29 كيهك عيد ميلاد المسيح والهوية المصرية

السبت، 28 ديسمبر 2019 03:26 م
29 كيهك عيد ميلاد المسيح والهوية المصرية
جمال رشدي

 
ترقبت كثيراً حالة الجدل التي حدثت بخصوص قرار الأنبا سيرابيون مطران لوس انجلوس بإمكانية الاحتفال بعيد الميلاد يوم الميلاد المجيد يوم 215 ديسمبر، نظراً لبعض الظروف والمعطيات الاجتماعية والبيئة لدائرة ايباراشيته.
 
وقبل أن اكتب ذلك المقال، تابعت الكثير من المناقشات والتعليقات حول هذا الأمر وسمعت ما قاله الأنبا سيرابيون في ذلك، وأيضا قداسة البابا تواضروس وبعض أباء الكنيسة، والكثير ممن علقوا علي الأمر في مواقع التواصل الاجتماعي، بالفعل قد انزعجت كثيراً من جميع الردود المؤيد والمعارض فالجميع استخدم لهجة العنف في مهاجمة الأخر.
 
 وما زاد من حزني هو خطاب الأنبا سيرابيون العنيف الذي هاجم منتقديه بأعنف العبارات، حيث قال " أن هؤلاء بنوا رأيهم ولا يحتاجون إلى توضيح لكن يحتاجون أن نتعامل معهم كما قال سفر الأمثال أصحاح 26، لا تجاوب الجاهل حسب حماقته لئلا تعدله أنت، واسترد قائلا جاوب الجاهل حسب حماقته لئلا يكون حكيم في عين نفسه".
 
وتطرقاً إلي حديث صاحب القداسة البابا تواضروس الذى استطاع بكل حكمة وهدوء وبساطة أن يخاطب الجميع، حيث جاء ببعض الأمثلة المقنعة حيث قال كان زمان القداس يقام يوم الأحد فقط لكن مع وجود يوم الجمعة اجازة فقررت الكنيسة أن تقييم قداس الجمعة نظرا لأنه يوم اجازة، وقال أيضا أن العرس كان يقام صباح يوم القداس، لكن رأت الكنيسة أن هذا غير مناسب فجعلته في وقت اخر خارج صباح يوم القداس، وقد استخدم قابعين مواقع التواصل الاجتماعي هجومهم المعتاد الغير مسنود بأي أدله ولا براهين علي الكنيسة وقداسة البابا، وهو أسلوب هدام ينم علي عدم المعرفة والإدراك.
 
وفي كل هذا بين معارض ومؤيد تجردت لغة المخاطبة من أسلوب المسيح الذي جاء من أجل المرضي الخطاة وليس الأبرار اصحاب الصحة الروحية الجيدة، وهنا أوجه كلماتي لصاحب النيافة الأنبا سيرابيون وأقول له، أنا حزنت كثيراً على كنيستي عندما سمعت قسوة وحدة الكلمات، فنيافتك ممسوح بالنعمة من المسيح لكي تعالج المرضي بالخطية، وأن تكون غاسل أرجل للجميع وحضن محبة للقاصي والداني، وأن تكون مثل سيدك عندما تحدث مع السامرية ذو 5 أزواج أو الزانية التي امسكت في ذات الفعل.
 
سيدي الأنبا سيرابيون هؤلاء الجهال التي هاجمتهم قال عن أمثالهم الكتاب، الذي لم تسمع صوتهم خرج منطقهم إلى كل العالم، لان الله قادر أن يحول الظلام إلي نور وان يحول القبر إلي قيامة حياة، وما بين ذاك وذلك هناك شيء هام وخطير، وهذا الشيء بدأ يتلاشي لدي الكثيرين للأسف الشديد وهو هوية الكنيسة المصرية " أيها السادة الآباء الإجلاء يا كل الشعب القبطي خارج وداخل مصر، يلزم أن تعرفوا شئ هام ومهم للغاية وهو أن الكنيسة المصرية هي موروث الحضارة والهوية المصرية، فهي تحمل جينات عظمة أجدادنا ملوك الأرض وعظماء التاريخ، وسبب صلد موقعها وموقفها إلي الان أمام كل عوامل التعرية التي ضربت كل كنائس العالم هي تلك الهوية.
 
فعندما نصلي للنيل والزرع والجنود والحدود والرئيس، فتلك صلوات هوية موروثة من صلوات أجدادنا الفراعنة، الكنيسة المصرية لا يقتصر دورها في الجانب الروحي فقط، بل هناك جانب هام ومكمل للجانب الروحي وهو الهوية المصرية، ومن هنا وكمواطن مصري قبطي أقول إن  محاولة تفريغ الكنيسة من مكونات هويتها هو ضربة روحية لكل مكوناتها. 
 
أبائي الأفاضل قادة الكنيسة المصرية أخوتي الأعزاء الشعب القبطي، نقف قليلاً وننظر بروح التاريخ إلي رحلة السيد الرب يسوع إلي ارض مصر في مرحلة طفولته، ولماذا جاء إلي مصر في تلك الفترة الهامة من حياته هل تعلمون لماذا؟ لان الإمبراطورية المصرية كانت قادرة علي حمايته من بطش هيرودس لو فكر في تعقبه، ولان هناك النيل العذب الذي سيرتوي من مياهه، لان هناك الثقافة والعلم الذي سيغذي تكوينه الذهني والعقلي، لان هناك القمح والخضروات والفواكه الطازجة التي تغذي نموه الصحي ، وفي كل هذا هناك ثقافة التسامح والمحبة وقبول الأخر التي كانت تميز الشعب المصري، وتلك هي الهوية والحضارة المصرية التي اشترك فيها رب الكنيسة المصرية .
 
علينا جميعاً أن نرتمي في حضن كنيستنا وإبائها، وعلي الآباء أن يعلموا أن ذلك الحضن هو من حمي يسوع في طفولته، وبما أن الكنيسة هي موروث الهوية والحضارة المصرية، فعلي كل قادة الكنيسة في الخارج أن يحافظوا علي هوية كنيستهم ويزرعوها في قلوب وثقافات أبنائهم، ولا يتهاونون في ذلك تحت أي تبريرات لان قوة كنيستنا في هويتها.
 
يا جميع السامعين والقارئين والصامتين ... افتخروا بهوية أجدادكم لأنها وما زالت منارة الإنسانية وعلوم البشرية، فهل تعلمون أن السنة الشمسية التي تسير عليها الكنيسة المصرية هي من استخدمها أجدادنا ملوك الأرض وعظماء التاريخ في علومهم الفلكية والزراعية وعلوم الطب والهندسة، التي عجز كل علماء الخليقة إلى وقتنا هذا في فك طلاسمها.
 
تلك السنة هي التي تقول أن 29 كيهك هو عيد ميلاد المسيح الذي عاش سنوات   في داخلها بمصر... من له إذنان للسمع فليسمع ما تقوله الهوية المصرية للجميع...
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق