«المواصفات والجودة» تورط «الصناعة» في أزمة طفايات الحريق

السبت، 11 يناير 2020 07:34 م
«المواصفات والجودة» تورط «الصناعة» في أزمة طفايات الحريق
طفايات الحريق

- الهيئة تتجاهل مخالفة المواصفة القياسية للمواصفات العالمية وتعتبر المواصفة 734 لسنة 2006 هى الأساس رغم تعديلها فى 2013 برقم 734

- موقع هيئة المواصفات والجودة يؤكد أنهم يسيرون على المواصفة 734 لسنة 2013

قبل شهرين، نشرت «صوت الأمة» تحقيقها الاستقصائى؛ حول المواصفة القياسية للبودرة المستخدمة فى إنتاج طفايات الحريق فى مصر، وعلى مدار 4 أعداد واصلت نشر الأوراق والمستندات والتقارير الصادرة من جهات عدة، التى تشير إلى أن المواصفة القياسية مخالفة لكافة المواصفات العالمية، وتسمح بإنتاج نوع من طفايات الحريق للتعامل مع فئات الحرائق الخمسة وهى المحظورة فى كافة دول العالم، وترفضها كافة المواصفات العالمية.
 
نتج عن تحقيق «صوت الأمة» ردود أفعال قوية، وتواصلت معنا أجهزة معنية بحماية الأسواق للحصول على نسخة من الأوراق والمستندات والتقارير التى انفردنا بنشرها، وتلقى مجلس النواب طلبات إحاطة للتحقيق فى الأمر، كما تلقى النائب العام بلاغًا رسميًا للتحقيق فيما تم نشره، بالإضافة للدعوى القضائية التى طالبت بوقف وإلغاء المواصفة القياسية لما تمثله من خطورة.
 
وزارة التجارة والصناعة، والهيئة العامة للمواصفات والجودة، تلقت خطابات رسمية طالبت بوقف العمل بالمواصفة، وتشكيل لجنة لإعادة النظر فيها، ورغم أن «صوت الأمة» تواصلت حينها مع رئيس هيئة المواصفات والجودة، وهى الجهة المعنية بوضع المواصفات القياسية، إلا أنه رفض التعليق وهدد بالملاحقات القضائية لنشر المستندات، فى حين التزمت وزارة التجارة والصناعة الصمت وقتها.
 
ومع التعديل الوزارى الأخير، كان وزير التجارة والصناعة من بين من شملهم التغيير، وجاءت الوزيرة نيفين جامع لتولى المنصب، بعد النجاح الكبير الذى حققته أثناء توليها رئاسة جهاز تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ورغم أن لجنة الصناعة بمجلس النواب حددت جلسة 23 ديسمبر الماضى لمناقشة ملف طفايات الحريق، لكنها قررت إرجاء الجلسة لاستدعاء الوزيرة والانتظار لحين إلمامها بكافة التفاصيل والاطلاع عليها، وهو أمر مفهوم وطبيعى فى ظل مرور أيام قليلة على توليها الوزارة، وانتظر الجميع تحديد جلسة قريبًا.
 
المفاجأة كانت ما صدر عن وزارة التجارة والصناعة يوم الجمعة 3 يناير من نفى لكل ما ذُكر فى التحقيق الذى نشرناه، والتأكيد على أن المواصفة القياسية والبودرة المستخدمة «سليمة» و«آمنة»، دون أن يتطرق البيان إلى ذكر الحجج والأسانيد التى ارتكز عليها، وهل قامت الوزارة بمراجعة الهيئة العامة للمواصفات والجودة؟ أم قررت تشكيل لجنة محايدة لمراجعة المواصفة القياسية أو تحليل البودرة المستخدمة ومقارنتها مع المواصفات العالمية؟
 
تعاملت وزارة التجارة والصناعة مع التحقيق الصحفى وكل ما نشرناه من تقارير رسمية صادرة عن جهات عدة من بينها التقرير الصادر عن هيئة مفوضى الدولة بالمحكمة الإدارية العليا، وتقرير الإدارة العامة للحماية المدنية بوزارة الداخلية، والتقارير والدراسات الصادرة عن اللجان المشكلة من أساتذة كليات العلوم بجامعات القاهرة وعين شمس والإسكندرية، والمركز القومى للبحوث، على أنها «شائعة»، وألصقت بالتحقيق وبكل تلك المستندات والتقارير والدراسات التى حذرت من المواصفة القياسية صفة «الشائعة»، ورغم التحذيرات العالمية التى حذرت من خطورة إنتاج طفايات حريق للتعامل مع الفئات الخمسة فى طفاية واحدة كما هو معمول فى مصر.
 
البيان الصادر عن وزارة التجارة والصناعة ينم على أنه صدر للنفى من أجل النفى، دون إجراء أية دراسة، أو مراجعة حقيقية وجادة لما تم نشره أو الاطلاع على المستندات والتقارير، خاصة وأنه ذكر أن المواصفة القياسية المصرية لطفايات الحريق المعمول بها هى رقم 734 لسنة 2006، رغم أن المواصفة محل التحقيق هى رقم 734 لسنة 2008، والتى تم تعديلها لتصبح 734 لسنة 2011، ثم 734 لسنة 2013، والتى ذكرت عنها هيئة مفوضى الدولة أن التعديل جاء لسنة الإصدار فقط دون تعديل المضمون، حيث تم الإبقاء على كافة المخالفات التى تحويها المواصفة، ووصفته المفوضين بأنه التفاف للهروب من مظلة المشروعية.
 
لا نعرف من وٌرط وزارة التجارة والصناعة فى إصدار مثل ذلك البيان، وسرعة إصداره دون التأكد والمراجعة، وقام بنشر ووضع معلومات خاطئة وخلط الأمور ببعضها البعض، ولم ينتظر جلسة لجنة الصناعة بمجلس النواب، خاصة أن الوزيرة لم يمر على توليها المنصب سوى ما يقارب 15 يومًا، وبالتأكيد مثل تلك المدة ليست كافة للتأكد من صحة ما تم نشره ومراجعة كل الجهات التى أصدرت تلك التقارير والمستندات، وإجراء التحاليل اللازمة للبودرة المستخدمة، ومراجعة المواصفات القياسية العالمية فى هذا الشأن، وكان الأولى إجراء تلك الخطوات أولًا، وانتظار جلسة مجلس النواب التى قررت التأجيل لحين حضور الوزيرة احترامًا لحداثة توليها المنصب.
 
قبل ذلك بأيام قليلة، خرج رجل الأعمال الدكتور نادر رياض، صاحب شركة بافاريا التى تستحوذ على أكثر من 95 % من سوق طفايات الحريق فى مصر، ليدافع عن المواصفة القياسية لإنتاج بودرة طفايات الحريق، فى مداخلة هاتفية مع أحد البرامج التليفزيونية، وتهكم رجل الأعمال نادر رياض، على ما تم نشره، وذكر أن التحقيق الصحفى يُشكك فى الأجهزة الرقابية للدولة، ولا نعرف لماذا يتحدث الدكتور رياض باسم مؤسسات الدولة؟ وبأى صفة؟ ولماذا يدافع عن المواصفة القياسية رغم أن الجهة المنوطة بها وضع المواصفة القياسية هى «الهيئة العامة للمواصفات والجودة»، ورغم أن التحقيق الذى نشرته «صوت الأمة» بالأساس يتحدث عن المواصفة القياسية لبودرة طفايات الحريق، وهل دفاعه عن هذه المواصفة يعنى أنه المستفيد الأكبر منها ومن الوضع الذى نتج عن العمل بها من منع الاستيراد والتصدير للخارج؟!
 
استشهد صاحب شركة بافاريا بالآية القرآنية «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ»، وقال «إن قليل من العلم مضر»، للإيحاء بأن ما تم نشره جاء بناءً عن جهل وعدم دراية ومعرفة، مشككًا فيما تم نشره، وكأن تلك التقارير والمستندات والدراسات الصادرة عن أساتذة الكيمياء والفيزياء بجامعات القاهرة وعين شمس والإسكندرية صادرة بدافع من الـ«الفسق» و«الجهل». 
 
رجل الأعمال نادر رياض، صاحب شركة بافاريا، قال إن البودرة المستخدمة فى طفايات الحريق المصرية هى التى تم استخدامها فى حرب أكتوبر 1973، ولا نعرف ما علاقة حرب أكتوبر 1973 بالمواصفة القياسية التى تناولها التحقيق والتى صدرت بعد حرب أكتوبر بـ35 عامًا! (المواصفة رقم 734 لسنة 2008 وتعديلاتها)، ولم يكتف «رياض» بذلك، إنما لمح إلى أن السبب وراء نشر تلك التقارير والمستندات هو الصراع بين مستوردى الكيماويات الرديئة والرثة التى من الممكن أن تحول مصر إلى متلقى للنفايات، وفقًا لقوله، متناسياً أو لعله أراد ألا يعلم أحد حقيقة أن الإدارة العامة للحماية المدنية رفضت ما يقرب من 3 أطنان بودرة استوردتها شركته «بافاريا» قبل أسابيع بعد أن قامت مصلحة الكيمياء التابعة لوزارة التجارة والصناعة بتحليلها وأثبتت عدم صلاحيتها، وذلك بعد تشكيل لجنة حللت البودرة التى استوردها للحماية المدنية وتبين عدم صلاحيتها.
 
جاء رد الدكتور نادر رياض خلال المداخلة الهاتفية، خاليًا من أى ردود فنية على ما ذكرته الأوراق والمستندات والتقارير والدراسات السابق ذكرها، ولم يجب عن السؤال الأهم؛ لماذا تنتج شركته فى مصر طفايات حريق تحمل الفئات الخمسة، ولا ينتجها فى ألمانيا رغم أنها هى نفسها ذات الشركة التى اشتراها قبل أعوام؟ (فى بداية عام 1999 قامت بافاريا مصر وصاحبها نادر رياض بشراء 100 % من أسهم شركة بافاريا ألمانيا).
 
لم ينكر رئيس شركة بافاريا أيضًا أن شركته قامت بوضع الاعتمادات والشهادات التى حصلت عليها الشركة فى ألمانيا قبل أن يقوم بشرائها والاستحواذ عليها، وألصق تلك الشهادات والاعتمادات على الطفايات التى ينتجها فى مصر، رغم أن الطفايات فى السوق المصرية لها مواصفات ومعايير وشهادات واعتمادات خاصة بها.
 
يبقى التأكيد على أن «صوت الأمة» لم تبتغ سوى مصلحة الوطن والمواطن المصرى، وهى أحرص على حماية حقوق الدولة والمواطنين والأمن القومى المصرى، ورفضها التشكيك فى أى من مؤسسات الدولة، وكما ذكرت هيئة المفوضين أن الهدف هو عدم تقويض صناعة مهمة كأجهزة إطفاء الحريق والتى لا يخلو أى منزل أو مصنع أو مكتب أو سيارة أو طريق منها، ويقلل كفاءتها، ويستغل ذلك فى قتل المنافسة وتسهيل الاحتكار ووأد الصناعة، كما أنه من متطلبات الأمن القومى عدم إصدار مواصفات قياسية معيبة وإلصاق صفة الجودة بها، والزعم باتفاقها مع المواصفات العالمية على غير الحقيقة.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق