كريسماس مختلف في لبنان.. الأزمات تعصف بـ« بيروت»

الجمعة، 27 ديسمبر 2019 04:00 ص
كريسماس مختلف في لبنان.. الأزمات تعصف بـ« بيروت»
لبنان

تعد لبنان بلد الاحتفالات والبهجة فللأعياد فيها مذاق خاص ولكن ربما هذا العيد يختلف عما سبقه، فلبنان يمر بأصعب فترات تاريخها منذ الحرب الأهلية التى حدثت فى التسعينات باحتجاجات ومظاهرات اندلعت منذ 17 أكتوبر الماضى مطالبة برحيل الفساد وإصلاح الوضع الاقتصادى المتردى فى البلاد ، ومما لا شك فيه أن تلك الأزمة ألقت بظلالها على الأجواء الإحتفالية في العاصمة اللبنانية بيروت، و غياب الكثير من المظاهر الاحتفالية بعيد الميلاد.
 
ورغم الازدحام فى شوارع العاصمة بيروت إلا أن المعروض من زينة الكريسماس ورأس السنة بات شحيحا والمعرض منها رغم شحه لم يشهد إقبالا من اللبنانيين، كما لم تشهد أماكن التنزه والمقاهى إقبالا مثل المعتاد فى هذه المناسبات ، وفي الميادين ،استبدل المحتجون بشجرة عيد الميلاد ، بشعارات التنديد بالأوضاع الاقتصادية التي كانوا قد رفعوها خلال تظاهراتهم. وفق ما نقلت البى بى سى، فالوضع الاقتصادي والسياسي "السيء" في البلاد، أثر على القدرة الشرائية واضطرت بعض الأسر للاستغناء عن العادات حتى تبادل الزيارات العائلية.
 
وبحسب آراء أصحاب المحلات ، فإن الإقبال على الشراء أقل بكثير عما قبل، رغم أن الخصومات تصل إلى 50%.

أوضاع المصارف

ومن جهة أخرى أصبح خيار الاقتراض غير متاح بسهولة أمام اللبنانيين ، حيث تفرض المصارف في لبنان منذ حوالى شهر ونصف الشهر، شروطاً قاسية وغير قانونية لسحب الأموال. كما تمنع المودعين من سحب أموالهم بالدولار حتى ولو كانوا أودعوها بالدولار.
 
ويصل المبلغ الذي تسمح بعض المصارف لزبائنها بسحبه في الأسبوع إلى 200 دولار فقط.، ويتمّ تأمين هذا المبلغ بالليرة اللبنانية وبسعر الصرف الرسمي الذي يتراوح بين 1507 و1518 ليرة لبنانية للدولار الواحد، فيما يترنّح سعر الدولار لدى الصرافين في البلاد كلّ يوم بين 2300 إلى 2000 ليرة لبنانية.

أزمات لبنان

وتوجد على مائدة رئيس الحكومة اللبنانية المكلف حسان ديان العددي من الملفات الصعبة التى يتعين فتحها وإيجاد حلول لها أفى مقدمتها الأوضاع الاقتصادية  التى يعانى منها المواطن، جحيث يواجه الاقتصاد اللبنانى معضلتين؛ الأولى مالية ترتبط بارتفاع الدين العام لتبلغ ما يتجاوز نسبته 152% من حجم الناتج المحلي للبلاد، والثانية ضعف النمو الاقتصادي؛ ففرص العمل نادرة، والبنى التحتية متردّية، وواردات الدولة من العملة الصعبة تكاد تختفي، فضلاً عن أن الحرب في سوريا عقّدت الأمور.
 
ويعكس إعلان وكالة فيتش للتصنيف الائتماني، الذى صدر فى 12 ديسمبر الجارى، خفض تصنيف لبنان إلى درجة "CC"، وهي أدنى درجة في مؤشر الجدارة الائتمانية، مدى السوء الذي يعيشه اقتصاد لبنان المريض.ولعل أبرز الأمور التي حركت الشارع في لبنان، هي الضريبة التي فرضت لأول مرة في العالم على مستخدمي تطبيق التواصل الاجتماعي "واتساب"، التي بلغت 20 سنتاً عن كل يوم (قرابة 6 دولارات شهرياً)، وهو ما يؤمن للخزينة 216 مليون دولار سنوياً، ثم ما لبث القرار أن أوقف بعيد خروج المحتجين.
 
وجاءت ضريبة واتساب تزامناً مع حزمة ضرائب قال وزير الإعلام اللبناني جمال الجرّاح، إن زيادة قيمتها المضافة (على السلع) ستُطبق على مرحلتين؛ الأولى بنسبة 2% عام 2021، و2% إضافية عام 2022، لتصبح نسبة الضريبة الإجمالية المطبقة 15% (تبلغ حالياً 11%)، وذلك في إطار العمل على طرح الموازنة العامة 2019 – 2020.
 
تلك القرارات دفعت اللبنانيين إلى تلبية الدعوات المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي والنزول، إلى الشوارع من شمال البلاد إلى جنوبها، وصولاً إلى مدن البقاع شرقاً، مطالبين بإسقاط النظام الحاكم، والطبقة السياسية المتحكمة في البلاد، وأدت إلى سقوط قتيلين في طرابلس ومئات الجرحى نتيجة المناوشات بين قوى الأمن والمتظاهرين.
 
ولعل أكثر ما يشكّل خطورة على اقتصاد لبنان هو ارتفاع قيمة الدين العام ليصل إلى أكثر من 86 مليار دولار في آخر أرقام 2019، بعد أن كان يقتصر على ما يزيد على 40 مليار دولار في مطلع العام 2007.
 
لبنان يعدّ من بين الدول الأكثر مديونية في العالم، وهو يحتلّ المرتبة الثالثة عالمياً من حيث نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، بحسب صندوق النقد الدولي.
 
وبلغت نسبة حجم الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في لبنان أكثر من 152%، بعد أن كانت 131% في عام 2012، و47% في عام 1992.
 
هذه النسبة تعني أن الدين يفوق حجم الاقتصاد؛ ما يجعل حكومة البلاد تواصل الاستدانة ومراكمة الديون دون سداد.
 
بدوره، حذّر صندوق النقد الدولي، في تقرير أصدره في يوليو 2019، من خطر الديون المتفاقمة على الاقتصاد اللبناني، مطالباً الحكومة اللبنانية بالسيطرة على ديونها.
 
وتوقع الصندوق أن "تؤدي التدابير في ميزانية 2019 إلى خفض العجز المالي إلى حوالي 9.75% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2019".
 
وذكر صندوق النقد أن "شراء السندات الحكومية اللبنانية المقترحة ذات الفائدة المنخفضة سيؤدي إلى تدهور ميزانية المصرف المركزي وتقويض مصداقيته".
 
وفي أغسطس 2019 أصدرت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني تقريرها الدوري مقررة خفض تصنيف الدولة اللبنانية مرتبة واحدة من B- إلى CCC.
 
وجاء هذا التصنيف نتيجة التحديات الناجمة عن ازدياد ضغط التمويل الخارجي من جراء انخفاض تدفق الودائع في القطاع المصرفي والبطء في تطبيق خطة الكهرباء.

انخفاض قيمة العملة

ويستخدم الدولار بشكل شبه رسمي في البلاد، في حين أن الليرة، عملة لبنان الوطنية، تعاني من أزمة تدهور مستمرة أمام العملات الأجنبية؛ فقيمة الدولار الواحد تزيد على 1500 ليرة، وهي قيمة ثبتتها الحكومة عام 1997 لمنع حدوث المزيد من الانهيار.
 
وكانت قيمة الدولار الواحد تساوي 3 ليرات لبنانية عام 1980، ولكن استمرار الحرب الأهلية التي اندلعت عام 1975، دهور قيمة العملة لتصل إلى 2500 ليرة مقابل دولار واحد، وتسبب هذا الانخفاض الشديد في قيمتها إلى تدخل الحكومة وتثبيت سعر العملة عند 1500 ليرة لكل دولار.
 
في المقابل شكلت هذه السياسة عبئاً مستمراً على البنك المركزي اللبناني، الذي أصبح مسؤولاً عن تعويض فارق السعر بين الدولار والليرة، كما أجبر المصرف المركزي على إنفاق العملة الصعبة، وفرض نسبة فائدة مرتفعة على الليرة اللبنانية لتشجيع المواطنين على إيداع مدخراتهم في البنوك.
 
ليس ذلك فقط، بل دفع البنك للاقتراض من البنوك الخاصة بعد نفاد العملة الصعبة لديه، فارتفع الدين الداخلي، وبدلاً من اتجاه البنوك للاستثمارات وتمويل المشروعات التنموية، فضلت الاستفادة من نسب الفائدة المرتفعة التي تقرض بها الحكومة والأفراد، ما قلل من فرص النمو.
 
كما يعاني لبنان من تراجع كبير في الاحتياطي النقدي القابل للاستخدام في العامين الأخيرين، إذ بلغ 19 مليار دولار في العام 2019، مقابل 25.5 مليار دولار في عام 2018.
 
ويذهب خبراء اقتصاديون إلى أن تراجع الاحتياطي النقدي في البلاد يعود إلى انخفاض كبير في ودائع الأفراد نتيجة عدم الثقة في الاقتصاد المحلي بالإضافة لتراجع الاستثمارات الخليجية في البلاد.
 
كل هذه الأعباء تزيد من الأزمة والضغط على الليرة اللبنانية، ويشير بعض الخبراء إلى احتمال الاضطرار لتعويم العملة أو تراجع قيمتها أكبر خلال الفترة القادمة.

فقر وبطالة وفساد

ويؤثر على الانحدار المتواصل في الاقتصاد اللبناني ارتفاع حجم الاستيراد في لبنان، وهو يرتفع بشكل متزايد منذ عام 2016 بنسب تتجاوز 29% في العامين الماضيين.
 
زيادة قيمة الاستيراد، من جهتها، تفاقم الأزمة الاقتصادية في لبنان؛ بسبب زيادة عجز الميزان التجاري، حيث تزيد قيمة واردات البلاد بكثير عن صادراته التي بلغت قيمتها في العام الماضي نحو 2.5 مليار دولار فقط.
 
معدّل البطالة هو الآخر تضاعف في السنوات الماضية، ليصل إلى 36% في العام 2019، بحسب دراسة لمنظمة محلية تحمل اسم "مبادرات وقرارات"، بعد أن كان 20% في العام 2014، وفق بيانات صندوق النقد الدولي.
 
فضلاً عن هذا، فإن نسبة الفقر في لبنان وصلت إلى ما يزيد على 30%، وفق بيانات البنك الدولي، واتّسعت رقعة عدم المساواة في الدخل بين اللبنانيين؛ إذ يعادل مدخول 0.1% من اللبنانيين مدخول نصف سكان البلاد مجتمعين، بحسب أرقام نشرتها وكالة "رويترز" نهاية عام 2018.
 
ويمكن القول إن من تسبّب بكل تلك المؤشرات الحمراء للاقتصاد اللبناني هو حجم الفساد الذي ينخر في مؤسّسات الدولة؛ فلبنان احتلّ المرتبة 143 بين 180 دولة في تصنيف الفساد للعام 2017، الذي أجرته منظّمة الشفافية الدولية.
 
وفي محاولة لدعم اقتصاد لبنان ومنع انهياره عُقد، في أبريل الماضي، مؤتمر "سيدر" في العاصمة الفرنسية باريس.
 
وحصل لبنان من خلال المؤتمر على تعهّدات بقروض تصل إلى 10.2 مليارات دولار معظمها قروض ميسّرة، إضافة إلى هبات بقيمة 860 مليون دولار، تصبّ بمعظمها في صندوق لدعم فوائد القروض التي سيحصل عليها لبنان.
 
هذه القروض تمتد على سبع سنوات، وبعضها رهن بشروط معيّنة، أو بإثبات جدوى المشاريع المقدّمة من الحكومة اللبنانية لإنعاش اقتصاد البلاد.ورغم أنّ رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري، أمهل حكومته 72 ساعة لتقديم إصلاحات ترضي الشعب والشركاء الدوليين، يوم الجمعة (18 أكتوبر 2019)، فإن الأزمات الكثيرة في البلاد لا يبدو أنها ستحل بهذه السرعة.
 
فقد شهد لبنان، في 14 و15 أكتوبر 2019، اندلاع أكثر من 140 حريقاً في الغابات والأحراج، بحسب وحدة إدارة الكوارث في الحكومة اللبنانية.
 
والتهمت الحرائق مساحات واسعة من مناطق جبل لبنان الجنوبي، وشمال بيروت وعكار شمالي البلاد، وهددت منازل المواطنين من جراء ارتفاع درجات الحرارة، في وقتٍ أعلن فيه الصليب الأحمر اللبناني أن الحرائق التي تعرّضت لها البلاد "هي الأكبر والأخطر".
 
كما نفّذ أصحاب المخابز والأفران إضراباً جزئياً، يوم الاثنين (14 أكتوبر 2019)، بسبب شح الدولار في السوق اللبنانية، وبيعهم المواطنين بالليرة مقابل شرائهم الطحين بالدولار، وعدم وجود سعر صرف ثابت في الأسواق.
 
وسبق أن شهد لبنان أزمة محروقات متقطعة على مدار الأسابيع الماضية من أكتوبر 2019، تمثلت في إضراب محطات الوقود احتجاجاً على شح الدولار المستعمل في عملية تأمين المحروقات للسوق اللبنانية.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق