكان ضوؤه أقوى مما هو عليه، يدل على ذلك ما يظهر من ألوان الأجسام الأرضية إذا أشرق عيلها ضوء الشمس. 
 
 
 
ولأن الضوء الذى فى موضع الأثر ضعيف، وليس هو فى قوة الضوء الذى فى بقية سطحه وجب أن يتلوح لونه الذى يخصه فى هذا الموضع، ليس هو غاية فى الضعف وجب أن يظهر اللون خفيا، فالأثر الذى يظهر فى وجه القمر هو لون القمر الذى يخصه، ممتزجا بالضوء الذى يحمل فيه، وإنما ظهر فى هذا الموضع لضعف القوة القابلة للضوء التى فى هذا الموضع، إنما هو لزيادة كثافة هذا الموضع على كثافة بقية ما يظهر من سطح القمر، وذلك كان قصدنا لتبينه فى هذه المقالة. 
 
وفى نهاية المخطوطة، وقع فراغ من نسخ هذه المقالة يوم الأربعاء 9 مايو 1917، نقلا عن نسخة الأصل المحفوظة بدار كتب المجلس البلدى بمدينة الإسكندرية ونسخ ذلك بقلم كاتبه محمود صدقى النساخ». 

مخطوطات الحسن بن الهيثم (3)

من جانبه، قال الدكتور أحمد فؤاد باشا، الأستاذ بكلية العلوم جامعة القاهرة، إن «مخطوطة ماهية الأثر الذى فى وجه القمر» من أهم المخطوطات التى قدمها ابن الهيثم، فهى أول دليل علمى يقدم عن انعكاسات الضوء فى ذلك الوقت، وتم تحقيقها على يد الدكتور يوسف زيدان، من قبل فى مكتبة الإسكندرية وترجمت إلى 3 لغات مختلفة.
 
 وأوضح أحمد فؤاد باشا، أن العرب قديما لم يكن لديهم تمييز بين الكواكب والنجوم، لذا قام ابن الهيثم بوضع تمييز بين الكواكب والأجرام السماوية المضيئة باستخدام أدوات علمية بسيطة، فقد كان سابقا لعصره، وكان يعتمد على الأبحاث والنتائج ليقدمها بشكل علمى ممنهج، لذا اكتشف سر ضوء القمر ولم يحتج إلى الصعود إليه، مؤكدا أن الحسن بن الهيثم كان لديه اجتهاد علمى غير مسبوق.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق