هل يشهد العام الجديد اندماج 104 حزب للإفلات من شبح السقوط في فخ انتخابات المحليات؟
السبت، 04 يناير 2020 01:00 م
قبة البرلمان
أمل غريب
لا تزال أزمة تعثر الأحزاب السياسية مستمرة مع بداية عام 2020، بعدما فشلت خلال السنوات الماضية فى التواصل المباشر مع رجل الشارع، واكتفت بلافتات حملت أسماءها، تاركة الساحة السياسية خالية أمام أى حراك يدعم المرحلة التى تمر بها الدولة، واكتفت أغلب الأحزاب بإصدار البيانات التى «لا تثمن من جوع ولا تؤمن من خوف»، وهو ما أدى إلى إرباك المشهد السياسى.
فلا تزال الأحزاب السياسية حتى هذه اللحظة تعانى من حالة التعثر وعدم التحرك الإيجابى فى كثير من التطورات السياسية والاقتصادية التى يمر بها الوطن وعدم التفاعل مع قضاياه وفى ظل افتقاد الدعم الشعبى المطلوب، وإن كانت فى الفترة الأخيرة أدت بصورة جيدة وفى ظل الواقع التى تعيشه خاصة فى مجلس النواب.
بلغ عدد الأحزاب فى مصر 104 أحزاب سياسية، 84 حزبا منها ظهرت قبل ثورة 25 يناير 2011، أما العدد الباقى فتم الإعلان عن تأسيسه بعد أحداث الثورة مباشرة، حيث كانت الاشتراطات التى وضعتها لجنة شئون الأحزاب تسمح لأن يجمع أى شخص توكيلات من عائلته ويتقدم بها إلى اللجنة، وهو ما سمح لأن يكون هناك حزب لكل عائلة، إلا أن هذا الانفتاح فى إعلان الأحزاب أثر بالسلب على المشهد السياسى، بسبب تشابه برامجها وأهدافها على اختلاف أسمائها، فكانت المحصلة «صفر» على مستوى تحركاتها على الأرض لدى رجل الشارع، أو حتى مجرد التماس مع احتياجات المواطنين سواء على المستوى الخدمى أو حتى السياسى.
وتلعب الأحزاب السياسية دورا مهما فى تدعيم الممارسة الديمقراطية داخل أى دولة، حيث تعتبر همزة الوصل بين الحاكم والشعب، الأمر الذى ينعكس على تنشيط الحياة الحزبية، وتعميق المشاركة السياسية للمواطنين، فكانت جذور الأحزاب ضاربة فى عمق التاريخ السياسى المصرى الحديث، حيث نشأت وتطورت بتطور مفهوم الدولة، فظهرت بدايات الحياة الحزبية المصرية وتكوينها مع بداية القرن الـ 19، قبل ثورة 1919، ثم كانت مرحلة التعددية الحزبية وهى مرحلة تبعت ثورة 19، واستمرت حتى عام 1952، بعد قيام ثورة الضباط الأحرار والتى كانت تفرض أدبيات المرحلة نفسها على الحياة السياسية داخل الدولة، فكانت مرحلة سميت بالتنظيم السياسى الواحد، وهى المرحلة التى بدأت منذ عام 1953 حتى 1976، تلاها مرحلة التعددية الحزبية المقيدة، وظهرت مع صدور قانون الأحزاب السياسية رقم 40 لسنة 1977، والتى دعا إليها الرئيس أنور السادات، ولتشجيع الساسة على المشاركة فى الحياة الحزبية، أسس الحزب الوطنى وترأسه هو شخصيا، كنوع من الدعم والتأكيد على بداية عهد سياسى جديد، يتشارك به الجميع على وضع سياسة الدولة، فبرزت الفكرة خلال القرن الـ 20 بسبب الانعكاسات والتفاعلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التى مرت بها تلك المرحلة بعد انتصارات حرب أكتوبر، واستمرت هذه المرحلة حتى قيام ثورة 25 يناير 2011.
وتعد مرحلة التعددية الحزبية فى مصر، خاصة فى المرحلة التى أعقبت ثورة 25 يناير، أحد أهم الأسباب التى أضعفت الحياة السياسية فى الدولة، ونادى الكثير من الخبراء والسياسيين، بضرورة اندماج الأحزاب، خاصة الصغيرة منها والمتشابهة من الناحية الأيديولوجية والسياسية، تحت راية واحدة تستطيع توحيد الصفوف وتنظيم الجهود وتوفير الدعم المالى والغطاء السياسى الكافى، ما يضمن سهولة تواصلها مع رجل الشارع وتلبية مطالبه وتطلعاته من ناحية، والمنافسة بقوة فى الحياة السياسية، وتحديدا النيابية، إذ أنها القناة الشرعية الوحيدة التى يمكن للأحزاب النفاذ منها إلى تشريع القوانين التى تهم المواطن وتقرب وجهات النظر بينه وبين الحكومة.
وبادرت مؤسسات حزبية معدودة، بالدعوة إلى إقامة تحالفات حزبية وحلقات نقاش تسمح لها بتقريب وجهات النظر السياسية والاجتماعية، خاصة الأحزاب المتشابهة فى البرامج، بما يضمن لها الاندماج تحت راية حزبية واحدة، للخروج من حالة «الشخصنة»، ما يمكن معه خلق كيانات ومؤسسات حزبية لا تتعدى الـ 10 أو 15 حزبا قويا ومؤثرا فى الحياة السياسية والاجتماعية، مع ضرورة إشراك رجال الأعمال فى هذه الكيانات لضخ رءوس أموال تضمن استمرارية العمل الحزبى، مثلما يحدث فى كل دول العالم، لكن دون الخلط بين الأموال والممارسات السياسية مثلما حدث فى مصر من قبل فى الحزب الوطنى، مما يسمح لإعادة تقديمها إلى الرأى العام بشكل جديد.
وكشفت مناقشات مشروع قانون نظام الإدارة المحلية الجديد تحت قبة البرلمان، أزمة الأحزاب السياسية فى مصر، ومدى ضعف هذه الأحزاب جماهيريا وشعبيا ووجودها الضعيف جدا فى الشارع، وأنها ملأت الدنيا ضجيجا على مدار الثلاث سنوات الماضية، مناديا بضرورة وسرعة إصدار قانون الإدارة المحلية، وبضرورة إجراء انتخابات المجالس المحلية الشعبية، ليتم تشكيل مجالس محلية تمارس الدور الرقابى على الأجهزة التنفيذية فى المحليات وتكافح الفساد، وعندما قرر مجلس النواب إدراج مشروع القانون على أجندة جلساته العامة لمناقشته، كانت المفاجأة الكبرى أن عددا ليس بقليل من الأحزاب الممثلة فى البرلمان تتحفظ أو ترفض مناقشة القانون فى هذا التوقيت، بحجة أنها غير مستعدة للانتخابات المحلية، وأن الظروف غير مهيأة لإجرائها.
والسؤال الذى يطرح نفسه الآن، وفقا لمراقبين للمشهد، هو لماذا كانت هذه الأحزاب تعلن من حين إلى آخر استعدادها لخوض انتخابات المجالس المحلية وتدريب أعضائها لتأهيلهم استعدادا لها، ولماذا كانت تصدر البيانات الصحفية لتطالب بإصدار قانون الإدارة المحلية وتنادى بسرعة إجراء الانتخابات؟، وعندما وجدت أن القانون ستتم مناقشته وما سيترتب عليه لاحقا من التجهيز لإجراء الانتخابات المحلية من قبل جهات الدولة المعنية، ووقتها سيتكشف الموقف الضعيف للأحزاب وعدم استعدادها لخوض الانتخابات.
من ناحية أخرى، تنتظر الحياة الحزبية فى مصر استحقاقات مهمة، تبدأ بالانتخابات المحلية ثم مجلس النواب تليها مجلس الشيوخ، وتعتمد جميعها على التنافس للفوز فى آلاف الدوائر الانتخابية على مستوى الجمهورية، وهو ما يضع الأحزاب السياسية فى مأزق كبير، لما تلزمه هذه المرحلة من الاستعداد بأحزاب قوية تستطيع المنافسة، حتى لا تقتصر المنافسة والفوز على الأحزاب الكبرى التى استطاعت فرض نفسها بقوة على رجل الشارع، وهو ما يستوجب بإلحاح ضرورة توافر الإرادة الحزبية والخروج من حالة الشخصنة، من أجل تطوير المعادلة الحزبية، حيث من المتوقع أن يشهد 2020 حراكا سياسيا واسعا يشمل الدولة بشكل عام، مع بداية الدعوة لانتخابات المحليات، وهى التجربة الأهم التى ستكشف الكيانات الحزبية الحقيقية التى لها تأثير أو بصمة لدى رجل الشارع، خاصة أنها أهم ملف انتخابى يمس المواطن بشكل مباشر، وما يتعلق بأمور الخدمات والبنية التحتية والمرافق.. فهل ستنجح الـ 104 أحزاب فى أول اختبار لها مع رجل الشارع.. أم ستلجأ إلى الاندماج للإفلات من شبح الفشل؟